ارتأى الملك الحسن الثاني أن الوزير الأول الأنسب لقيادة أول حكومة تناوب، هو عبد الرحمن اليوسفي، و تبين له بأن الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي، هو الجراح القادر على إجراء عملية استعجالية على جسد منهك مهدد بالسكتة القلبية، ويقتات بقطرات «سيروم» وصفات تقليدية. قبل أن ينطلق قطار التناوب الحكومي، أقسم طرفا المعادلة على المصحف، فيما يشبه «التخلي عن ذلك الحاجز النفسي الذي ظل يقف بين ملاكمين، أدركا وهما على حلبة الصراع لمدة أربعين سنة دون أن ينتصر أحدهما على الآخر، أنهما في حاجة إلى بعضهما». بدأت تباشير «النية الحسنة» تظهر بعد عودة الفقيه محمد البصري إلى المغرب، لكن وزير الداخلية القوي أغضب الوزير الأول الذي عاد إلى مدينة كان الفرنسية قلقا من تقلبات المناخ السياسي، لاسيما بعد أن اعترت انتخابات 1993 موجة غش ضدا عن «ميثاق شرف بمعية الأحزاب السياسية». قام اليازغي بعملية إحماء استعدادا لدخول الحكومة عبر بوابة التناوب الديمقراطي، ولم يمانع في دعم امحمد بوستة الاستقلالي ليحتل مهمة الوزير الأول، إلا أن المشروع فشل بسبب فيتو نوبير الأموي، لكن القصر كان له تفسير آخر لفشل مخطط التناوب الذي راهن عليه الحسن الثاني، حيث تحدث بلاغ رسمي عن توقف المفاوضات «بعد أن رفضت أحزاب الكتلة بقاء إدريس البصري على كرسي وزارة الداخلية في الحكومة الجديدة». فيتو الأموي أخر قطار التناوب خمس سنوات كاملة، قبل أن يعود اليوسفي إلى المغرب ويضع يده في يد الحسن الثاني لإنقاذ البلاد من غيبوبتها، لكن مع التمسك ببعض الحقائب السيادية. وبعد طول مفاوضات ضمت حكومة التناوب 41 وزيرا، مما يجسد لعبة جبر الخواطر وحكاية التوازنات السياسية. ولم تمر العاصفة السياسية مرور الكرام على الاتحاد الاشتراكي، بل انتهت بإنشاء غطاء حزبي لنقابة الأموي وهو «حزب المؤتمر الوطني الاتحادي». لم تتمكن حكومة التناوب التوافقي من تلبية طموحات الشعب المغربي، التي راهن عليها لتخليصه من ويلات الفقر، وتبين أن جيوب مقاومة الإصلاح أقوى من نوايا الوزير الأول، الذي وبمجرد ما استنفد ولايته الحكومية (1998-2003)، عين إدريس جطو كوزير أول تقنوقراطي والذي اعتبر تعيينه خروجا عن العملية الديمقراطية.