بإذن من الملك محمد السادس.. المجلس العلمي الأعلى يعقد دورته العادية ال 34    خلوة مجلس حقوق الإنسان بالرباط، اجتماع للتفكير وتبادل الآراء بشأن وضعية المجلس ومستقبله    المحكمة الجنائية الدولية تصدر مذكرات اعتقال بحق رئيس حكومة إسرائيل ووزير دفاعه السابق    البطولة الوطنية الاحترافية لأندية القسم الأول لكرة القدم (الدورة 11): "ديربي صامت" بدون حضور الجماهير بين الرجاء والوداد!    الحزب الحاكم في البرازيل يعلن دعم المخطط المغربي للحكم الذاتي في الصحراء    المغربيات حاضرات بقوة في جوائز الكاف 2024    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    الاستئناف يرفع عقوبة رئيس ورزازات    طنجة.. توقيف شخصين بحوزتهما 116 كيلوغرام من مخدر الشيرا    مؤشر الحوافز.. المغرب يواصل جذب الإنتاجات السينمائية العالمية بفضل نظام استرداد 30% من النفقات    المركز السينمائي المغربي يقصي الناظور مجدداً .. الفشل يلاحق ممثلي الإقليم    لأول مرة.. روسيا تطلق صاروخا باليستيا عابر للقارات على أوكرانيا    زكية الدريوش: قطاع الصيد البحري يحقق نموًا قياسيًا ويواجه تحديات مناخية تتطلب تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص    ارتفاع أسعار الذهب مع تصاعد الطلب على أصول الملاذ الآمن    وزارة الإقتصاد والمالية…زيادة في مداخيل الضريبة    تنسيقية الصحافة الرياضية تدين التجاوزات وتلوّح بالتصعيد    الجديدة: توقيف 18 مرشحا للهجرة السرية        "ديربي الشمال"... مباراة المتناقضات بين طنجة الباحث عن مواصلة النتائج الإيجابية وتطوان الطامح لاستعادة التوازن    دراسة: تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة    مشاريع كبرى بالأقاليم الجنوبية لتأمين مياه الشرب والسقي    جمعويون يصدرون تقريرا بأرقام ومعطيات مقلقة عن سوق الأدوية    اسبانيا تسعى للتنازل عن المجال الجوي في الصحراء لصالح المغرب    سعر البيتكوين يتخطى عتبة ال 95 ألف دولار للمرة الأولى        أنفوغرافيك | يتحسن ببطئ.. تموقع المغرب وفق مؤشرات الحوكمة الإفريقية 2024    ارتفاع أسعار النفط وسط قلق بشأن الإمدادات جراء التوترات الجيوسياسية    "لابيجي" تحقق مع موظفي شرطة بابن جرير يشتبه تورطهما في قضية ارتشاء    نقابة تندد بتدهور الوضع الصحي بجهة الشرق    بعد تأهلهم ل"الكان" على حساب الجزائر.. مدرب الشبان يشيد بالمستوى الجيد للاعبين    رودري: ميسي هو الأفضل في التاريخ    الحكومة الأمريكية تشتكي ممارسات شركة "غوغل" إلى القضاء    8.5 ملايين من المغاربة لا يستفيدون من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض    مدرب ريال سوسيداد يقرر إراحة أكرد    من شنغهاي إلى الدار البيضاء.. إنجاز طبي مغربي تاريخي    حادثة مأساوية تكشف أزمة النقل العمومي بإقليم العرائش    الشرطة الإسبانية تفكك عصابة خطيرة تجند القاصرين لتنفيذ عمليات اغتيال مأجورة    المركز السينمائي المغربي يدعم إنشاء القاعات السينمائية ب12 مليون درهم    انطلاق الدورة الثانية للمعرض الدولي "رحلات تصويرية" بالدار البيضاء    البابا فرنسيس يتخلى عن عُرف استمر لقرون يخص جنازته ومكان دفنه    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    اليسار الأميركي يفشل في تعطيل صفقة بيع أسلحة لإسرائيل بقيمة 20 مليار دولار    الأساتذة الباحثون بجامعة ابن زهر يحتجّون على مذكّرة وزارية تهدّد مُكتسباتهم المهنية    شي جين بينغ ولولا دا سيلفا يعلنان تعزيز العلاقات بين الصين والبرازيل        جائزة "صُنع في قطر" تشعل تنافس 5 أفلام بمهرجان "أجيال السينمائي"    بلاغ قوي للتنسيقية الوطنية لجمعيات الصحافة الرياضية بالمغرب    منح 12 مليون درهم لدعم إنشاء ثلاث قاعات سينمائية        تفاصيل قضية تلوث معلبات التونة بالزئبق..    