خلال ماي المقبل، ستدخل رشيدة داتي غمارَ المنافسة ندّا لند مع ناتالي كوسيوسكو موريزيت، خلال إجراء الدور الأول من الانتخابات البلدية لسنة 2014. فهل ستنحني «الملهمة» السّابقة لنيكولا ساركوزي، التي تشير استقراءات الرأي إلى تدني شعبيتها، أمام النجمة الصاعدة لحزب «الاتحاد من أجل حركة شعبية»؟ أم إنّ رشيدة داتي ستصرّ على الذهاب إلى أقصى حد، حتى وإنْ كانت النتيجة هي الانهزام؟ إنها حكاية مصيرَي سيدتين تقاطعا فجأة جراء حركة صعود غريبة، ذاك المصير الذي جعل رشيدة داتي (47 سنة) تجد أمامها ناتالي كوسيوسكو موريزيت (39 سنة). تعتبر السيدتان من وجوه النظام السياسي السابق لنيكولا ساركوزي، وقد نالت كل واحدة منهما نصيبها من العزلة ومن الأضواء.. داتي، «المُلهمة» السابقة للرئيس ساركوزي خلال بداية ولايه الرئاسية، سقطت من حالة النعمة وما فتئت تضرب في الأرض بحثا عن موطئ قدم لها. أما منافستها، التي دخلت اللعبة كمجرد وزيرة منتدبة لدى حكومة فرنسوا فيلون، فإنها تشعّ اليوم كنجمة اليمين الفرنسي. يتعين على كلا السيدتين دخول غمار المنافسة خلال شهر ماي المقبل على هامش الدور الأول لاختيار مرشح حزب «الاتحاد من أجل حركة شعبية»، الذي سيمثل التيار اليميني في الانتخابات البلدية لسنة 2014 في مدينة باريس. وخلف هذه المنافسة، التي تحظى فيها ناتالي كوسيوسكو موريزيت بحظوظ أكبر، تتوارى معركة صامتة وبالغة الأهمية في الآن نفسه؛ فبالنسبة إلى كلتا السيدتين يتعلق الأمر -قبل أي شيء آخر- بكيفية الحفاظ على المكانة أو استعادتها داخل المجرّة السياسية والإعلامية. ومنذ اللحظة التي أعلنت فيها ناتالي كوسيوسكو موريزيت نيتها الترشّح وخوض غمار المنافسة، بتاريخ 14 فبراير، لم يجمع أي لقاء منذ ذاك الحين بين المتنافستين.. ويبدو أن رشيدة داتي، عمدة الدائرة السابعة في باريس، لا ترغب، في هذا الوقت بالذات، في ملاقاة المرأة التي سرقت منها الأضواء. أمّا ناتالي كوسيوسكو موريزيت، وزيرة البيئة السابقة، فقد قدّمت لها دعوة لتناول وجبة غداء، كخطوة من هذه الأخيرة لكي توضّح لها أنهما ما تزالان -رغم كل شيء- «صديقتين جيدتين». لكنّ رشيدة داتي ردّت على الطلب بحزم شديد: «سنرى إمكانية القيام بذلك في ما بعد، ليس لديّ وقت الآن».. كما علمت داتي، مؤخرا، أن المديرة السابقة لديوان ناتالي كوسيوسكو موريزيت، المدعوة ماري كلير دافو، هي ضمن لائحة الشخصيات التي تعارض ترشيح داتي لخوض الانتخابات البلدية القادمة التي ستجرى بالدائرة السابعة في باريس. وحسب داتي، فإنّ ذلك تصرف آخرُ غير لائق. مسارات متناقضة اليوم، تبدو تلك الصور التي كانت تظهر خلالها السيدتان الجميلتان في الحكومة تتجولان يدا في يد على أنها تعود إلى زمن بعيد قد ولى. كان ذلك سنة 2008، عندما تمكنت رشيدة داتي، بصفتها المستشارة السابقة لنيكولا ساركوزي، من