يبدو أن الهوة بين منصف المرزوقي، الرئيس التونسي المؤقت، وحركة النهضة الإسلامية، التي تقود الائتلاف الحاكم، تسير نحو التفاقم يوما بعد آخر وأن حبل الود الذي يجمع حمادي الجبالي، رئيس الحكومة، والأمين العام ل "حركة النهضة" ومنصف المرزوقي، مؤسس حزب "المؤتمر من أجل الجمهورية"، أضحى "قصيرا جدا"، خاصة بعد اتهام المرزوقي حركة النهضة ب"السعي إلى السيطرة على مفاصل الدولة"، وهو الاتهام الذي قد ينسف بالائتلاف الحاكم ويزيد من مستوى احتدام الصراع السياسي بين مكوناته، والذي تجاوز أخطر أزمة واجهته في أعقاب تسليم رئيس الوزراء الليبي السابق البغدادي المحمودي إلى السلطات الانتقالية في طرابلس، يوم 24 يونيو الماضي، من دون علم وتوقيع الرئيس المؤقت. لم يكن يخطر ببال أحد من ضيوف المؤتمر الثاني لحزب "المؤتمر من أجل الجمهورية" أن يفتح الرئيس التونسي المؤقت، منصف المرزوقي، النار على شريكه في الائتلاف الثلاثي الحاكم، "حركة النهضة"، عندما اتّهمها، في خطاب ألقاه يوم الجمعة الماضي، خلال افتتاح أشغال افتتاح المؤتمر الثاني لحزب "المؤتمر من أجل الجمهورية"، ب"السعي إلى السيطرة على مفاصل الدولة". وقال المرزوقي، في الخطاب الذي ألقاه نيابة عنه وليد حدوق، أحد كوادر الحزب، "إن إخواننا في النهضة يسعون إلى السيطرة على مفاصل الدولة، الإدارية والسياسية، عبر تسمية أنصارهم، سواء توفرت فيهم الكفاءة أم لم تتوفر"، مضيفا أن "هذه كلها ممارسات تُذكّر بالعهد البائد". وانتقد المرزوقي، بشدة، "إصرار" حركة النهضة على اعتماد النظام البرلماني، قائلا "الحال أننا لُدغنا من هذا الجحر مباشرة بعد الاستقلال وعانينا نصف قرن من تبعات جمع حزب، وإن تحصل على الأغلبية بصفة ديمقراطية، للسلطتين التنفيذية والتشريعية في بلد هيّأته القرون للدكتاتورية وليس للديمقراطية". وعبّر المرزوقي عن مخاوف حزبه مما وصفه ب"تأخر الحكومة الحكومة التي يرأسها حمادي الجبالي، أمين عام حركة النهضة، في محاسبة الفاسدين وتعطل مسار العدالة الانتقالية وعدم تحقيق تسوية جذرية لملف الجرحى والشهداء الذين سقطوا خلال الثورة، التي أطاحت بنظام بن علي، وتأخر الشروع في تنفيذ مشاريع التنمية بالجهات الداخلية". وقال: ''هم لا يرون جدوى الدخول في معارك لا طائل منها بخصوص استقلالية الإعلام والقضاء والهيئة الوطنية لتنظيم الانتخابات، وكلها تؤلّب علينا جزءا من الرأي العامّ، يمكن أن يكون بجانبنا"، في إشارة إلى حكومة الجبالي، منتقدا في نفس الوقت خيارات الوزارات التي تُسيّرها حركة النهضة. انشقاقات حزب "المؤتمر" سبب النهضة أرجع المرزوقي، مؤسس حزب "المؤتمر من أجل الجمهورية"، أسباب انشقاق عدد من قياديي الحزب ونوابه في المجلس الوطني التأسيسي المنبثق عن انتخابات أكتوبر 2011 إلى رفضهم خيارات حركة النهضة، داعيا في نفس الوقت حزبه إلى "البحث عن تجاوز نقاط ضعفه وإقامة التحالفات مع التيارات التي تتفق معه في الإيمان بالديمقراطية والمدنية وتحقيق أهداف الثورة والمحافظة على جذرية التمسك بالمبادئ والواقعية في الممارسة السياسية، والنظر في اختيار مرشحيهم للانتخابات القادمة". كما دعا حزب المؤتمر إلى أن ''يكون، دوما وبلا أدنى تحفّظ، نصيرا قويا عنيدا، صلبا، لكل الحقوق والحريات الواردة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وأساس حرية الضمير والرأي وحرية الإبداع واستقلال المنظمات المدنية في مجال الإعلام، في مجال تنظيم الانتخابات وفي مجال القضاء"، مطالبا نوابه في المجلس