يقول المؤرخون إن النهضة الأوربية صنعتها البورجوازية أساسا. الفقراء والمهمشون كانوا يثورون وينصبون المشانق لخصومهم، والبورجوازية كانت تستولي على السلطة وتحكم. وعندما اقتحم الناس سجن الباستيل الفرنسي الشهير ورسموا نقطة البداية للثورة الفرنسية في القرن الثامن عشر، فإن البورجوازية هي التي حكمت بعد ذلك وليس ثوار الشوارع. في أوربا، لعبت البورجوازية دورا كبيرا في عصرنة بلدانها واستثمرت الكثير من المال والجهد من أجل أن تخرج هذه القارة من عصر الظلمات إلى عصر التمدن والرفاهية. كان الأوربيون يغرقون في كل أشكال التخلف، ماديا وروحيا. كانوا يموتون بالطاعون والأوبئة بسبب الفقر وقلة النظافة، وكانوا أيضا يحاكمون دجاجة ويحرقونها لأنها وضعت بيضة بفصين، وتلك علامة على أن الدجاجة تسكنها روح شيطانية. اليوم، أصبح كل ذلك جزءا من الماضي، وأوربا تصدر اليوم «حضارتها» إلى العالم. في المغرب، يتوقع أن نمارس الكثير من النقد الذاتي لكي نوجه أسئلة حادة إلى البورجوازية المغربية وما فعلته من أجل المغرب والمغاربة. لقد تعب الناس من رؤية كل هذا الغنى الفاحش الذي تغرق فيه طبقة معينة من الناس ويريدون أن يسألوها: لماذا تأخذين باستمرار ولا تعطين أي شيء؟ البورجوازية المغربية لا تشبه في شيء البورجوازية الأوربية، بل هي نقيضها تماما. في المغرب، يوجد الكثير من أصحاب الملايير لا يؤدون بتاتا ضرائبهم المستحقة، وكثيرون جدا يهرّبون الكثير من الأموال إلى الخارج. وبعضهم يقوم بتبييض الأموال الناتجة عن تهريب المخدرات والتجارة غير المشروعة. وكثيرون جدا يستغلون العمال في المصانع كما لو أنهم عبيد. وكثير من البورجوازيين المغاربة يبكون صباح مساء لأنهم يريدون المزيد من الامتيازات، والمزيد من المال، والمزيد من الإعفاءات الضريبية. في المغرب، المنعشون العقاريون، مثلا، يجنون الملايير بطريقة سهلة جدا وأراض رخيصة أو ممنوحة لهم من طرف الدولة ويبنون «علب وقيد» لمغاربة بثمن الذهب. بعد ذلك يكدسون الملايير ولم يُسمع أبدا أن مجموعة عقارية كبيرة قررت إقامة مشروع كبير لصالح الناس البسطاء. لم يبنوا لا مستشفى ولا طريقا عاما ولا حديقة للتنزه ولا ملعبا للكرة ولا مركبا ثقافيا ولا أي شيء، بل المشكلة أنهم هم الذين يسحقون المتنزهات والملاعب والغابات لبناء العمارات، ومع ذلك يتصرفون وكأن المغرب سيغرق بدونهم. المشكلة أيضا أن أباطرة العقار مارسوا جريمة كبيرة في حق تقاليد المغاربة. لقد بنوا لهم بيوتا صغيرة جدا لا تحفظ لأفراد الأسرة حميميتهم ولا الوقار السائد دوما بين المغاربة. وهناك اليوم فضائح حقيقية في الشقق التي اقتناها المغاربة وبها عيوب مخجلة. إن الأمر يشبه احتيالا علنيا بتواطؤ واضح من جانب الدولة. البورجوازيون المغاربة خارج التاريخ أيضا لأنهم لم يسألوا أنفسهم يوما لماذا ظلوا يشتكون من الضرائب وغياب دعم الدولة وأشياء أخرى، بينما هم لم يقوموا بما يلزم لكي ينخرطوا في سياق الاقتصاد العالمي القوي لكي يحولوا المغرب إلى دولة تصدر المواد الصناعية. البورجوازيون المغاربة لا يسألون أنفسهم لماذا يسارعون إلى اكتساب الجنسيات الأجنبية وكأنهم يخافون من غد لا يعرفون شكله، ولا يسألون أنفسهم لماذا يصرون على الاستثمار في قطاعات سهلة تدخل ضمن اقتصاد الريع، ويربحون أكثر مما يربح نظراؤهم في أكثر الدول غنى، ومع ذلك يشتكون ويشتكون وكأنهم أرادوا أن يحملوا المغرب إلى النجوم، فتم منعهم من ذلك. للأسف، فإن بورجوازيين مغاربة قليلين يقرؤون، والذين يقرؤون منهم لا يحبون قراءة التاريخ، لأن قراءة التاريخ تصيبهم بالخجل حين يطلعون على ما فعلته بورجوازيات العالم من أجل أوطانها. لم يقرؤوا عن بورجوازيي العالم الذين استثمروا في قطاعات صعبة لكنها مؤثرة، مثل الإعلام والسينما والصناعات التقنية الدقيقة، بينما هم يتسابقون نحو الربح السريع ويحولون المغاربة البسطاء إلى مجرد كائنات قابلة «للحلب والعصر».