إنّ البحث في جذور العائلات المغربية وأنسابها يضعنا أمام معطى مهمّ لا يمكن إغفاله، ويتعلق بوجود أسماء مُشترَكة بين العديد من العائلات المسلمة واليهودية، وهو ما تشير إليه العديد من البحوث والدّراسات والمخطوطات التي اهتمّت بتأريخ الوجود اليهودي في المغرب، وعلاقة هؤلاء اليهود بالدول التي تعاقبت على الحكم، بدءا من عهد الأدارسة إلى العلويين.. ولعلّ السؤال الذي يجدر بنا طرحه هنا هو: كيف يمكن تفسير انتشار الكثير من العائلات المغربية، سواء المسلمة أو اليهودية، في فاس بشكل أساسيّ، وفي مدن الشمال وحتى في الجنوب المغربي، ممن تشترك في بعض الألقاب العائلية؟ هل هي أسَر يهودية أسلمت واحتفظت بألقابها الأصلية؟ أم هي أسَر مسلمة استعملت، لظروف معينة، ألقابَ أسَر يهودية؟ ثم ما هي الظروف التاريخية التي أفضت إلى هذا الوضع؟ وهو سؤال يقودنا رأسا إلى النبش في الأسباب التي دفعت الكثير من العائلات اليهودية إلى اعتناق الإسلام في فترات مختلفة من التاريخ المغربي.. كيف أسلم اليهود المغاربة وفي أيّ ظروف غيّروا دينهم إلى دين جديد، ليتحولوا إلى «بلديين» و«مهاجرين» و«إسلاميين».. وهي الأسماء التي أطلقت على تلك الفئة الاجتماعية. لقد أثير نقاش عميق حول حقيقة إسلامهم، حتى إنّ الكثير من الكتابات التي أرّخت لهذه المسألة ركزت على فكرة شكّ الناس في إسلامهم والاعتقاد أنهم يمارسون شعائرَ لا علاقة لها بالإسلام، «انتقاما» لعقيدتهم الأولى لأنهم كانوا مُجبَرين على أن يعلنوا إسلامهم، فاتهموا بأنّ إسلامهم كان شكليا.. هل كان ذلك صحيحا أم لا؟ هذا أمر لا يمكن الجزم فيه، ولا يهمّ على الإطلاق البحث فيه من منطلق القاعدة الفقهية التي تمنع الدخول في مجادلات مع من أعلن إسلامه منهم، بمبرّر أن الإسلام يجُبُّ ما قبله.. لكن المهم هو أنها طُرحت وتم ربطها أساسا بقضية إرغامهم على الإسلام، أو بمسألة انتفاع هؤلاء من مصلحة اقتصادية، أو من ريع معيّن تعطيه الدولة، أو للتقرّب من السلاطين المتعاقبين وخدمتهم والاستفادة من حمايتهم.. ويبدو أنّ الحسم في أصول العديد من العائلات المغربية: هل هي مسلمة أم يهودية سيكون صعبا، بمبرّر أول هو أنّ هناك حساسية كبيرة في طرْق هذا الموضوع، وتشابُه الأسماء قد يقع لا محالة، وما هو «إسلامي» قد يكوني يهوديا، والعكس صحيح.. وهو موضوع حسّاس أيضا بالنظر إلى عدد الباحثين والمؤرّخين الذين طرقت «المساء» أبوابهم ليُدْلوا بدلوهم في الموضوع، لكنهم تحجّجوا بأكثرَ من حجة.. لعلّ أولها هو «لماذا إثارة موضوع مثل هذا في هذه الظرفية؟» أو سؤالنا بشكل لا مواربة فيه: «عمّاذا تبحثون؟» وهو ما نعتقد أنه مجانِب لواجب التنوير العلميّ، خاصة أننا قصدنا مؤرّخين «مشهودا» لهم بالكفاءة، ولهذا فُرض علينا البحث في أكثرَ من مصدر تاريخي، لكنها مع ذلك تبقى محاولة محفوفة بالمخاطر، لأنه في غياب متخصّصين دارسين لعلوم الأنساب والتّراجم، أو الفتاوى و«التقنوت» الدينية (إسلامية ويهودية) أو المونوغرافيا التاريخية، وهي كلها نسبية، فإنّ الموضوع يحتاج إلى لجنة علمية تضمّ مختصّين في التاريخ والجغرافيا واللسانيات ومقارنة اللغات والأنساب.. في هذا الملف، حاولنا تجميع أشهر الألقاب العائلية المُشترَكة بين عائلات مسلمة ويهودية، من قبيل عائلة الكوهن، جسوس، صقلي، وبنزكري، بنشقرون بنيس، بن سوسان، وبنكيران وغيرها.. وهي الألقاب التي وردتْ في أكثرَ من مصدر تاريخيّ، مع نبذة عن أصولها وأشهر الشخصيات التي حملتها عبر التاريخ، والتي برزت في ميادين المعرفة الدينية والنسك الصّوفي، إضافة إلى امتهان بعضها الأعمال التجارية، متجاوزة بنفوذها حدود المغرب إلى أصقاع بعيدة...