التأسيسي ب''التمسك الكلي بحقوق الإنسان وحقوق المرأة، بصفة خاصة، وتضمينها في دستورنا بصريح العبارة وبدون لفّ ودوران وبرفض كل الجمل المثيرة للجدل العقيم، من نوع المرأة التي تكمل الرجل".. وقال في هذا الصدد ''إن المساواة تامة أو لا تكون، إذ يكفي أن ينقص منها أبسط جزء لكي تصبح آليا مساواة منقوصة، أي مساواة مزيفة". المرزوقي ينتقد بشدة "النهضة" انتقد المرزوقي في الخطاب ذاته دعوة، وبشدة، حركة النهضة الى استصدار قانون ''تجريم الاعتداء على المقدسات''، الذي يعاقب بالحبس على ''جرائم الاعتداء على المقدسات"، متسائلا: ''إذا سارعنا إلى قانون يُجرّم التطاول على المقدسات.. ألا يجب أيضا أن نجرّم "ظاهرة" التكفير ''المنتشرة في صفوف جماعات دينية تونسية متشددة؟".. وقال في هذا السياق: "إذا دخلنا في منطق المنع فإلى أي حد نذهب وهل لا يتهددنا خطر الانزلاق إلى ضرب المكسب الأكبر (الحرية) الذي ثار من أجله الشعب؟''. مضيفا: ''هناك بطء غير مقبول في انطلاق المشاريع، مما أدى إلى نفاد صبر مناطق حذرت كثيرا من انفجارها". وأكّد أن أعمال العنف التي اندلعت في الشهر الحالي في ولاية سيدي بوزيد (وسط غرب)، مهد الثورة التونسية، ''جرس إنذار يجب أخذه بجدية بدل الاكتفاء بطمأنة النفس والقول إنها حركة شباب طائش بأعداد قليلة تُحرّكها أحزاب متطرفة ووراءها فلول (حزب) التجمع''، الحاكم في عهد بن علي. وقال: ''لو لم يكن هناك احتقان حقيقي ومطالب شرعية لم تلبَّ وحوار مطلوب لم يُستجَب له لمَا أعطِيّتِ الفرصة للمصطادين في الماء العكر''.. مُحمّلا بشكل غير مباشر الحكومة مسؤولية ''تواصل عنف بعض الغلاة (السلفيين).. والحال أنه من حق ومن واجب الدولة، انطلاقا من شرعيتها، كف أذاهم عن الناس والتصدي بالقانون لمن يدمّر صورة تونس ويُشوّه ثورتها". الغنوشي يرد على المرزوقي أثار الخطاب الأخير للرئيس التونسي منصف المرزوقي، الذي ألقاه نيابة عنه أحد مستشاريه في افتتاح المؤتمر العام الثاني لحزب المؤتمر المؤتمر الوطني "استياء" حركة "النهضة"، التي حضر قياديوها افتتاح المؤتمر. وقال رئيسها، راشد الغنوشي: ''نحن نخالف المنصف المرزوقي في كثير من الآراء ونعتبر أنها لا تعبّر عن رأي حزب المؤتمر"، داعيا المرزوقي إلى "فهم دوره في هذه المرحلة". وأكد الغنوشي، في كلمته التي ألقاها أمام المؤتمر نفسه لحزب "المؤتمر من أجل الجمهورية"، أن حركته متمسكة بالتحالف مع حزبي المؤتمر من أجل الجمهورية والتكتل من أجل العمل والحريات، وهي الأحزب التي تشكل الائتلاف الحاكمَ في تونس بشكل يضمن "نجاح تجربة أول تحالف بين العلمانيين المعتدلين والإسلاميين المعتدلين في العالمين العربي والإسلامي". وشدّد على أن حركته تساند التصور القائل "بمنع كل من تحمل مسؤولية في النظام السابق من المشاركة في الانتخابات القادمة"، قائلا: "لن نسمح لقوى الردة بالعودة وإنتاج رموز الماضي من جديد". وبخصوص النظام السياسي المرتقب، عبّر الغنوشي عن تشبث حركة النهضة بموقفها الداعم لنظام برلماني "تحت حكم جمهوري يرعى الحقوق السياسية والمدنية لكل التونسيين"، مبينا أن هذا الموقف نابع من تصور وقراءة للواقع السياسي ومن تقدير لمصالح البلاد في هذه الفترة. وقال "إن البلاد لا يمكن أن تُحكَم في هذه الفترة إلا بالوفاق والسلم المدني"، الذي يُكرّس المساواة في جميع الحقوق والواجبات بين كل التونسيين، وخاصة بين الرجل والمرأة، على حد تعبيره. الغنوشي لا خلاف مع المعارضة أكد راشد الغنوشي، زعيم حركة