ذكرني هذا العنوان بعنوان ديوان شعري صدر في بداية السبعينيات في الإمارات العربية المتحدة، لأحد أهم شعرائها، حبيب الصايغ، وحمل الديوان عنوانا مثيرا وجريئا في بيئة ثقافية محافظة، كما كانت عهد التأسيس لدولة الاتحاد الفتية في ذلك الوقت. وكان العنوان على الشكل التالي «هنا بار بني عبس، والدعوة عامة». كان هذا التشكيل اللغوي وحده كافيا لأن يحلق باسم حبيب الصايغ عاليا، ولأن يجعل من هذه الجملة تسري على لسان الوسط الثقافي والأدبي في الإمارات وفي الخليج العربي كله. في ذلك الوقت الذي كانت مجرد صيحة صغيرة تسمع في كل أرجاء المنطقة. الأمر في صلبه كان محاولة لكسر جمود القوالب أكثر من شيء آخر، وكان ذلك الشباب، الذي يوجد اليوم في مواقع كثيرة من المسؤولية في بلدانه، مهجوسا بركوب موجة الحداثة، في ظل تحديات كبيرة كانت تمر منها المنطقة، وستشكل، في ما بعد، انقلابا حقيقيا في القيم، سيهز المجتمع الخليجي في الأعماق، وسيفتحه بفضل الطفرة النفطية، على آفاق أخرى، هي التي جعلت منه اليوم محط اهتمام العالم، وأرضا لتحقيق أحلام الكثيرين، وبيئة للإبداع والانطلاق نحو فضاءات أخرى، وإمكانية قل نظيرها بالنسبة للبلدان العربية، ومنصة للانطلاق واكتساح العالم، بفضل الشركات العابرة للقارات، والمملوكة اليوم، لهذه البلدان الخليجية، التي كانت حتى 40 سنة الماضية، تعيش أوضاعا اقتصادية واجتماعية صعبة. أذكر أن عددا من الكتاب والأدباء في الخليج، وفي الإمارات على وجه التحديد، تسابقوا لرسم ما يمكن أن يقع في بلدانهم في العقود القادمة. كان الأمر يخضع لحساب المنطق، لكن أيضا لبعض من حاسة التنبؤ واستشراف الآفاق، غير أن البيئة المحلية ونقاوتها ظلتا الحنين الدائم عند هؤلاء الكتاب والشعراء والشاعرات والقاصات والروائيات. فهذه الجماعة، ومنها، بالإضافة إلى حبيب الصايغ، ظبية خميس وعبد الحميد أحمد ومحمد المر وميسون صقرالقاسمي ومبارك، وفيما بعد الراحل أحمد راشد، وعبد العزيز جاسم وحمدة خميس ومسرحي مثل مرعي الحليان وفنانون تشكيليون مثل حسن شريف ونجاة مكي، ومثقفون مثل نجيب الشامسي، بالإضافة إلى رواد مثل أمين المدني، وعدد آخر من الكتاب والشعراء والمثقفين والباحثين الذين جاؤوا بعد ذلك، هؤلاء جميعا، كانت التحولات التي تعرفها مجتمعاتهم تسائلهم، وتدفعهم إلى طرح أكثر الأسئلة حدة وملحاحية، حتى أنه اليوم في دبي أو في الشارقة أو في أبو ظبي تقام أكثر المناشط الثقافية «ثورية» في الفن والثقافة والسينما وآخر تقليعات التشكيل المعاصر، مما يعني أن النواة الثقافية الصلبة موجودة في هذه البلدان، على عكس ما يعتقده الكثيرون، وأن الإنسان الذي يحيا على الأرض، وفي أي مكان، لا بد أن يفرز أكثر الأسئلة حدة، وهذا ما يقع اليوم في الأدب الخليجي. انظروا مثلا إلى رواية السنعوسي «ساق البامبو»، التي حازت جائزة البوكر العربية لهذا العام، وكيف أن الموضوع الذي تطرحه الرواية جريء جدا، و»ثوري» قياسا إلى ما يعتمل داخل المجتمعات الخليجية والعربية على حد سواء، وكيف أن هذه التحولات ترغم البشر على التعايش وعلى الخطأ وعلى التطور، وعلى ابتداع شكل جديد للسلام مع العالم ومع الذات. فالأدب لم يعد يسكت، أصبح اليوم، وفي المناخ العربي الجديد، أكثر ارتباطا بموضوعه. والموضوع بطبيعته ثوري وانقلابي ومتقدم، لأن الواقع أكثر غرابة من الخيال، فالباب أصبح مشرعا أمام الجميع، والدعوة عامة.