دراسة: المواظبة على استهلاك الفستق تحافظ على البصر    من الحمى إلى الالتهابات .. أعراض الحصبة عند الأطفال    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    "من المسافة صفر".. 22 قصّة تخاطب العالم عن صمود المخيمات في غزة    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هكذا استفاد نافذون من امتيازات خيالية بالبيضاء
بينهم أباطرة العقار الذين حصلوا على رخص استثنائية مقابل هبات تافهة وسماسرة البناء العشوائي
نشر في المساء يوم 10 - 12 - 2012

لا يكاد شبر من دار بوعزة جنوبا إلى المحمدية شمالا ومن ضفاف المحيط الأطلسي
غربا حتى حدود سيدي حجاج شرقا يخلو من شبهة فساد. هذه حدود الدار البيضاء الكبرى التي تختبئ بين أزقتها وفي ثنايا دروبها وإقاماتها ملفات تطوق أعناق مسؤولين بها. نعود من جديد لنرصد أفظع ملفات مشبوهة، التي تورط مسؤولين نافذين في العاصمة الاقتصادية في ملفات غامضة، دخول أباطرة العقار بالبيضاء فيها يزيدها غموضا. في هذا التحقيق نعرض كيف استفاد سماسرة البناء العشوائي بالبيضاء وضواحيها من الربيع العربي، ونعرج على ملفات أخرى تختلط فيها رائحة سوء التدبير والتبذير بشبهات فساد، ويستبدل لام الاختلال سينا فيصير بجرة قلم اختلاسا. كل ذلك بالوثائق والأدلة الملموسة.



شيكات في درج
عدد كبير من الشيكات التي تقدر قيمتها بملايير السنتيمات ما زالت محتجَزة، حتى الآن، في درج خازن الجماعة الحضرية للدار البيضاء الكبرى منذ سنوات ولم تصرف أو تستغل، بسبب عدم وجود تبويب خاص بها في ميزانية الجماعة الحضرية.
هذه الشيكات عبارة عن مبالغ مالية سلمها منعشون كبار للجماعة الحضرية بعد بيعهم أجزاء من مشاريع سكنية أنجزوها بشكل مخالف لقوانين التعمير، وقد تم الحصول على هذه الشيكات بناء على دورية صادرة عن ولاية جهة الدار البيضاء الكبرى، وموقعة من طرف الوالي السابق، محمد القباج، والعمدة الحالي محمد ساجد، والعامل السابق للوكالة الحضرية للدار البيضاء الكبرى، في 29 ماي 2008.
وتشير هذه الدورية، التي سبق ل «المساء» أن نشرت فحواها، إلى أنه يمكن تسوية وضعية مشاريع سكنية فيها مخالفات وتجاوز لتصاميم التهيئة وتم بيعها، دون الحاجة إلى هدمها أو دفع غرامة للمحكمة، بل الاقتصار على دفع نصف قيمة العقار المتحصل نتيجة المخالفة للجماعة الحضرية بعد بيعه، كما أن استخلاص الجماعة نصف ثمن بيع هذه المشاريع المبنية ضدا على قوانين التعمير يدخلها، مباشرة، في نطاق المشاريع القانونية والعادية.
هذا القرار المثير للانتباه والذي يهدف، كما يشير نصه، إلى دعم «الاستثمار العقاري»، فتح باب الجماعة الحضرية لتحصل، بموجبه، على شيكات بمبالغ مالية كبيرة من منعشين عقاريين مقابل المخالفات التي قاموا بها، واستمر حصول الجماعة على شيكات إلى حدود سنة 2009، تاريخ إلغاء هذه الدورية.
