فيما عبرت الصحف الفرنسية عن اندهاشها لقرار ساركوزي، الذي اعتبرته ارتماءة غير مضمونة العواقب في أحضان واشنطن، ولم يتردد بعض المعلقين في تشبيه التواجد العسكري الفرنسي بأفغانستان بالحرب الفيتنامية بالنسبة إلى أمريكا، جاءت انتقادات اليسار أكثر حدة بعد أن أعلن الكاتب الأول للحزب الاشتراكي، فرنسوا هولاند، أن زيادة القوات الفرنسية، في الوقت الذي تغرق فيه القوات الموجودة في الرمال الأفغانية، هو «خطأ فادح». تتساءل الأوساط السياسية الفرنسية عما إذا كان في إعلان الرئيس نيكولا ساركوزي إرسال قوات إضافية إلى أفغانستان ما يؤشر لبداية عهد جديد يدشن لنوع من القطيعة مع السياسة الخارجية لأسلافه، أم أن الأمر لا يعدو أن يكون مجرد مغازلة ظرفية للرئيس الأمريكي جورج بوش، الذي أعرب قبل أسبوعين عن غضبه من تخاذل الحلفاء الأوربيين واستخفافهم بالوضع المتدهور سياسيا وعسكريا في أفغانستان. وقد اعتبرت المعارضة أن باريس بدأت تحذو حذو واشنطن وحلف الشمال الأطلسي في قراراتها الدولية التي تمثل رضوخا لطلبات واشنطن، وأنها، كما قال بعض نواب الحزب الحاكم، تجنح باتجاه العودة الكاملة إلى القيادة العسكرية الموحدة للحلف التي تركتها فرنسا قبل ثلاثين عاما، في عهد رئاسة الجنرال ديغول. كما رأت بعض الأوساط في القرار إسهاما في تخفيف التوتر داخل الحلف الذي يمارس منذ سنوات ضغوطا على الحلفاء الأوروبيين لإرسال قواتهم إلى هذا البلد. وكان الرئيس الفرنسي قد أعلن، خلال قمة حلف شمال الأطلسي التي اختتمت أشغالها في بوخارست، أن فرنسا سترسل كتيبة إضافية تضم أكثر من 800 جندي إلى شرق أفغانستان، وهو قرار قوبل برفض أزيد من ثلثي الفرنسيين، حيث بين استطلاع للرأي أجرته أول أمس مؤسسة «بي إف أ» في الموضوع، أن 68 في المائة من الفرنسيين يرفضون إرسال بلدهم مزيدا من القوات إلى أفغانستان فيما أبدى 25 في المائة تأييدهم، ورفض 7% منهم الإعراب عن موقف بهذا الشأن. وفيما عبرت الصحف الفرنسية عن اندهاشها لقرار ساركوزي، الذي اعتبرته ارتماءة غير مضمونة العواقب في أحضان واشنطن، ولم يتردد بعض المعلقين في تشبيه التواجد العسكري الفرنسي بأفغانستان بالحرب الفيتنامية بالنسبة إلى أمريكا، جاءت انتقادات اليسار أكثر حدة بعد أن أعلن الكاتب الأول للحزب الاشتراكي، فرنسوا هولاند، أن زيادة القوات الفرنسية، في الوقت الذي تغرق فيه القوات الموجودة في الرمال الأفغانية، هو «خطأ فادح»، بينما أصيبت المرشحة الاشتراكية السابقة للانتخابات الرئاسية، سيغولين روايال بما وصفته ب«الصدمة» من تصريحات ساركوزي، معللة رفضها إرسال قوات إضافية بالقول: «لا نعرف مخاطر الانزلاق ولا الضمانات الممكنة لحماية الجنود الفرنسيين». الاستخفاف بممثلي الشعب وتشدد الاعتراضات على ثلاث نقط رئيسية، الأولى إقدام الرئيس ساركوزي على كشف خططه في أفغانستان وهو موجود في عاصمة أجنبية، وهو ما اعتبرته المعارضة تحقيرا للشأن السياسي الداخلي، والثانية حول صوابية مثل هذا القرار والوضع الميداني غير واضح والقوة الأطلسية هي الأخرى مازالت بعيدة عن تحقيق هدفها الرئيسي وهو القضاء على