يعرف موضوع إصلاح صندوق المقاصة هذه الأيام اهتماما متزايدا لدى جميع الشرائح المكونة للشعب المغربي وخاصة الطبقة الوسطى، التي بدأت تستشعر خطر تداعياته إن هو تم كما روجت له الصحف على أن الحكومة عازمة على الاستغناء عنه واستبداله بدعم مالي مباشر للفئات الفقيرة من الشعب المغربي والذي يقارب الثلاثة ملايين أسرة، هذه الفئة التي لا يمكن لها إلا أن تصفق لهذه الهدية وبكل حرارة وتجازي عنها الحزب الذي يقود الحكومة مانحة إياه كل أصواتها في جميع الاستحقاقات المقبلة والتي من المرتقب أن تفوق بكثير الستة ملايين صوت، نظرا لمكونات أسرنا المغربية وخاصة هذه الشريحة مما سيمكن الحزب من اكتساب أغلبية ساحقة فتنفرد بالساحة السياسية، تجعلها تصول وتجول وتملي على الشعب المغربي كل ما بدا لها. غير آبهين لمستوى عيش الطبقة الوسطى التي تعد العمود الفقري للاقتصاد الوطني، حيث بدأت تتأثر من عدة إجراءات اتخذتها هذه الحكومة كالزيادة في أسعار المحروقات التي كانت ولازالت آثارها تبدو واضحة على كل شرائح المجتمع من حيث ارتفاع أسعار المواد الغذائية بصفة عامة، كما أقدمت هذه الحكومة على الزيادة في ضرائب بعض السيارات من بينها من كانت معفية، إضافة إلى تخطيط الزيادة في أثمان مجموعة من الأشياء التي كانت معظمها معفية أو الزيادة في بعضها... إن إصلاحات هذا الصندوق بأهميتها السوسيو اقتصادية ذات الوقع الكبير على الشعب المغربي تتطلب مزيدا من التأني والدراسات المعمقة، بالنظر لتداعياتها على جميع الشرائح، خاصة منها الطبقة الوسطى التي ستتحمل ميزانيتها عبئا إضافيا ثقيلا، لذا وجب تشخيص الخلل حتى تتسنى معالجته، فمؤن الأسر المغربية مجتمعة بما فيها المواد غير المدعمة لا يمكن أن تلتهم ولو نصف الميزانية المرصودة لهذا الصندوق التي هي 50 مليار درهم . فالذين يلتهمون كل هذه الملايير من الدراهم ليست إلا معامل الحلويات والمشروبات وكذا المطاحن والمخبزات. لذا وجب على الحكومة اتخاذ إجراءات جريئة تضع من خلالها حدا لهذا الدعم الموجه لهذه المواد التي يتم نقلها بالشاحنات والصهاريج وتدع الأسر في حال سبيلها، إذ إنها لا تستفيد إلا بالفتات من هذه الملايير المرصودة لهذا الصندوق . وقضية المقاصة ليست معادلة تقنية، لأن قرارا سياسيا بامتياز من قبيل إعادة النظر في المقاصة أو إصلاحها أو إلغائها لن يقف عند التبويب التقني للفئات المستفيدة، بقدر ما يعني، في الجزء المتعلق بالقرار، القدرة على إعطاء القرار كل ما يستحقه من أبعاد. لن يفيد في شيء أن نحاول جر الرأي العام إلى تفسيرات هلامية، من قبيل الخوف من توزيع المال على الفقراء لأسباب انتخابية، فهذه المقاربة تبين أنها لن تعطي الطمأنينة لفئات المجتمع برمتها، بل لابد من تفسير لماذا تعاقبت التصريحات حول الزيادات في الأسعار، في ارتباط مع صندوق المقاصة، متضاربة ومعقدة ومن كل صوب وحدب. ما بين تصريحات باها-بنكيران، وبين تطمينات البركة والأزمي. وهو ما يطرح إشكالا أعمق في التدبير الحكومي هو: من هو المسؤول عن السياسة الاقتصادية في البلاد، والحكومة أساسا، ومن له الحق في الحديث باسم إرادة الفريق التنفيذي في هذا الباب؟ على الحكومة أن تكون منسجمة، أي أن تكون ذاتها، جهاز يشترك في السلطة ويقتسمها مع مؤسسات دستورية أخرى، وإذا لم تكن قادرة على تحقيق ذاتها، فإنها لا شك غدا ستعيد نفس الارتباك وتحاول أن تصدره إلى المعارضة والرأي العام، وحتى إلى بعض شركائها..