وهكذا ظل الخازن الجماعي يتوصل بالشيكات بناء على الدورية حتى إلغاء العمل بها في 2009، كما كان يضعها في خزانته الخاصة، نظرا إلى أن ميزانية الجماعة لم يدرج فيها باب خاص بهذه الذعائر، إلى حدود اليوم، ما يجعل أمر إدراجها ضمن ميزانية الجماعة مخالفا للقانون، كما لم يتمَّ اتخاذ أي إجراء بهذا الصدد حتى الآن.
المشكل سيتفجر أكثر عندما كشف رئيس فيدرالية المنعشين العقاريين الصغار في لقاء حضره وزير السكنى والتعمير، قبل أشهر قليلة، أن عدد هذه الشيكات يصل إلى 40، كما أن الفرقة الوطنية للشرطة القضائية دخلت، مؤخرا، على الخط للتحقيق في الأمر، كما تبين أن أحد المنعشين العقاريين المعروفين عمد إلى وضع شيك بقيمة تفوق 600 مليون سنتيم، لتسوية الوضعية القانونية لمخالفة عقارية قام بها في مشروعه.
الجديد في هذا الملف الموغل في الغموض هو ما كشفه عضو مجلس المدينة المستقل، مصطفى رهين، ل«المساء» بشأن تورط مسؤولين في فضيحة الحصول على مبالغ مالية من منعشين عقاريين مخالفين من أجل إرجاع الشيكات لهم، رغم أن هؤلاء المسؤولين يعلمون أن هناك قرارا سيخرج في القادم من الأيام ويقضي بإرجاع الشيكات لأصحابها بموازاة مع إخراج تصاميم تهيئة تسوى المخالفات، ضمنيا، في إطارها.


امتيازات تحت الطاولة
النفاذ بين الثغرات القانونية والتسلل بين البنود التعاقدية المبهمة هي إذن أكبر المفاتيح المفسرة للملفات المشبوهة التي تجري بالدار البيضاء. في النهاية، تُضاف إلى هذه الوصفة توابل وبهارات عبارة عن علاقات شخصية واستغلال للنفوذ.
بعض هذه الملفات ضمتها وثيقة حصلت عليها «المساء» ويتعلق الأمر بجرد للممتلكات التي يستفيد منها بعض النافذين والأشخاص بطريقة غامضة. الجرد الذي أشرفت عليه لجنة مراجعة العقود والممتلكات والامتيازات يشمل قرابة 30 ملفا تدور حوله شبهة. كل شبهة من هذه الشبهات تكلف الدولة، وتحديدا الجماعة الحضرية للدار البيضاء الكبرى، ملايير الدراهم، وفق ما أفصح عنه عبد الحق المبشور، رئيس اللجنة المذكورة ل«المساء».
بعض الملفات الواردة في الجرد سبق ل«المساء» كشفها مثل ملف استغلال مقهى «السقالة» من طرف شخص مقابل سومة كرائية لا تتجاوز 750 درهما، وهو المبلغ الذي أبانت لجنة تقويم أنه ضئيل جدا كاشفة، وفق محضر موقع بتاريخ 21 شتنبر 2012 الماضي، أن السومة الكرائية التي يجب أن تكون هي 42 ألفا و571 درهما شهريا بالنظر إلى القيمة التاريخية لفضاء «السقالة» وحجم معاملات المقهى المذكور الذي يقدر بملايين السنتيمات أسبوعيا.
بين الملفات أيضا ما يتعلق باستغلال سوق نموذجي بشارع الجيش الملكي، وبمحاذاة المدينة القديمة. هذا السوق فوت حق استغلاله لشركة يملكها مستشار جماعي مقابل 39 مليون فقط. ليس هذا فقط، بل تبين أن المحلات التجارية بهذا السوق يتم تفويت حق استغلالها بطرق ملتوية، إلى درجة أن مهاجرين أفارقة من دول جنوب الصحراء حصلوا على محلات تجارية بهذا السوق. قائمة الملفات تضم أيضا استفادة عدة أشخاص بينهم مسؤولون متقاعدون وعمال من شقق تابعة للجماعة الحضرية للدار البيضاء بسومات كرائية متدنية لا تتجاوز في بعض الأحيان مبلغ 20 درهما شهريا.