طالبان وتثبيت نظام الرئيس حميد كرزاي، والثالثة، اتخاذه قرارات عسكرية بمثل هذا الحجم من دون العودة إلى البرلمان حتى وإن كان الدستور الفرنسي يخول رئيس الجمهورية القيام بذلك باعتباره القائد الأعلى للقوات المسلحة. ويرى أصحاب الموقف الثالث أنه حتى لو لم ينص الدستور على ضرورة تصويت الجمعية العامة على قرار مثل هذا، إلا أنه يشكل احتراما لممثلي الشعب، خاصة أن الرئيس الفرنسي الراحل فرانسوا ميتران كان قد طالب بتصويت البرلمان على قرار إرسال قوات فرنسية للمشاركة في حرب العراق الأولى. وبدوره رد ساركوزي على معارضيه بالإعلان عن استعداده للحوار «من غير تحفظ» مع البرلمان، فيما استبق الوزير الأول، فرنسوا فيون، الجلسة البرلمانية بأن ربط إرسال مزيد من القوات الفرنسية بثلاثة شروط، تتمثل، أولا، في زيادة المساعدات المالية العامة المخصصة للحكومة الأفغانية، وثانيا، تسريع نقل المسؤوليات الأمنية إلى القوات الأفغانية، وأخيرا أن تلتزم كل الأطراف الفاعلة في أفغانستان، في وقت واحد، بزيادة حضورها العسكري. وكشف وزير الخارجية برنار كوشنير، من جهته، أن ساركوزي كتب إلى رؤساء الدول التي لديها قوات في أفغانستان لحثها على «تحديد رؤية استراتيجية للوضع الأفغاني»، حيث الوضع «لا يمكن أن يستمر على هذا المنوال، وأن ثمة حاجة إلى رؤية استراتيجية ورؤية سياسية». وبدوره، سعى رئيس مجلس النواب، برنار أكواييه، الذي ينتمي إلى الحزب الحاكم، إلى امتصاص نقمة النواب على ساركوزي والمطالبة بإطلاع البرلمان على مشاريع الرئاسة والحكومة. وأسفرت الاحتجاجات عن قبول وزير الدفاع، هيرفيه موران، بالمثول أمام لجنة الشؤون الخارجية والدفاع لشرح أسباب ودوافع القرار الفرنسي بالرفع من حجم القوات الفرنسية في أفغانستان. وتساهم فرنسا حاليا ب1500 جندي من أصل ستين ألفا الموجودين في أفغانستان، وهي تأتي في المرتبة الرابعة بعد بلدان صغيرة نسبيا، مثل هولندا. ولا تشكل القوات الفرنسية المنتشرة في محيط العاصمة كابول سوى خمس القوات البريطانية ونصف القوات الكندية، فيما تساهم الولاياتالمتحدةالأمريكية ب19 ألف جندي. وثمة جدل بشأن المناطق التي ستنتشر فيها القوات الفرنسية الجديدة، إذ يرغب الفرنسيون في مرابطتها شرق البلاد، بينما يطالب الكنديون والأمريكيون بنشرها في الجنوب، حيث تدور أقوى المعارك مع طالبان. وينتظر أن ترسل باريس 800 جندي من المشاة و200 رجل من القوات الخاصة. سحب الثقة من الحكومة وفي سباق التداعيات السياسية لهذه القضية التي تطرح أكثر من استفهام حول التوجهات الجديدة للسياسة الخارجية الفرنسية، لاسيما وأن الرئيس السابق جاك شيراك سبق أن سحب سنة 2006 جزءا من القوات الفرنسية الخاصة من أفغانستان، قدم الحزب الاشتراكي مذكرة لسحب الثقة عن الحكومة سيناقشها البرلمان في الثامن من الشهر الجاري. وبالرغم من أن هذه المذكرة، وهي الأولى من نوعها منذ تولي ساركوزي وحكومته برئاسة فرانسوا فيون السلطة في مايو الماضي، لن تؤثر في شيء على قرار الرئيس ساركوزي، فإن المراد منها هو، من جهة، إثارة انتباه الفرنسيين إلى أن هذا القرار قد