الحصول على منصب وزيرة العدل، أو «حارسة أختام»، لتكون بذلك أول امرأة من أبناء المهاجرين تحصل على منصب وزاريّ سيادي. كان لذلك الحدث بعدٌ رمزيّ، وكان نجاحا كبيرا أثار الرفض والإعجاب في الآن نفسه. وإذا كانت داتي قد حققت كل شيء بفضل مجهودها الشخصيّ فإنّ مسار ناتالي كوسيوسكو موريزيت يخالف مشوار داتي في كل شيء. الشقراء الفينيسية المثيرة في مواجهة السمراء المشاكسة.. الوريثة في مواجهة المرأة المنبوذة داخل أسرة متواضعة تتكون من 11 طفلا.. ابنة عمدة مدينة سيفريس، حفيدة سفير، وابنة حفيد برلمانيّ في مجلس الشيوخ الفرنسي.. حصلت ناتالي كوسيوسكو موريزيت على تكوينها في أرقى المدارس الفرنسية، ودخلت عالم السياسة في بداية 2002 كمستشارة في ديوان الوزير جون بيير رافاران واستطاعت، خلال السنة نفسها الحصول على دائرة بيير أندري ويلتزر في منطقة إيسون.. كان صعودها داخل عالم السياسة المغلق سريعا جدا، لكنها ظلت مغمورة حتى بعد حصولها على منصب وزيرة منتدبة سنة 2007، بعد مغادرتها حضن شيراك لصالح الفعالية الساركوزية.. لقد كانت هي من بدأت بالتقرب من رشيدة داتي، الوزيرة فائقة الشعبية، والتي كانت ضمن الدائرة الأولى المحيطة بالرئيس نيكولا ساركوزي. وقبل أن تنال نصيبها من الشّهرة ويصبح الجميع ينادونها «إن كا إم» (الحروف الأولى من اسمها باللغة الفرنسية) كانت هذه الأخيرة تَعتبر أنّ حراسة الأختام هي السبيل الوحيد للدخول إلى حلقة الأشخاص الذين يحظون بالثقة الكاملة. وبينما كان نيكولا ساركوزي يشكل «مجموعة ال7»، النادي المغلق للوزراء الذين يجتمعون معه بشكل دوريّ لتحديد الملامح الرئيسية لإستراتيجيته السياسية، اقترحت على رشيدة داتي تشكيل «مجموعة ال2» رفقتها. الظهور سويا فورا، فهمت كلتا السيدتين الطموحتين المنفعة التي ستتأتى بفضل ظهورهما سويا في وسائل الإعلام. وبسبب تلهفها إلى الحصول على صور المشاهير، سارعت المنابر الصحافية إلى رصد تحركات هاتين السيدتين المختلفتين كليا من حيث المظهر.. كما ظهرتا سويا في عدة خرجات، خصوصا في ضاحية باريس، وأظهرتا التكامل بين شخصيتهما تحت أنظار الكاميرات. وفي شتنبر 2008، توجهتا سويا إلى أرجنتوي (إقليم فال دواز). «يعود الانسجام بيننا إلى وقت جد طويل»، تبتسم ناتالي وهي تعلق في ذلك الوقت على رحلة السفر. «تجمعنا الكثير من القواسم المشترَكة»، ترُدّ رشيدة. لكنْ، وعلى نحو سريع، اختزلت الجولة التي وعدت بها المنابر الإعلامية في مدة قصيرة جدا.. أما أسباب هذا التوقف المفاجئ فتظلّ غير واضحة إلى حد الساعة. تفسر ناتالي كوسيوسكو موريزيت الأمر اليوم على النحو التالي: «في اللحظة التي غادرتْ فيها رشيدة الحكومة، لم نعد نتوجه إلى الأماكن نفسِها». «في النهاية، أصبحت رشيدة حبلى، وأنا كذلك أصبحت حبلى عندما حان دوري.. لقد توقفت خرجاتنا سويا، لكننا حافظنا