أول ملفات هذه الشقق يخص ممتلكات الجماعة بمقاطعة آنفا، ويتعلق الأمر بعمارتين قرب مسجد بدر بحي «بوركون»، تضم أولاهما 13 شقة والأخرى 14 شقة، أي مجموع 27 شقة، تستغل من طرف أشخاص مقابل سومة كرائية تتراوح ما بين 20 و25 درهما شهريا.
وإلى جانب هذه الشقق المستغلة منذ ستينيات القرن الماضي بهذه الطريقة، بين الملفات ما يتعلق بشقق أخرى تابعة للمركب الثقافي سيدي بليوط، تستغل بنفس الطريقة، إلى جانب شقق ومساكن أخرى تابعة لكل من «النادي الرياضي الوازيس» ومقر «النادي الرياضي الكرة الرياضية المعارفية». هذان الناديان والموجودان على مساحة شاسعة بقلب المعاريف يخصصان لممارسة الرياضة وتحديدا الكرة الرياضية ويضمان مطعمين وخمارتين تدران أرباحا طائلة شهريا، في الوقت الذي لا يؤدي المستفيدون من هذه النوادي سوى واجبات كراء متدنية تم رفعها في الآونة الأخيرة إلى 10 آلاف درهم. الناديان يضمان أيضا مساكن يتم استغلالها بطريقة غامضة مقابل أكرية متدنية.
الملفات تتناسل، وتحديدا بالمعاريف، وتظهر أسماء مؤسسات مغربية وأجنبية معروفة تستغل عقارات تابعة للجماعة الحضرية للدار البيضاء بطريقة ملتبسة. بين العقارات أرض كانت جماعة آنفا قد باشرت اقتناءها من الأملاك الخاصة للدولة، إلا أن عملية تملكها بصفة نهائية لم تكتمل ليتم استغلالها من طرف مطعم دولي معروف بطريقة غامضة.
بين الشركات المستفيدة من غموض تدبير ملفات عقارية تابعة لمدينة الدار البيضاء ملف ضخم وفاضح، يخص مشروع «فلوبير»، الموروث عن جماعة مولاي يوسف سابقا. الأمر يتعلق بتفويت الرئيس السابق للجماعة لصفقة إقامة مشروع سكني لإحدى الشركات، غير أن مسير الشركة عمد إلى بيع الشقق، التي تم إنجازها بطريقة غريبة، وحين كشف أمره تعهد ببناء شقق أخرى لتعويض الشقق التي باعها، والتي كانت في الأصل مخصصة للجماعة.
ملفات «الاحتيال» على المصالح الجماعية على النحو الذي يكشف ملف «فلوبير» كثيرة، بينها عملية تفويت ملتبسة لمركب رياضي شهير بقلب حي بوسيجور وتبلغ مساحته هكتارات، لمستثمر عقاري معروف مقابل استبدال الأرض القيمة هاته بمركب رديء بناه المستثمر ب»أربعاء اولاد جرار»، ضاحية الدار البيضاء الجنوبية.
أكثر من هذا كله، فبعد شهور من عملية الاستبدال الغامضة هاته، خرج تصميم تهيئة يسمح بإقامة عمارات من أربعة طوابق فوق أرض بوسيجور، ليسارع المستثمر المستفيد إلى تشييد مشروع سكني ضخم در عليه أرباحا طائلة.
على هذا النحو استفاد أباطرة المشاريع العقارية من امتيازات غامضة عن طريق اللجوء إلى طرق خاصة. بين هذه الطرق إنجاز خدمات صغيرة أو هبات تافهة مقابل الحصول على رخص استثنائية لإقامة مشاريع عقارية تدر عليهم أضعاف ما يمنحونه من هبات أو خدمات. هذه العمليات تكثفت بشكل كبير بمقاطعة الصخور السوداء، حسب ما أسره رئيس لجنة مراجعة العقود والامتيازات ل«المساء»، وتحديدا أيام كان السليماني والعفورة وشوقي يتحملون مسؤوليات جماعية وترابية بالبيضاء والصخور السوداء أساسا.