يكلّف فرنسا، ليس فقط فقدان عدد من رجالها، بل يعرضها أيضا لاعتداءات انتقامية محتملة من قبل شبكة القاعدة، ومن جهة أخرى، التشكيك في مصداقية الحكومة التي بدأت تستعيد في الآونة الأخيرة شيئا من الثقة بعد البوادر الإيجابية الأولى للإصلاحات التي باشرتها في الشهور الأولى من تعيينها. مراجعة جذرية وتتوقع الحكومة الفرنسية توفير ما بين ستة إلى سبعة ملايير يورو من ترسانة الإصلاحات التي شرعت فيها قبل عشرة أشهر. وسيضخ جزء كبير من هذا المبلغ، الذي يهم قطاعات السكن والصحة والشغل والتكوين المهني وتنمية المقاولات، في القانون المالي الثلاثي (2009 2011). فإلى جانب إعادة تنظيم أجهزة الدولة على المستويين المركزي والداخلي، وتعميم قرار عدم تعويض الموظفين المتقاعدين في الكثير من القطاعات (35 ألفا من المناصب التي تم إلغاؤها وفرت 500 مليون يورو في السنة الأولى)، تقرر في اجتماع للرئيس ساركوزي مع لجنة متابعة الإصلاح الهيكلي لأجهزة الدولة، الشروع في مراجعة جذرية لسياسات التدخل الاقتصادي والاجتماعي للدولة في قطاعات تعد بالمئات وتمثل 464 مليار يورو من النفقات السنوية، وهي موزعة كالتالي: 180 مليار يورو للسياسة العامة للصحة، 100 مليار لنفقات التضامن (مساعدة المعوقين ومحاربة الفقر والتهميش)، 80 مليارا لسياسة الأسرة، 70 مليارا للشغل والتكوين المهني وأزيد من 34 مليارا لسياسة السكن. وكان الرئيس ساركوزي، الذي بدأ يستعيد بعضا من شعبيته قد أعلن في دجنبر المنصرم عن نيته في مواجهة نفقات التدخل التي تثقل كاهل الدولة أكثر من غيرها من النفقات. وأثبت بطء النمو سنة 2008 وتدهور الميزانية العامة، على خلفية الارتفاع في حجم الديون وتزايد العجز العمومي، صوابية ونجاعة أسلوبه الاقتصادي، فيما تتوقع وزارة الاقتصاد والمالية عجزا بنسبة 2،5 في المائة من الناتج الداخلي الخام سنة 2008، وهي توقعات تدعو إلى التفاؤل بحكم الظرفية الاقتصادية الصعبة على المستويين الداخلي والعالمي. متاعب داتي «السجون مليئة، ولكن ديوان وزيرة العدل رشيدة داتي فارغ». بهذه العبارة علق أحد الظرفاء على الاستقالات المتتالية لمستشاري الوزيرة المغربية والتي بلغت 11 استقالة، كانت آخرها لمستشارها الدبلوماسي برنار بوساروك الذي واجهها قبل أن يهم بالانصراف بدون رجعة :»أمنعك أن تخاطبيني بمثل هذه اللهجة الصراخية». ومن أبرز الهاربين من «صداع الرأس» مع رشيدة كما يقولون، مدير ديوانها، ميشيل دوبكين، الذي ودعها بعد شهرين فقط من التعايش، وذلك في سياق موجة الشكوك التي سادت داخل الأوساط القضائية بشأن كفاءتها وملابسات تعيينها. ولحقت به الصحفية جاييل تشاكالوف التي لم تتحمل العمل مع رشيدة بسبب انتقاداتها اللاذعة، ثم جاء بعد أسبوع دور فرانسوا غيان، نجل الكاتب العام للإليزيه، الذي كان لسيسيليا زوجة ساركوزي آنذاك، دور كبير في مساعدتها على إقصائه بالرغم من تحفظات الرئيس الفرنسي واستياء الوزير الأول فرانسوا فيون. واللائحة تطول مع مستشارين آخرين، إلى أن علق أحد الوزراء بالقول: «المساكين لم يطيقوا الصراخ والمؤاخذات المبالغ فيها، وجميع مستشاريها