ضيفة «مسار امرأة» لهذا العدد هي امرأة لم ترتكن إلى المعاناة والهجرة، بل دخلت باب الإنفراد والتميز من أبوابه الكبيرة، التي تجعل منها امرأة مغربية تستحق الوقوف لها وقفة إجلال وتكريم.. إنها نجاة أربيب، التي دقت باب القضاء البلجيكي سنة 2009، حيث عَيّنت في محكمة الاستئناف المتخصّصة في معالجة القضايا المدنية والجنائية في مدينة لييج البلجيكية، لتدخل التاريخ من بابه الواسع، وتستطيع أن تصدّ كل الأكاذيب والترّهات التي تحاكُ ضد المرأة المهاجرة، بكونها لا تصلح إلا للعمل في المِهن الهامشية، والدّليل على عكس ذلك نجاة أربيب، التي استطاعت أن تلج سلك القضاء، وتكون بذلك أولَ امرأة مغربية متحدّرة من أبوين مهاجرين تنال شرف تولي منصب حساس داخل القضاء البلجيكي. نجاة أربيب.. اسم لا يمكن نسيانه مهْمَا مضت السنون على تنصيبها قاضية في سلك القضاء البلجيكي سنة 2009، حيث أدرِج اسمها ضمن لائحة أولئك الرواد المتحدّرين من الهجرة المغاربية، وبالأخص المغربية، والذين تمكنوا من شقّ طريقهم في مجال القضاء في بلجيكا.. فنجاة لم تكن تتجاوز أربعة وثلاثين سنة حين تعيينها كقاضية لدى محاكم الاستئناف في نوفشاطو وآرلون، في جنوب البلاد، لتصبح بذلك أولَ قاضية في هذه البلاد تتحدّر من أبوين مهاجرين مغاربيين. نجاح خطط له الأب تتحدّر نجاة من أبوين مهاجرين، حيث ضحّى الأب، القادم من مدينة بركان، بثلاثين سنة من عمره كعامل بسيط في مصانع «فورد» -بلجيكا من أجل أن يعتلي أبناؤه الخمسة أعلى المراتب العلمية في بلاد الغربة، التي ما تزال تنظر إلى المهاجرين بدونية وعلى أنهم لا يتستطيعون تحقيق شيء غير خدمة أبناء البلد المضيف، الأمر الذي جعله يحرص على تعليم أبنائه، وخاصة نجاة، لكونها الأخت الوحيدة لأربعة ذكور.. عبارة غيرت مسارها «لا يمكن أن تحلموا يوما بأن تتساوَوْا معنا في الحقوق نفسِها التي نتمتع بها».. كلمة عنصرية تسرّبت إلى آذان نجاة جعلتها تغير مسار حياتها الدراسية، محاولة تغيير النظرة التي يلصقها الإنسان الأوربي بالمهاجرين المغاربة حول كونهم لا يستطيعون الوصول إلى المراتب العليا والحساسة، فقرّرت أن تغيّر وجهتها الدراسية من كلية الهندسة إلى جامعة لييج، التي حصلت منها على دبلوم في الحقوق، وبعدها التحقت بمكتب أعمال في لييج، وفي الآن نفسه انتسبت إلى لجنة الشباب، رغبة منها في ألا تقصِرَ جهودها وتحصيلها العلمي في الدفاع عن قضايا المغاربة المهاجرين فقط.. إخلاص في العمل بدأت نجاة مسارها في مجال القانون بأنْ عُيّنت سنة 2004 كمستشارة لمُدّعي محكمة نوفشاتو لمدة ثلاث سنوات.. إخلاص نجاة وتفانيها في العمل جعلاها تحظى بإعجاب وثقة ميشيشل بورلي، وهو أحد كبار النواب العامين في بلجيكا، حيث ساندها وشجّعها لاقتحام سلك القضاء بعد اجتيازها مباراة كتابية وشفوية صعبة، مُعتمِدة في ذلك على كفاءتها وجهودها، حيث صرّحت للصحافة البلجيكية في هذا الصدد قائلة: «لم يكن لدي لا ورقة حزبية ولا سند من العلاقات في السّابق».. تسلح نجاة بالكفاءة العلمية والسمعة الطيبة الصادرة من قِبَل المحيطين بها جعلاها أكثرَ إصرارا على التفوق على 158 مرشحا اجتازوا الامتحان لتكون من ضمن 18 الفائزين.. وبذلك انضمّت نجاة إلى أسرة القضاء في بلجيكا، التي تضمّ ألفين و500 قاضٍ رغم أنها لم تكن يوماً تحلم بأنْ تصل إلى هذه المرتبة. دعم الزوج تكنّ نجاة، الأم لثلاثة أطفال هم سليم وإلياس وإسماعيل، الاحترامَ لزوجها المغربي جواد وتقرّ له بالفضل في ما وصلت إليه، رغم أنه يشتغل كإطار سامٍ في شركة للاتصالات. اعتزاز بالجدور تحرص نجاة على زيارة المغرب رفقة عائلتها ثلاث مرات إلى أربع سنويا، رغبة منها في الحفاظ على الرّباط الوثيق ببلدها، بلغته وبتقاليده وأعرافه، التي تصرّ على تلقينها لأطفالها، حيث تعتبر نجاة نفسَها جسرا للتواصل بين ثقافتين وجيلين مُختلفين، لغيرتها على مستقبل الجالية المغربية ومساهمتها في تنمية المغرب باعتباره البلدَ الأمّ.