دائما على الاتصال ببعضنا البعض، وحافظنا دائما على علاقات جيدة». ومَهما قالت ناتالي كوسيوسكو موريزيت، فإنه في اللحظة التي انتقلت فيها وزيرة العدل السابقة إلى داخل قبة البرلمان الأوربي في جنيف، انفكت أخيرا الروابط المصطنعة التي كانت تجمع بين السيدتين، حتى إنهما دخلتا في نقاش حاد بسبب «حائط السلام»، النصب التذكاري المؤقت الذي أنجزته الفنانة كلارا هولتر، وتم وضعه في إحدى ساحات باريس، والذي أرادت عمدة الدائرة السابعة التخلص منه. قامت رشيدة داتي حينها بمهاتفة «صديقتها»، التي حصلت على منصب وزيرة البيئة، لكي تطلب منها تدمير ذلك النصب التذكاري. لكنّ ناتالي كوسيوسكو موريزيت رفضت تلبية طلبها، وقالت خلال تلك الفترة: «إنها تطلب مني القيام بأمر يخالف القانون، لا أستطيع قبول ذلك. لقد انزعجتُ من ذلك كثيرا، وبدأت تصرخ. تلك هي رشيدة». كما أنّ اقتراب موعد الاستحقاقات الرئاسية، التي خرج منها فرنسوا هولوند فائزا، زاد من حدة الاحتقان والتوتر بين السيدتين. وفي الواقع، وقع اختيار ساركوزي على وزيرته النموذجية لكي تكون الناطقة الرسمية باسم حملته الانتخابية. وجدت رشيدة داتي، التي شغلت هذه الوظيفة منذ خمس سنوات فقط، صعوبة كبيرة في تقبل هذا التغيير المؤلم للأدوار. إنزال بالمظلة شكل وصول ناتالي كوسيوسكو موريزيت إلى باريس مناسَبة غيرَ مرغوب فيها بتاتا بالنسبة إلى النائبة البرلمانية الأوربية، التي كانت تظن أنها ستستعيد عافيتها السياسية بمناسبة إجراء الانتخابات البلدية. «إنزال بالمظلة؟».. كما توعّدت بطرح هذا السؤال، قبل أن تختار الصمت بخصوص عدوتها اللدودة. «لقد قلب ظهور ناتالي كوسيوسكو موريزيت لعبتها، يتعلق الامر بطموح كلتا السيدتين، الطموح الذي أضحى في تنافس»، يحلل الوضعَ بيير إيف بورنازيل، وهو الذي سيدخل كذلك غمار المنافسة عن حزب «الاتحاد من أجل حركة شعبية» في الجولة الأولى من الانتخابات البلدية. «لقد وجدت نفسها وسط أسوأ السيناريوهات على الإطلاق. لقد كانت تظن أنها تخلصت من فيلون، وقد راهنت بكل شيء على بورلو، الذي لم يحقق الشيء الكثير»، يلاحظ مسؤول في حزب «الاتحاد من أجل حركة شعبية». لم تتوقع رشيدة داتي رؤية دخول رفيقتها السابقة إلى ميدان لعبها.. «لقد كانت ناتالي كوسيوسكو موريزيت جد حاذقة، يشير بريس هورتيفو، لقد استغلت حالة الاستنزاف التي يمر بها التيار اليميني في باريس والرفض المتزايد الذي تلاقيه رشيدة داتي»، بالنظر إلى أنّ التيار اليميني اختار، من بين السيدتين، الوقوف بشكل مكثف في صف «الوافدة الجديدة»، و تبنى مواقفها نفسَها. «لم تعد داتي تتمتع بأي دعم»، يوضح النائب البرلماني جون فرنسوا لامور. «يا لها من موهبة ضائعة! لقد وجّهت الانتقادات بشكل كبير، ووجهت ضرباتها للجميع، إلى الدرجة التي جعلتها تجد نفسها وحيدة». يُردّد بريس هورتيفو، الذي وصفها