عدد الرخص الاستثنائية التي تم منحها بهذه الطريقة وتم جردها حتى حدود سنة 1999، تاريخ تسوية وضعيتها القانونية بإخراج تصاميم التهيئة، بلغ 15 ملفا. أغلب هذه الملفات تتعلق بهبات من شركات عقارية للجماعة الحضرية للدار البيضاء والتكفل بإنجاز مركبات اجتماعية وثقافية ورياضية أو طرق مقابل الترخيص الاستثنائي لإقامة مشاريع عقارية.
المشكل الأكبر هو أن بعض من استفادوا من رخص استثنائية لإقامة مشاريع درت عليهم الملايير لم ينجزوا تعهداتهم رغم مضي سنوات، بحيث لم ينهوا إنجاز مركبات اجتماعية، كما هو حال ملف هبة لفائدة الجماعة من شركة عبارة عن مشروع مركب اجتماعي بحي عادل فوق مركز حفظ الصحة، حيث لم يستكمل المستثمر إنجاز المشروع. الأمر ذاته شمل ملف هبة لفائدة الجماعة من طرف شركة لبقعة أرضية مساحتها 5 آلاف متر مربع قبل أن يتبين أن الأمر يتعلق بأرض فوقها حي صفيحي يستوجب إجراءات عديدة وموارد مالية كبيرة لإفراغ سكانه.
أراض أخرى تم وهبها للجماعة مقابل الترخيص الاستثنائي لمشاريع عقارية لم تستفد منها الجماعة والسبب احتلالها هذه المرة من طرف شركات يتعاقد معها مجلس مدينة البيضاء، ويتعلق الأمر بشركة «ليديك» التي تحتل أرضا مملوكة للجماعة ومطالبة بإفراغها.


ساجد في قفص الاتهام
البداية من آخر ملف تم كشفه بالدورة الأخيرة لمجلس مدينة البيضاء الأسبوع ما قبل الماضي. مصطفى رهين، عضو المجلس المذكور اتهم مسؤولين في البيضاء، وعلى رأسهم محمد ساجد، عمدة المدينة بالتورط في فضائح مالية، حسبه.
أولى هذه «الفضائح» مرتبط بما سبقنا، في «المساء»، إلى نشره، ويتعلق الأمر باستخلاص «إتاوات»، حسب رهين، من منعشين عقاريين مقابل إرجاع شيكات كانوا قد وضعوها لدى الخازن الجماعي مقابل تسوية ملفات خروقات عقارية في مشاريع.
الأمر لم يقف عند هذا الحد وصك اتهام العضو الجماعي وصل درجة اتهام صريح للعمدة ساجد في عدة ملفات بينها ملف خلق ساجد وأخيه، مصطفى، لشركة عقارية اسمها «SIHAMRI» تملك عمارة بزنقة «موليير» بشارع آنفا. المثير هو أن ساجد وشقيقه اكتريا هذه العمارة لشركة «كازاترانسبور»، المشرفة على مشروع «ترامواي» البيضاء، وهو المشروع الذي يوجد اسم ساجد، بصفته عمدة البيضاء، ضمن مموليه بنسبة 38 في المائة.
هذا ما كشفت مصادر أنه خرق للميثاق الجماعي الذي يمنع، في فصله الثاني والعشرين، على أي منتخب أن يربط أية علاقة مادية أو مصلحة بالجماعة التي انتخب فيها، سواء عبر صفقات أو بيع أو كراء.
داخل كل مصلحة أو قسم أو إدارة بالدار البيضاء تدور قصص وتُحبس أسرار. بعض هذه الأسرار مخبأ بإحكام في القسم القانوني للجماعة الحضرية للدار البيضاء الكبرى. هذا القسم الذي هو بمثابة العلبة السوداء للبيضاء.