سيتخلون عنها إن ظلت على نهجها». والاستقالات المتلاحقة ليست الهم الوحيد لصديقتنا رشيدة، ذلك أنه في الوقت الذي يردد فيه ساركوزي علنا ومعه أعضاء الحكومة أن خزينة الدولة فارغة، يباغتها المراقب المالي بالتحذير من الإسراف في تدبير مصاريف التمثيلية (المصاريف الخاصة بالاستقبالات والحفلات والمظهريات الأخرى)، فيما يعلق أحد القضاة بالقول: «ونحن الذين نشقى في المحاكم للعثور على ما يلزمنا من وثائق مرجعية حيث دفتر القانون المدني يتقاسمه أربعة قضاة». وتبدو رشيدة غير مبالية بما يروج حولها، حيث يظهرها شريط فيديو متداول على الأنترنت في دردشة مع صديقة صحفية تسألها: «ألا تشعرين بامتعاض القضاة من نهجك»؟ فتجيب: «أظنك لن تعثرين على قاض واحد يقول إنه لا يتحمل وزيرة العدل». ربما لن يقول القاضي ذلك جهرا، ولكن قد لا يتحملك سرا يا حارسة أختام الجمهورية. الكنيسة تبحث عن رشيدة والقضاء عن شيراك تتساءل الأوساط الكنائسية عن سر غياب رشيد داتي عن مواعيد القداس الديني بعد نجاحها في الاستحقاقات البلدية بالدائرة الباريسية السابعة، وهي التي كانت تشارك بانتظام وفي خشوع روحاني رهيب في القداس الديني المقام بكاتدرائية سان بيير،على بعد أمتار من المقر العام لحملتها الانتخابية. فبين يسار مرتبك كان يتساءل كيف أن الديني أخذ ينساب في السياسي في قلب العلمانية الفرنسية، وتيار وسطي كان يرى في سلوكها مجرد تسول لأصوات الفرنسيين على خلفية التعايش بين الأديان، ويمين متطرف يسخر مما سماه بالانتماء المسيحي «المصطنع» لكسب الوجدان الفرنسي، كانت داتي تصر على إنهاء القداس الديني بالمشاركة طويلا في الحفل الذي كان يقام بقاعة الحفلات التابعة للكاتدرائية، حتى إن القس أنتوان انتابه الشعور بأنها على درب اعتناق المسيحية، قبل أن ينبهه أحد الظرفاء إلى أنها على درب «اعتناق صناديق الاقتراع». وحتى نظل في ارتباط مع النسق القضائي الذي لا يخلو يوما من مباغتات، فإن الجديد في هموم الرئيس السابق جاك شيراك مع العدالة، وقد فقد حصانته الرئاسية، عثور المحققين على وثائق مرفوقة بشهادات حول احتمال استفادة الرئيس الفرنسي وعقيلته بيرناديت من أسفار مجانية بواسطة شركة الطيران «أورالير». وقد وقف المحققون على حسابات شيراك البنكية لسنة 1995 في إطار لجنة تحقيق تبحث منذ شتنبر 2006 تحت إمرة القاضي كزافيي سيموني، في الخروقات المالية للشركة التي كان يديرها أحد المقربين من الرئيس، ألكسندر كولفير، الذي وضع تحت المراقبة النظرية بتهمة سوء التدبير ونشر حسابات مغلوطة واستعمال النفوذ. وذهب المحققون إلى حد التنقيب في أرشيف المجلس الدستوري، حيث وقفوا على آثار تنقل الرئيس شيراك في ربيع 1995 أثناء الحملة الرئاسية في طائرة خاصة، دون أن يعثروا على الفاتورة المرتبطة بطائرة أخرى مخصصة لنقل الصحفيين وشخصيات أخرى. وتثير هذه الوثيقة المفقودة الشكوك حول ما إذا كان شيراك قد استفاد من أموال أو امتيازات لتمويل حملته الانتخابية. وقد صرح كولفير، أثناء استنطاقه، أن الرحلات موضع الاتهام كانت ممارسة تجارية طبيعية، رافضا ذكر أسماء المستفيدين منها.