في 1786 أهدى الرئيس الأمريكي جورج واشنطن السلطان المغربي محمد الثالث ساعة جدارية على شكل صندوق شفّاف.. وقد أهداها السلطان في السنة نفسها إلى ملكة البرتغال دونامارية! وفي إطار التقاليد الدبلوماسية بين البلدان الصديقة، ردّ السلطان مولاي عبد الرحمان الهدايا بأحسنَ منها، خاصة بعد أن تلقى مجدّدا من الرئيس الأمريكي أندرو جاكسون هدايا نادرة. وقد أرسل السلطان مجموعة من التحف المغربية، وكان من بينها فرسان وأسد كبير اصطاده من الأطلس.. بيد أنّ الولاياتالمتحدة تفاجأت بالهدية، واعتبرتها جدّ مكلفة، ولم تكن الخزينة الأمريكية قادرة على تحمّل تكاليفها آنذاك. واعتبر الكونغرس أنّ «دولارا واحدا كل يوم للأسد سيخلق أزمة في خزينة الدولة».. وقامت إثر ذلك ضجّة في الكونغريس، وطالب بعض النواب بإرجاع الهدايا إلى المغرب بسبب المصاريف الباهظة، غير أنّ الرئيس الأمريكي استطاع، في الأخير، اقناع الكونغرس بضرورة الموافقة على قبولها، حتى لا يغضب العاهل المغربي.. بعد رسائل وبرقيات عديدة كتبت السلطات الأمريكية إلى قنصلها في المغرب، جيمس ليب، أنهم يوافقون على إرسال الهدية، لأنّ المعاهدة المغربية -الأمريكية السابقة كانت على وشك أن تنتهيّ وليس من السياسية والدبلوماسية رفضُ هدية المغرب في ظروف كانت الولاياتالمتحدة في حاجة ماسّة إلى تجديد تلك المعاهدة. والطريف في الأمر هو أنّ السلطان مولاي عبد الرحمان، وبعد أن تلقى «اغتباط» القنصل الأمريكي بالهدية، بعثَ إلى «الدّنيا الجديدة»، هذه المرة، بلبؤة أخرى تكون رفيقة للأسد.. وبعد شدّ وجذب بين القنصل (الذي أصبح في موقف لا يُحسَد عليه) وسلطات بلاده، واعتباره أنه ليس من اللياقة إرجاع الهدايا، قبِلَ الكونغرس، أخيرا، الهديتين وأمر بفصل الحيوانين، لكنْ تبيّن بعد وصول الأسد واللبؤة إلى أمريكا أن القنصل لم يأخذ الأمر بالجدية اللازمة، لأنّ اللبؤة كانت حاملا.. وهكذا وصلت إلى واشنطن مجموعة من الأشبال الرّضع، فقامت السلطات الأمريكية بالتفكير في مَخرَج للمشكل بتأسيس أول حديقة للحيوانات في البلاد.. ومن الغريب جدا أنّ الأسود المغربية تناسلت واسترجع المغرب، بعد سنين، بعضا من أحفاد السّباع إلى حديقة الحيوانات الموجودة في الرباط، بعد أن انقرضت تلك الفصيلة في المغرب تماما.. * عن الأرشيف الوطني في واشنطن