شبهة مثيرة تدور بشأن هذا القسم ويتعلق الأمر بالقضايا المرفوعة ضد الجماعة الحضرية للبيضاء والتي غالبا ما تخسرها الجماعة. وهكذا تخصص الدار البيضاء سنويا 7 ملايير سنتيم لسداد تعويضات لأشخاص أو مؤسسات ترفع دعاوى ضد الجماعة بسبب أمر معين كاستغلال الملك دون موجب حق. المثير هو أن هذه الميزانية السنوية تبتلع كلها بسبب خسارة الجماعة الحضرية للدار البيضاء لجل القضايا المرفوعة ضدها، وهو ما يطرح أسئلة شك.
بعض هذه الأسئلة وقفت عليها «المساء» في ملف مرتبط بمافيات تزوير عقارات الأجانب بالبيضاء، ويعود لعقار بالمعاريف في ملكية الجماعة وتم الاستيلاء عليه بطريقة مثيرة، ما اضطر الجماعة إلى رفع دعوى قضائية ثم خسرانها في نهاية المطاف، والأكثر من هذا الحكم على الجماعة بأداء غرامة خيالية للأشخاص الذين تمكنوا من الظفر بالعقار، والسبب هو تقصير من محامي الجماعة في الدفاع عن ملك الأخيرة، وهو ما تكشفه التفاصيل القانونية للملف. هذا الأمر تستطرد مصادر «المساء» في استيضاحه بالقول: «العملية تتم عن طريق التغاضي عن منافذ قانونية أو تعمد القيام بأخطاء مسطرية تفضي إلى رفض الطلب من حيث الشكل، وهو ما يبرر العدد الكبير للملفات التي تخسرها الجماعة الحضرية للدار البيضاء الكبرى».


فواتير وهمية
في ملفات غامضة كثيرة بالدار البيضاء تتقاطع مصالح عدة، وتبرز شبكة معقدة من المصالح تتخذ من مجالات بعينها فرصة للكسب تحت الطاولة. بين هذه المجالات استهلاك مرافق تابعة للجماعة الحضرية للدار البيضاء الكبرى للماء والكهرباء، والتي تقدر فاتورتها بالملايير، رغم أن الأمر قد يتعلق باستهلاكات وهمية. كيف ذلك؟ حصلت «المساء» على نموذج من فواتير استهلاك مرافق جماعية، بينها أسواق بلدية ومساجد وسقايات عمومية، تضم مبالغ كبيرة وتسجل حجم استهلاك خيالي بطريقة غير مفهومة. ضمن هذه الفواتير ما يرجع لأسواق جماعية بينها سوق السلك بالحي الحسني. هذا السوق غير مربوط بشبكة الماء، ولا توجد بمحلاته التجارية أنشطة تتطلب في عملها الماء. ليس هناك صنبور واحد ولا حتى مرحاض، ورغم ذلك سدد، ما بين شهر مارس ويونيو الماضيين، وعلى سبيل المثال فقط، 22 ألفا و375 درهما، علما أن هذا السوق لا يضم صنابير أو مراحيض عمومية أو أي ربط بشبكة الماء، والأكثر من هذا فالجماعة الحضرية، كما تشير الفاتورة، مطالبة بتسديد مبلغ يفوق 32 مليون سنتيم، والتي تمت الإشارة إلى أنها مبالغ استهلاك للماء غير مؤداة بهذا السوق.
فاتورة أخرى حصلت عليها «المساء» تخص سوق الألفة، والذي رغم أنه لا يضم سوى بضعة جزارين، بعضهم يحتل الشارع العام لإقامة مطعم، وبائعي سمك ودواجن، إلا أن فاتورة استهلاك الماء وحده بهذا السوق بلغت ما بين مارس ويونيو الماضيين أزيد من 75 ألف درهم، كما تكشف الفاتورة ذاتها أن «ليدك» مدينة لجماعة البيضاء بمبلغ يفوق 120 مليون سنتيم مقابل استهلاك الماء بهذا السوق.
