لا أحد يستحق صفة «القارئ الغيور» (على «الجريدة الغراء») أكثر من المعلم، لأنه فعلا قارئ مثالي ونبيه، لذلك نادرا ما تكتب عن المدرسة دون أن تتلقى وابلا من الرسائل: خليط من التصفيق والتحايا ومن الاستنكار والشتائم، ولذلك لم أستغرب عندما وجدت في علبتي سيلا من الإيميلات المصفقة والحانقة، ردا على عمود «طبل الوفا» (الخميس 9/5/2013) المخصص لمعلمة مراكش التي عاقبت أحد التلاميذ بطريقة شاذة، وانتهت لحسن الحظ في مكانها الطبيعي: سجن «بولمهارز»، في انتظار استكمال التحقيق الذي لا بد أن يشمل خبرة طبية حول صحتها النفسية، لأن من يقدم على سلوك من هذا القبيل لا يمكن أن يكون سويا ! لم أجد متسعا من الوقت كي أرد على رسائل المعلمين الأفاضل، لذلك أريد أن أقول لمن استغربوا كتابتنا عن الظواهر السلبية، دون الإيجابية، أن الصحافي لا يعنيه «القطار الذي يأتي في الوقت» بقدرما يهمه «القطار الذي يصل متأخرا» أو لا يأتي بالمرة. وكي أبدد كل سوء تفاهم مع أصدقائي المعلمين، أود أن أؤكد لهم أن أول شيء أفكر فيه -أنا أيضا- حينما أستحضر من علموني هو بيت أحمد شوقي: «قم للمعلم وفه التبجيلا... كاد المعلم أن يكون رسولا»... بالإضافة إلى الحكمة الشهيرة: «من علمني حرفا صرت له عبدا»... لكن، مثلما ننتقد ظواهر عديدة في المجتمع المغربي، لا بد أن نشجب الممارسات الشاذة التي تنتشر بين أسوار مؤسساتنا التربوية، دون أن يعني ذلك استهدافا أو تعميما في حق كل المدرسين. وما دمنا نتحدث عن المدرسة، لا يمكن أن نصمت عما جرى مطلع هذا الأسبوع في إحدى إعداديات الجديدة، حيث ألقي القبض على أستاذ في القسم بتهمة لا يصدقها العقل: «الإلحاد»... حسب ما تناقلته الصحف، فإن شخصا ملتحيا يقطن في جماعة «أولاد حمدان» وصلته معلومات حول أفكار الأستاذ، واتصل بالدرك الملكي كي يخبرهم بأن «أحد كفار قريش» ظهر في الإعدادية المجاورة، تهمته استبدال عبارة «صلى الله عليه وسلم»، بعد اسم الرسول الكريم، بحرف «الصاد»... جريمة كافية كي تتنقل سرية كاملة من الدرك الملكي إلى المؤسسة وتلقي القبض على «أبي لهب» بتهمة «زعزعة عقيدة التلاميذ والتشكيك في القيم الدينية الإسلامية»... لا أقل ولا أكثر ! لا شك أن الأستاذ مخطئ، لأن الفصل ليس مجالا لاستعراض القناعات الفلسفية والسياسية، خصوصا أمام مراهقين في بداية المشوار، لكن رد الفعل مبالغ فيه، كان يكفي أن يتصل آباء التلاميذ بمدير الثانوية كي يعيده إلى صوابه أو بالمفتش أو بالنيابة أو الوزارة، في أقصى الحالات، وليس بالدرك مرة واحدة. كما كان يجدر التعامل معه على قدم المساواة مع زملائه الذين ينشرون أفكارا إسلامية متطرفة -وما أكثرهم- لأنهم في النهاية وجهان لعلمة واحدة. ولو جرت الأمور على نحو ما حدث في ثانوية الجديدة، لاحتجنا إلى كل «جاضرمية» المملكة، كي نستطيع إيقاف جميع من ينشرون أفكارهم الشخصية داخل حجرات الدرس. جميعا صادفنا في مشوارنا الدراسي أستاذا ملحدا أو وهابيا أو ماركسيا أو داروينيا، دون أن يؤثر ذلك جديا على قناعاتنا، أتذكر أستاذ العربية الذي كان يقول لنا إن الله غير موجود، دون أن يأخذه أحد على محمل الجد، وأستاذ الاجتماعيات الذي كان ينادينا بال»رفاق» كأننا في حلقية بالجامعة، ومدرس التربية الإسلامية الذي كان يرى في كل تلميذ «مشروع مجاهد صغير»، ولا يقبل البنات المتبرجات، مما يجبرهن على استعارة «الفولار» قبل الدخول إلى درسه... ولم تمنعنا أفكار هؤلاء الأساتذة من أن نكوّن اعتقاداتنا الخاصة، وأن نشق طريقنا بكل حرية، لأن التلميذ، حتى وإن كان صغيرا، يظل أذكى مما يعتقده بعض الأغبياء الذين يريدون فتح «محاكم تفتيش» في مؤسساتنا التعليمية.