ب»الماكرة»، كذلك الكلام نفسَه: «إنها تهاجم وتهدد. إنها مستعدة في أي لحظة للقفز. ومنذ روبسبير (أحد أهم الشخصيات المؤثرة في الثورة الفرنسية) أصبحنا ندرك أنه لا يتوجب مهاجمة الجميع في لحظة واحدة». كما أنّ أحد آخر أصدقائها، عمدة الدائرة 16، كلود غواسغين، تخلى عنها في آخر لحظة لأجل دعم ناتالي كوسيوسكو موريزيت.. وفي 12 فبراير المنصرم، وأىثناء تناول وجبة غداء -ضمّت عددا من النواب من الحزب اليميني من مدينة باريس ممن كانوا يدعمون كوبي- عاين الحضور في حالة من الذهول تبادلا للكلمات بطريقة عنيفة قبل مثيلها بين الصديقين السابقين. «انظروا، ها هو المغفل قد أتى»، كما قالت رشيدة داتي لحظة دخول كلود غواسغين إلى المطعم.. «لن تكوني، أبدا، عمدة في مدينة باريس.. لا تحاولي فرض القيم التي تربيت عليها في منطقة سين سان دوني»، كما جاء في رد النائب البرلماني. «من تظن نفسك لكي ترُدّ علي بمثل هذه النبرة؟ هل تعتقد أنه يحق لك ذلك لأنني رفضت النوم معك في السرير؟».. هكذا ردّت حارسة الأختام السابقة، قبل أن تسارع إلى التهديد بتسريب الكلام الذي دار بينهما إلى الصحافة، مع التلميح بالتحدث عن «الضغوطات» التي مورست عليها.. «منذ سنة 2007، لم يتوقف أشخاص عن تلطيخ سمعتي والتشويش علي وإرسال تهديدات إليّ»، كما وضحت في مقابلة مع قناة «بي إف إم- تي في». وقد نعتت تلك التصرفات التي تتم في السر ب»الازدراء الاجتماعي» المُمارَس في حقها. لم يعد كلود غواسغين يودّ التحدث عن أي شيء يخُصّها، لكنه يشير إلى أنه «لا يجوز أبدا الاستشهاد بالمحادَثات الخاصة».. القدرة على التواصل حتى جون فرنسوا كوبي نفسه، الذي دعمها بشدة خلال مواجهتها مع فرنسوا فيلون، بدأ يسأم من التصرفات المدوية لصديقته «ثقيلة الظل». وإذا كان، من الناحية الرسمية، لا يبدي تأييده أيا من المرشحين عن مدينة باريس، فإنه لا يُخفي، داخل الأجواء المغلقة، أن رشيدة داتي أضحت تثير أعصابه. «لقد حاول مرات عديدة عدم التواصل معها، لكنها ترفض قبول هذا الأمر»، يُصرّح أحد المقربين من زعيم حزب الاتحاد من أجل حركة شعبية. لكنْ، ومع ذلك، ما زالت رشيدة داتي تتمتع بأفضلية جد مهمّة إذا صمدت وصارت على خطى واثقة أثناء السباق.. فشعبيتها وقدرة التواصل الكبيرة لديها قد تمكنها، حسب ما ذهب إليه بيير إيف بورنازيل، من «تسجيل نقط عدة» في مواجهة من اختارتها استقراءات الرأي. «لا ينبغي، أبدا، إقلاق راحة رشيدة»، يسجل السيناتور بيير شارون، داعما موقف بيير إيف بورنازيل. إنها فرضت وجودها، وهذه إحدى المسلمات في باريس.. إنها الوحيدة التي يطلب من الناس وضع توقيعها على أشيائهم بعد نهاية كل لقاء».. كما أن داتي أطلقت موقعا إلكترونيا تشرح فيه بالتفصيل المقترحات التي وضعتها لتحسين أوضاع باريس، وتستعد لإجراء عدة خرجات داخل الدوائر الباريسية. - عن جريدة «لوموند»