الأمر يستدعي الانتباه أكثر عند تفحص فاتورة استهلاك سوق نموذجي خال، تقريبا، من التجار الذين يفضلون عرض سلعهم بالشارع. ورغم فراغ السوق من التجار إلا أن جماعة البيضاء تسدد عنه ما يقارب 24 ألف درهم في ثلاثة أشهر، بينما سجلت «ليدك» على جماعة البيضاء تأخرها عن أداء أزيد من 31 مليون سنتيم كواجب استهلاك للماء فقط بهذا السوق النموذجي الفارغ.
أسواق أخرى لا يوجد بها سوى عدد قليل من المحلات التجارية المزودة بالماء، ويسدد أصحابها شهريا مبلغ 250 درهما نظير استغلالهم لهذه المحلات، إلا أن الفواتير تشير إلى أرقام استهلاك كبيرة يصل معدلها، خلال كل ثلاثة أشهر، إلى قرابة أربعة ملايين سنتيم.
قائمة الفواتير «الوهمية» تشمل مساجد ومرافق جماعية أخرى وسقايات عمومية، وهكذا تسدد الجماعة الحضرية سنويا مقابل استهلاكات غير مبررة للماء والكهرباء 50 مليون سنتيم كل ثلاثة أشهر مقابل استهلاك الماء و30 مليونا من أجل استهلاك الكهرباء وذلك على مستوى خمسة مساجد فقط، علما أن تدبير أمور المساجد تابع لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، كما يتم صرف 88 مليون سنتيم كل ثلاثة أشهر لسداد واجبات استهلاك دواوير صفيحية للماء والكهرباء، في حين تبتلع الملحقات الجماعية ما يصل إلى 110 ملايين سنتيم كل ثلاثة أشهر عن استهلاك الماء والكهرباء رغم أن هذه الملحقات لا تضم سوى مراحيض يستعملها الموظفون العاملون بها والزوار الذين يرتفقون بها.
كل ذلك إلى جانب تخصيص مبالغ كبيرة لتسديد استهلاك عمال وقياد للماء والكهرباء داخل مساكنهم، بطريقة غير قانونية، رغم أن هؤلاء يحصلون على تعويضات خاصة عن مثل هذه المصاريف.
هذه المعطيات المثيرة سبق أن ذهب إليها افتحاص سابق لمصلحة المراقبة الدائمة بالدار البيضاء، كشف وجود تلاعبات في فواتير استهلاك الماء والكهرباء، حيث يتم تضمين استهلاكات وهمية بملايين الدراهم التي تسدد من ميزانية الجماعة الحضرية للبيضاء.


إشهار باسم الملك
إلى جانب سداد فواتير خيالية عن مرافق جماعية فإن الجماعة الحضرية للدار البيضاء الكبرى تسدد عن شركات خاصة بالإشهار فواتير استغلالها للوحات إشهارية. هذا المعطى ينقلنا إلى ملف شائك آخر شهد تطورات مثيرة وخفية السنة الجارية، تزامنا مع مرور الربيع العربي.
سبق أن أثير موضوع استفادة شركات بعينها من حق استغلال اللوحات الإشهارية بالدار البيضاء، وهذا ما أماط اللثام عنه تقرير صادر عن قسم الشؤون الاقتصادية، وتحديدا مصلحة الإشهار، بدار الخدمات لمجلس مدينة الدار البيضاء. التقرير شخص الوضعية المالية للإشهار لسنة 2010 وكشف عدم تحصيل الجماعة الحضرية للدار البيضاء مداخيل استغلال شركات للوحات الإشهارية بلغت 14 مليون درهم مقابل استغلال 177 لوحة إشهارية بالملك الخاص ومداخيل أخرى فاقت 26 مليونا و235 ألف درهم نظير استغلال 1476 لوحة إشهارية بالملك الجماعي العام.
أكثر من هذا، فهذه الشركات الستة عشر، والتي يتوفر بعضها على رخص استغلال تمتد إلى 30 سنة، تستفيد من سداد الجماعة الحضرية للدار البيضاء عنها استهلاك الكهرباء الخاص باشتغالها وإضاءتها ليلا، علما أن مجموع ما تستخلصه الجماعة من مداخيل من هذه الشركات يكاد يعادل ما تنفقه الجماعة على استهلاك الكهرباء لتشغيل هذه اللوحات، بحيث بلغت قيمة هذا الاستهلاك في ظرف ثلاث سنوات فقط 800 مليون سنتيم.