النهضة، ضرورة "التصدِّي لقوى الردَّة"، وقال إن التونسيين لن يسمحوا بوجود أحمد شفيق في تونس أثناء الانتخابات المقبلة، في إشارة إلى المرشح الخاسر في انتخابات الرئاسة المصرية، والذي يعد واحداً من أبرز رموز نظام مبارك. وأضاف الغنوشي، في كلمته خلال افتتاح مؤتمر حزب المؤتمر من أجل الجمهورية: "لا خلاف لنا مع المعارضة، بل إن الديمقراطية تقوم على المعارضة، ولكن مشكلتنا مع من يراهنون اليوم على قوى الردَّة وإعادة الديكتاتورية السابقة". ودعا زعيم حركة النهضة إلى مجابهة عودة رموز النظام السابق، "الذين يحاولون العودة من الشباك، بعد أن طردهم الشعب من الباب".. مضيفًا: "إن التونسيين لن يسمحوا بوجود أحمد شفيق".. وأحمد شفيق آخر رئيس وزراء في عهد الرئيس المصري المخلوع حسني ومبارك ويعتبره معارضوه أحدَ أقطاب النظام السابق وزعيمَ "الفلول"، الذين يريدون العودة إلى السلطة من جديد. النهضة تغادر قاعة افتتاح المؤتمر لم يتقبل قادة حركة "النهضة" ما ورد في كلمة المنصف المرزوقي، التي تلاها بالنيابة عنه أحد مستشاريه، والتي شبّه فيها المرزوقي ممارسات حركة النهضة أو الحزب الحاكم، كما ورد في الكلمة، بممارسات بنعلي بخصوص السيطرة على مختلف دواليب الحكم وتعيين أتباعه في مختلف المراكز الحساسة للدولة، وهي الاتّهامات التي جعلت كلا من علي العريض، وزير الداخلية، ووزير الفلاحة، محمد بن سالم، وسمير ديلو، ينسحبون من القاعة التي شهدت افتتاح أشغال المؤتمر. ورد حمد بن سالم على انتقادات المرزوقي في مداخلة مع فضائية "الجزيرة"، مساء أمس، قائلا له: "لا تستطيع أن تكون في قصر قرطاج وفي المعارضة في نفس الوقت".. رسالة المرزوقي ليست رأي رئيس الجمهورية قال وليد حدوق، عضو المكتب السياسي لحزب "المؤتمر من أجل الجمهورية"، إن "ما جاء في رسالة المرزوقي ليس رأيَ رئيس الجمهورية باعتباره مؤسسا للحزب، وإنما جاء تعبيرا عن شعور سائد لدى البعض، وهو توصيف لحالة تسود في الإعلام"، في إشارة إلى انتقادات إعلامية ل"حركة النهضة". بدوره، قال الناطق الرسمي باسم الرئاسة، عدنان منصر، إن "مؤتمر الحزب كان مخصصاً لأنصاره، وبالتالي فإن النبرة النقدية كانت طبيعية، وكانت هناك حاجة إلى جمع الأنصار وإرسال رسائل إلى الخصوم والأصدقاء"، موضحاً أن "الخطاب لم يخرج عن مبادئ الحزب، لكنه أكد تضامنه مع الشركاء على المستويين الرسمي والتنفيذي". هل هي بداية نهاية الائتلاف الحاكم.. يبدو أن تصريحات الرئيس التونسي لن تؤثر فقط على علاقة حزبه ب"حركة النهضة" فقط، بل ستكون لها تداعيات سلبية على الائتلاف الحاكم في تونس، ومن شأنها أن تساهم في إضعاف حكومة الحالية، فكلمة المرزوقي قد تعزز الانطباع بأن انسجام الائتلاف الحكومي مجرّدُ صورة للتسويق والاستهلاك الجماهيري في ظل الاستقالات المتتالية في الحكومة الحالية، التي تلاقي معارضة قوية واتهامات لها من قِبَل المعارضة وبعض مكونات المجتمع التونسي ب"ضعف الأداء في التعاطي مع مشاكل البلاد والاستجابة لمطالب الثورة في التشغيل والعدالة الاجتماعية". وشهدت الشهور الماضية توتّرات بين الحكومة، التي يرأسها حمادي الجبالي، القيادي في حزب "النهضة"، ورئاسة الجمهورية، التي كانت من نصيب حزب "المؤتمر من أجل الجمهورية" بزعامة الرئيس المنصف المرزوقي. وكان من أبرز القضايا التي أثارت التوترات بين شريكي الحكم مساعي المرزوقي إلى إقالة رئيس البنك المركزي التونسي ورفضه قيام الحكومة بترحيل رئيس الوزراء الليبي السابق البغدادي المحمودي.