الحمد لله الواحد الأحد الصمد الذي جعل الجنة من نصيب عباده الصالحين يُدخلها من يشاء. ولو كانت الجنة، أو جزء منها على الأقل بيد المنعشين العقاريين وأباطرة الإسمنت لباعوها بالمتر المربع. والحقيقة أن المغاربة أصبحوا يفكرون كثيرا في الجنة والآخرة وفي القبر الذي سيؤويهم بعد الموت، بعد أن استعصى عليهم اقتناء قبر الحياة، ويتساءلون كذلك: هل أباطرة العقار في المغرب سيدخلون الجنة؟ لأنهم لا يفهمون كيف أن إنسانا يبيع مترا مربعا في الدنيا الفانية بثلاثة ملايين سنتيم يمكن أن يستحق مترا مربعا في الجنة بالمجان. المغاربة، ولكي يتغلبوا على غلاء الأسعار، قرروا أن يسخروا من المنعشين العقاريين فسموهم «الخانقين العقاريين»، لأن مهمتهم حاليا لا علاقة لها بإنعاش السكن، بل بخنق جيوب المواطنين وتحويل حياتهم إلى جحيم. ومن الآن فصاعدا يجب أن يتحول الاسم من «منعش عقاري» إلى «خانق عقاري» أو «شناق عقاري». هناك أيضا حكاية يتداولها الناس حول شقق «اعطيني نشرب». وتقول الحكاية إن جميع الزوجات في مجمع سكني قمن في لحظة واحدة وتوجهن إلى المطبخ وجلبن كوب ماء لأزواجهن، والسبب هو أن زوجا واحدا في إحدى الشقق طلب كوب ماء من زوجته، فتم سماع صوته في كل الشقق، فاعتقدت كل امرأة أن زوجها هو الذي طلب منها كأس الماء. هناك أشخاص في هذه الشقق لم يعودوا يستعملون منبه ساعاتهم لأنهم يعتمدون على منبهات ساعات جيرانهم على الجانب الآخر من الجدار. ويقول أحد سكان عمارة جديدة إنه أصبح يستيقظ كل صباح في السابعة والنصف تماما على صوت أب عصبي يوقظ ابنه الكسول بالشتائم والسباب وهو يصرخ فيه: «نوض تمشي للمدرسة ألحمااااار». في البداية، يقول هذا الرجل، إنه شعر بالرعب وهو يسمع هذا الصراخ قرب أذنه، فاعتقد نفسه في كابوس وأن الجني شمهروش يشتمه في المنام. لكن، مع مرور الأيام وتوالي الصراخ، اعتاد عليه وأصبح يشكر هؤلاء الخانقين العقاريين الأشاوس الذين وفروا عليه شراء ساعة بمنبه، لأن العمارة كلها تستيقظ عندما يصحو أول واحد من السكان ويفتح صنبور الماء أو يدخل المرحاض. من الغريب أن بعض تجار العقار يظهرون في التلفزيون وكأنهم أبطال حرروا البلاد من الاستعمار. ينفخون أوداجهم ويطلبون من الدولة، بالفرنسية طبعا، أن تعفيهم من مزيد من الضرائب وتمنحهم أراضي أكثر، ثم يرى الناس عمارات مائلة أو عمارات تسقط على رؤوس سكانها. وفي طنجة تحولت إحدى الإقامات إلى معلمة سياحية، لأن الناس الذين لم يستطيعوا الذهاب إلى إيطاليا لمشاهدة برج بيزا المائل، اكتفوا بمشاهدة عمارة طنجة المائلة قرب المطار. الخانقون العقاريون، الذين أرسلهم الله لكي ينقذوا هذه الأمة من البراريك، يبيعون كل شيء ب«النوار»، أي بمبلغ كبير يمر تحت المائدة حتى لا يؤدوا عنه الضرائب، وهذه هي الوطنية والإخلاص وإلا فلا. لقد أصبح جليا أن الآلاف من المغاربة يعانون من «التوكال» الحقيقي، حيث يتسابقون نحو اقتناء الشقق ويعطون من أجلها دم قلوبهم، ويقفون في طوابير أمام مكاتب البيع. يعتقدون أنهم إذا لم يشتروا شققا في هذه المرحلة فإن الله سيخسف بهم الأرض. ماذا لو توقف المغاربة عن شراء الشقق لعام أو لعامين؟ أكيد أن الخانقين العقاريين سيتوبون إلى الله ويخفضون من أسعار صناديقهم الإسمنتية، وربما سيحدث لهم ما حدث في إسبانيا، التي أصبح أباطرة العقار فيها يهربون إلى بلدان متخلفة للربح، مثل المغرب مثلا، بعد أن انهارت أرباحهم بشكل كبير في بلادهم. الناس إذا لم يتوقفوا عن اللهاث وراء الشقق فإنهم سيجدون أنفسهم وهم على فراش الموت، مضطرين لكتابة وصية لأحفادهم يوصونهم بإكمال أداء أقساط شراء الشقة، حيث إن الرجل إذا اشترى شقة مثلا في القرن الحادي والعشرين، فإن أحفاده سيكملون أداء الكريدي في القرن الثاني والعشرين، مع الفوائد طبعا. ولا حول ولا قوة إلا بالله.