كل هذه الأموال التي تجنيها شركات الإشهار كانت تدور في إطار يشهد اختلالات قانونية كشف عنها التقرير سالف الذكر، فمن أصل 41 عقدا مبرما مع شركات إشهار، 17 عقدا فقط مصادق عليها من طرف سلطة الوصاية، أي وزارة الداخلية، في حين أزيد من نصف الرخص المسلمة موقع عليها فقط من طرف مجلس مدينة البيضاء، ما يعني أن نصف اللوحات الإشهارية المعلقة بشوارع الدار البيضاء هي غير سليمة من الناحية القانونية.
لكن المثير أكثر في هذا الملف هو ما دار خلال الربيع العربي الذي هبت رياحه على المغرب. خلال هذه الفترة شهد المغرب ما يشبه الفوضى، وإلى جانب حركة 20 فبراير، التي رفعت شعار إسقاط الفساد وطالبت بإصلاحات دستورية، ظهرت موجة مضادة تكثفت للتصويت لصالح الدستور الجديد.
أثناء هذه التفاعلات تمكن نافذون من استغلال الوضع لاستغلال رخص استثنائية غير مرخص لها بطريقة ماكرة. تتجلى هذه الطريقة، وفق ما كشفته مصادر مطلعة، في قيام أشخاص بوضع لوحات إشهارية بالشارع عنوة وتزويدها بالكهرباء خلسة، وتعليق صور للملك أو العلم الوطني بها، حتى إذا ما حاول أفراد السلطة إزالتها يحجمون بسبب تثبيت صورة الملك بها. وبعد مرور أيام يتم الاحتفاظ بصورة الملك في إحدى واجهتي اللوحة وتعليق إشهار خاص في اللوحة الأخرى، وهكذا يتم استغلال لوحة إشهارية عشوائية مجانا باسم الملك.


في أواسط سنة 2011 وبدايات سنة 2012 توجه اهتمام بعض المستفيدين من اختلالات في تدبير أمور الدار البيضاء إلى مجال البناء العشوائي. سماسرة مختصون استغلوا حدثين بارزين، أولهما الربيع العربي الذي أثار ارتباكا كبيرا في صفوف السلطة بالمغرب، فصار عصيا التدخل لمنع ممارسات غير قانونية، وثانيهما تغيير الولاة والعمال بمجموعة من المدن، والتي قادت عمالا ليست لهم قدرة على مواجهة مافيات البناء الصفيحي، إلى بعض المدن.
وهكذا استغل سماسرة البناء العشوائي الربيع العربي، وبتواطؤ مع رجال سلطة بالدار البيضاء وضواحيها، الفرصة لتشييد أحياء عشوائية بالكامل فضلا عن مستودعات «هنغارات»، دون ترخيص، حتى بلغ عدد هذه المنازل العشوائية التي شيدت على صعيد الدار البيضاء في سنة 2012 لوحدها 3800 منزل عشوائي، في حين تقدر المستودعات غير القانونية المشيدة بنحو 200 مستودع.
المعطيات التي تتوفر عليها «المساء» تؤكد أنه على صعيد ضواحي الدار البيضاء الكبرى، التي شهدت أكبر زحف بناء عشوائي هذه السنة، كانت منطقة الشلالات أكثر استهدافا من طرف مافيات البناء العشوائي تليها المجاطية بمديونة، ثم سيدي موسى بنعلي وسيدي موسى المجدوب، ضاحية المحمدية، بينما تصدرت لائحة المناطق الأكثر تسجيلا للبناء العشوائي داخل الدار البيضاء، كما رصدته صور جوية، الحي الحسني، بسبب تساهل رجال سلطة وبعض القياد الذين قدموا إلى البيضاء مؤخرا، ثم البرنوصي فعين السبع.
وفيما يلي صور ملتقطة بواسطة الأقمار الاصطناعية تفضح بناء أحياء ومبان عشوائية في ظرف سنة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.