باغتت وزيرة العدل رشيدة داتي أكثر من تيار بمشاركتها الأسبوع الماضي، في خشوع روحاني رهيب، في القداس الديني المقام بكاتدرائية سان بيير، على بعد أمتار من المقر العام لحملتها الانتخابية برسم الاستحقاقات الجماعية لشهر مارس القادم بالدائرة الباريسية السابعة. فبين يسار مرتبك يتساءل كيف أن الديني أخذ ينساب في السياسي في قلب العلمانية الفرنسية، وتيار وسطي يرى في سلوكها مجرد تسول لأصوات الفرنسيين على خلفية التعايش بين الأديان، ويمين متطرف يسخر مما سماه بالانتماء المسيحي «المصطنع» لكسب الوجدان الفرنسي، أصرت داتي على إنهاء القداس الديني بالمشاركة طويلا في الحفل الذي أقيم بقاعة الحفلات التابعة للكاتدرائية، حتى إن القس أنتوان انتابه الشعور بأنها على درب اعتناق المسيحية، قبل أن ينبهه أحد الظرفاء بأنها على درب «اعتناق صناديق الاقتراع». وهذه هي المرة الثالثة التي تحضر فيها الوزيرة، المغربية الأصل، القداس المسيحي في أقل من شهرين، بعد القداس المقام بكنيسة سان كولتيد في 23 دجنبر الأخير، وقداس سان طوما داكوين قبل أسبوعين. وتعتمد داتي في حملتها الانتخابية على نجاحها في تكريس مفهوم الهجرة الانتقائية، وعلى جرأتها في تدبير الشأن المحلي، وخاصة على ابتسامتها العريضة التي لا تفارقها في كنائس وشوارع الدائرة السابعة، التي تعد من أرقى الدوائر الفرنسية وأقربها إلى التيار اليميني، حيث صوتت بنسبة 75 في المائة لفائدة نيكولا ساركوزي في الانتخابات الرئاسية الأخيرة. وتحرص داتي بهندامها الأنيق ولباسها الموقع بأسماء كبار مصممي الأزياء بباريس، على أن تكون مرفوقة في حملتها الانتخابية بكبار الشخصيات ومشاهير الفن والإعلام، حتى تبدو وازنة في دائرة معظم قاطنيها من الأثرياء والأعيان. وبينما تفضل الاعتماد على ابتسامتها العريضة وتحاياها الدالة والمعززة بتوقيعات إهدائية على أسفل المنشورات، يتولى فريق أعوانها استعراض برامج الحزب في مجال التدبير الحضري والمشاريع المقررة، لإضفاء مزيد من البهاء والرونق على واحد من أجمل الأحياء الباريسية. وعندما يسألها أحد الفضوليين عن سبب نزولها المباغت في دائرة لا تنتمي إليها، وعن مدى قدرتها على التوفيق بين منصبها الوزاري ومسؤوليتها الجماعية، ترد بابتسامتها المألوفة: «لو لم أكن قادرة على ذلك لما ترشحت، لأنه ليس من أخلاقي الاستخفاف بذكاء الفرنسيين». ويتوقع العارفون بشؤون الدائرة وميولاتها الانتخابية، أن تحقق داتي فوزا ساحقا، يعززهم في ذلك الاستطلاع الذي أجراه معهد إيفوب، ومنحها 46 في المائة في الدور الأول أمام لائحة الاشتراكيين والشيوعيين (23 في المائة) ولائحة الحركة الديمقراطية (17 في المائة). ويتوقع الاستطلاع أن تفوز بأزيد من 60 في المائة في الدور الثاني. وتأمل داتي أن يستحوذ حزبها «اليمين من أجل حركة شعبية» على المقاعد الخمسة التي كان قد حصل عليها اليسار سنة 2001 بسبب انقسام اليمين في تلك الفترة، غير أنها ترفض الكشف عن تطلعاتها في أن تصبح عمدة لباريس. «سنقرر في الأمر بشكل جماعي بعد نتائج الدور الثاني»، تقول رشيدة التي لا يمانع الرئيس ساركوزي في أن تكون المرأة الأولى على رأس بلدية باريس في حال فوز اليمين.