أصدر مركز الجزيرة للدراسات، الأسبوع الماضي، كتيبا يستعرض وجهة نظر الرئيس التونسي، المنصف المرزوقي، في آفاق تطور الديمقراطية في العالم العربي، بعد مضي سنتين على اندلاع شرارة الحراك العربي، وانطلاق الحديث عما يعرف ب»ما بعد الربيع العربي». واعترف الرئيس التونسي في الكتاب بوجود «سبعة عيوب هيكلية» في الديمقراطية في العالم العربي، مما يجعلها نبتة معرضة للموت السريع في هذه المنطقة، وانتقد فيه عدم مركزية الحرية في فكر الحركات الإسلامية المتشددة، داعيا إلى ديمقراطية عربية قائمة على الحرية والعدل معا. وجاء في الكتاب: «ومع وجود هذه العيوب السبعة، فإن الديمقراطية عندما يراد لها أن تتطبق في العالم العربي نجد أنها –كما يبين الدكتور المرزوقي- تصبح نبتة معرضة للموت السريع، خاصة والتربة الثقافية ليست التي تتقبل بسهولة مثل هذه النبتة». وتتمثل هذه «العيوب السبعة»، وهي عبارة تحيل على لعبة شهرية تحمل الاسم نفسه، في أن «الديمقراطية (في العالم العربي) لا تعني دائما سيادة الشعب وإنما سيادة الأحزاب والأشخاص ومجموعات الضغط، إضافة إلى أنها «لا تنهي حكم الارستقراطيات المخفية؛ بل تلك الأنظمة المقنعة التي تعمل في الخفاء (الشرطة، الفساد المالي، الإعلام غير المسؤول)»، على حد قول المرزوقي. أما العيب الثالث، فيتجسد في كون «الديمقراطية لا تحقق العدالة الاجتماعية، دائما في المنطقة العربية، في حين يتجلى العيب الرابع في «قابلية كل قواعد الديمقراطية للغش أو لسوء الاستعمال وكل مؤسساتها قابلة للتفويض وتحويل الوجهة». أما باقي العيوب، فتتبدى بوضوح في كون «الديمقراطية تفتيت للقرار وتصعيب له وحتى توزيع الدكتاتورية؛ فضلا عن أن «المواطن الذي يدلي بصوته لا يأخذ دوما أصوب قرار له وللمجموعة»، دون إغفال أن «المسؤول ليس دائما على القدر المطلوب من المسؤولية». وثمة أيضا، وفق الرئيس التونسي دائما، عوامل ثقافية تحول دون تحقق الديمقراطية في العالم العربي، أهمها عدم مركزية الحرية وعدم اعتلائها عرش القيم لدى العرب. وقال في هذا الصدد: «إن سلم القيم المترسخ في الثقافة العربية لا يجعل من الحرية رأس هرم القيم عند العرب، بل إن قيمتنا الأولى حيث وضعنا العدل دوما على رأس كل القيم». وشدد الرئيس التونسي، وفق الكتيب، على «تجاهل العرب قديما وحديثا دور الحريات في بناء العدل كحرية نقد السلطة وحرية التظاهر ضد تجاوزاتها وحرية استبدالها سلميا»، قبل أن يخلص إلى أن هذا الوضع «لن يفيد العالم العربي المتعطش للعدل». إلى ذلك، شن الرئيس التونسي هجوما قويا على الجماعات الإسلامية، خاصة المتشددة منها، كونها تتبنى الرأي القائم بضرورة تحقيق العدل، بمنأى عن توفر الحرية، وطالب بضرورة تجاوز هذه الأطروحات من أجل بناء نظام سياسي «يجعل الحرية في خدمة العدل والعدل دعامة الحرية»، معتبرا أن الجمع بين الحرية والعدل هو السبيل الوحيد لبناء ديمقراطية عربية حقيقية.