- كيف تقيم عشر سنوات من الصّراع بين الدولة والتيار السلفي؟ من الصّعب أن نتحدث عن وجود صراع بين الدولة والتيار السّلفي، لأن كلمة «صراع» تفيد أن السلطات لها موقف مُسبَق تجاه قوى معينة، ترغب في محاربتها أو تروم تهميشها، في حين أنّ ما عرفه المغرب هو عبارة عن سياسة استباقية بعد ما عرفته الولاياتالمتحدةالأمريكية من هجمات نُسبت إلى التيار السلفي الجهادي، انخرط المغرب بعدها في «حرب دولية ضدّ الإرهاب»، لتكثف السلطات حملتها ضد كل من يُشتبه في انتمائهم إلى هذا التيار بعد تفجيرات 16 ماي، التي عرفتها مدينة الدارالبيضاء، على اعتبار أنّ السياسة الأمنية الاستباقية التي انتهجها المغرب كانت تقضي باحتواء هؤلاء الذين يحملون فكرا يهدف إلى المسّ باستقرار البلاد وأمن المواطنين.. بالنسبة إلى الدولة المغربية فهي لا تعتبر نفسها قد دخلت في صراع مع التيار السّلفي الجهادي، بقدْر ما اعتبرت أن هذا التيار يحمل أفكارا تهدّد استقرار المجتمع، وهي القناعة التي تأكدت للسلطات الأمنية، بعدما توالت عمليات تفكيك العديد من الخلايا التي خططت للمساس بأمن البلاد، رغم حديث المنتمين إلى هذا التيار عن استهدافهم من طرف الدولة، وتقديمهم مجموعة من التوضيحات بخصوص مواقفهم من عدة قضايا، وهو ما أدى نسبيا إلى «تليين» موقف الدولة عبر إطلاق سراح بعض شيوخ هذا التيار، من خلال استفادتهم من العفو الملكي، مع ما رافق ذلك من تجند لبعض التيارات السياسية وجمعيات المجتمع المدني لتقريب وجهات النظر وإعادة الثقة بين السلفيين والدولة. - هل يمكن أن يكون تعثر حلّ ملف السلفية منذرا بإطالة أمَد «الصّراع» بين الطرفين؟ علينا أن نعترف بأنه لا وجود لمصالحة بين الدولة والسّلفيين على أرض الواقع، لأنّ من دعا إلى اعتماد المقاربة التصالحية هي بعض التنظيمات الحقوقية وليس الدولة في حد ذاتها، كما أنّ دعوات فتح الحوار كانت تأتي -دائما- من معتقلي التيار السلفي وعائلاتهم، في حين أنّ موقف الدولة المغربية كان واضحا منذ سنة 2003، حين أكد محمد بوزوبع، وزير العدل الرّاحل، أن خروج هؤلاء السلفيين من السجون هو رهين بالتماسهم العفو الملكي، وبالتالي فالدولة لا تتحدّث عن مصالحة، بل عن أشخاص ارتكبوا أفعالا مخالفة للقانون وقال القضاء كلمته فيهم، وعليهم اتباع المسطرة المتبعة من قبل باقي السجناء للاستفادة من العفو الملكي. - هل يمكن أن يعرف المغرب هجمات شبيهة بهجمات 16 ماي، خاصة بعد مقتل أسامة بن لادن وتراجُع فكر تنظيم القاعدة في العالم الإسلامي؟ ّبشكل عام فإن تنظيم القاعدة لم يكن في نيته أبدا استهداف المغرب، حيث إنّ بلدنا كان يعتبر قاعدة خلفية تمكن التنظيم من إخفاء نشطائه عبر الزواج من مغربيات، أو تمكينهم من وثائق مزورة، مثل جوازات السفر، بغرض الدخول إلى بعض الدول الأوربية.. لكنّ هذا الموقف تغيّرَ حين أعلن المغرب انخراطه في الحرب الدولية ضد الإرهاب، وعندما قبل أيضا أن يتعاون أمنيا مع الأمريكيين، ليتهم بعد ذلك تنظيم القاعدة السّلطات المغربية بتسلم بعض أعضائه وتعذيبهم فوق أراضيه، لتأتيّ، مباشرة بعد ذلك، أول دعوة من أسامة بن لادن إلى استهداف المغرب خلال شهر فبراير من سنة 2003، دون أن تتأخر الإجابة كثيرا عبر أحداث الدارالبيضاء ثلاثة أشهر بعد ذلك، وإنْ كانت العديد من الأسئلة لا زالت تُطرَح حول علاقة تنظيم القاعدة بتلك التفجيرات، علما أنّ الانتحاريين الذين نفذوا تلك التفجيرات كانوا يحملون فكرا لا يختلف كثيرا عن فكر تنظيم القاعدة.. ما كان ملفتا للانتباه هو أن المغرب لم يعرف تكرار مثل تلك التفجيرات بعد ذلك، رغم الأحداث التي عرفها خلال سنتي 2006 و2007، وهو ما يعني أن السياسة الأمنية الاستباقية التي انتهجها المغرب قد أظهرت فاعليتها، علما أنّ السلطات المغربية تعلن -بين الفينة والأخرى- تفكيكَ بعض الخلايا الإرهابية، كانت آخرُها خليتا الناظور، اللتان تحملان اسم «التوحيد» و«الموحّدين»، علما أنّ بعض المتغيرات في دول الجوار أصبحت تدفع بهذه التنظيمات إلى تشكيل خلايا ليس لتنفيذ أعمال ضد المغرب، ولكنْ للتوجه للقتال في بعض نقط التوتر.. لكنّ كل هذا لا ينفي أن تنظيم القاعدة لن يألو جهدا في استهداف المغرب، خاصة أنه يتهمه بالوقوف إلى جانب فرنسا في حربها ضد مالي، وهي التي التّهم التي يمكن أن تكون كافية لبعض التكفيريين لتنفيذ أعمال تخريبية انتقاما من المغرب، وإنْ كان يبدو إلى حد ما أن الوضع متحكَّم فيه. - أي دور يمكن أن يلعبه حزب العدالة والتنمية، الذي يقود الحكومة الحالية، في تقريب وِجهات النظر بين المسؤولين في الدولة والتيار السّلفي؟ هنا يجب علينا أن نمّيز بين مستويين: المستوى الأول هو المتعلق بالمعتقلين السلفيين الموجودين داخل السجون، أما المستوى الثاني فهو المتعلق ببعض السلفيين المغاربة الموجودين خارج السجون، والذين يتم استقطابهم من طرف بعض الخلايا التابعة لتنظيمات إرهابية. المؤكد أنّ حزب العدالة والتنمية، عندما كان في المعارضة، كان يحاول أن يُقرّب بين وجهات النظر لمختلف الأطراف، من خلال دعوته إلى اعتماد مقاربة تصالحية، وهي الدعوة التي لم تتم الاستجابة لها، بل كان هناك من يعتقدون أن الحزب كان يستغلّ المسألة من أجل البحث عن أصوات السّلفيين خلال الانتخابات الماضية.. ليتبين أنّ الحزب دخل مباشرة بعد فوزه في الانتخابات في صدام مع عائلات المعتقلين السّلفيين، حيث إنّ إجابات وزير العدل والحريات والقيادي في الحزب، مصطفى الرميد، لم تكن تختلف عن إجابات سابقيه من الوزراء.. ليتم بذلك تكريس فكرة أنّ ملف المعتقلين السلفيين هو ملف أمنيّ، ولا علاقة للحكومة به، وبالتالي يمكن القول إن الكثير من السلفيين الذين راهنوا على حزب العدالة والتنمية حينما كان في المعارضة قد غيّروا مواقفهم منه عندما أصبح يقود الحكومة، وأظهر بشكل جليّ أن المسألة تتجاوزه بكثير. من جهة أخرى، تستمرّ وزارة الداخلية، بانتظام، في الإعلان عن تفكيك مجموعة من الخلايا التي يتورّط فيها محسوبون على التيار السلفي، وهو ما لا يملك الحزب أن يفعل إزاءَه أي شيء، ويجعله بالتالي يفقد تدريجيا «ثقة السّلفيين»، لأنّ ما كان يتحدث عنه الحزب نظريا، وهو في المعارضة، قد اختلف على أرض الواقع حين وصل إلى قيادة الحكومة.. - ما هو تقييمك للجهود المبذولة من أجل إشراك السّلفيين في الحياة السياسية؟ وما هو مستقبل هذه الجهود؟ حتى نكون صرحاء، فإنّ ملف السلفيين المعتقلين فقدَ، في لحظة من اللحظات، طابعَه الحقوقيّ الصِّرف، ليتحول إلى ورقة للمزايدات السياسية، إذ إنّ كثيرا من الأطراف دخلت على الخط وقامت بزيارة للسجون واتصلت بالمعتقلين.. علما أنّ هذه الجهات لطالما كانت تناوئ التيار السّلفي وتقف ضده لمدة سنوات طويلة.. عندما نتحدّث عن إدماج السلفيين في الحياة السياسية، فإن بعض الأحزاب التي لا تتقاسم المرجعية والتصورات نفسَها مع السلفيين تعيد -في بعض الأحيان- إنتاج خطاب يرغب في إلغاء هوية هؤلاء السلفيين، بمعنى آخر فإنّ هناك حداثيون أو علمانيون يطلبون من السّلفيين أن يتخلوا عن العديد من الأفكار التي تميّزهم مقابل السماح لهم بالاندماج في الحياة العامة، وهي المطالب التي ستنتهي -في الأخير- بفقدان السلفيين هويتهم.. وأنا شخصيا أعتقد أنّ المطلوب اليوم ليس هو أن ننفيّ أو نطمس هوية السلفيين، فهم لهم الحق في التعبير عن مواقفهم ضمن ثوابت الدولة واحترام اختيارات الآخرين، وبالتالي لا يمكن مواجهة من نصفهم ب«المُتطرّفين» و«المتعصّبين» عبر خطاب يهدف، بالأساس، إلى إقصائهم.. في ما يتعلق بالسّماح بتأسيس السلفيين حزبا سياسيا مستقبلا، فأنا أعتقد أن هناك اختلافا بين التجربتين المصرية والمغربية، لأنّ الموقف في المغرب محسوم، وهو أنّ الأحزاب السياسية لا يمكنها أن تتأسّس على أساس دينيّ، ولنا تجربة في السابق حين حاولت بعض الجماعات الإسلامية تأسيس أحزاب سياسية ولم يُسمَح لها بذلك، وجميعنا نتذكر تجربة حركة الإصلاح والتجديد في بداية التسعينيات، حينما أسّست حزب التجديد الوطني سنة 1992، ورفضت السلطات الترخيص لهذا الحزب، رغم أنّ قانونه الأساسي كان يتضمن كافة المقتضيات المطلوبة قانونيا، ليضطرّ قادة الحركة -بعد ذلك- إلى الالتحاق بالحركة الشّعبية الدستورية الديمقراطية، وبالتالي فإن السماح للسلفيين بتأسيس حزب سياسي يظلّ أمرا جد مُستبعَد اليوم.