يستحق الكمندان ميمون الزكاي أن يُسجَّل في «كتاب غينيس للأرقام القياسية» كأقدم سجين حرب في التاريخ، حسب الاتحاد الأوربي، حيث قضى ما يزيد على 28 سنة في سجون البوليساريو.. في كتابه الصادر في الأسبوع الماضي «معجزة تندوف: مذكرات أسير حرب 1976-2003»، باللغة الفرنسية (عن مطبعة أبي رقراق) والذي أهداه لجريدة «المساء» قبل النشر، يتحدّث لنا لأول مرّة ككمندان عسكريّ ومسؤول كبير في الجيش المغربي عن الأخطاء العشرة المُرتكَبة خلال حرب الصّحراء وطريقة تدبير القضية إلى حين توقيع اتفاقية وقف إطلاق النار سنة 1991. لقد فضّل الزكاي «الصوم» عن الكلام لمدة عشر سنوات تقريبا بسبب منصبه الحسّاس في الجيش المغربي ورغبته في «أخذ مسافة» عمّا وقع، خاصة مع رفض ترقية الجنود المغاربة العائدين من تندوف، وغضبهم مما أسموه «الظلم وإدارة الظهر لمن قضوا أكثرَ من 20 سنة في سجون تندوف»، وما تلا ذلك من احتجاجات الأسرى أمام البرلمان في الرباط. يخرج الزكاي في «المساء»، بعد مرور حوالي 37 عاما على حرب الصحراء، التي خاضها المغرب ضد انفصاليي البوليساريو، المدعومين سياسيا ودبلوماسيا من الجزائر ولوجستيكا من نظام العقيد معمر القذافي، ودول أخرى تتنفس الايديولوجيا نفسَها التي كانت تتهم المغرب بالتحالف مع الإمبريالية.. في هذا الملف يؤكد الكمندان العسكري المغربي، مرّة أخرى، أنّ دولا مثل، كوبا والفيتنام، انخرطت في الحرب إلى جانب البوليساريو، واكتشف الجنود المغاربة ملامح جنسيات أخرى وأجساد غير مختونة كانت تسقط في المعارك.. دون الحديث عن الدعم المعنويّ وعن الزيارات المُتكرّرة لوزراء الدفاع والجنرالات المحسوبين على بلدان المعسكر الشرقي لتندوف.. مباشرة بعد إطلاق سراحه، تسلّم الزكاي «جواز سفر الاتحاد الأوربي للحرية» في مقر البرلمان الأوربي في بروكسيل. ويرجع بنا إلى تلك اللحظات، متذكرا كيف أنّ المغرب أخطأ في حق أبنائه الأسرى في تندوف، عندما أدار لهم ظهرَه منذ اتفاقية وقف إطلاق النار في 1991، مشيرا إلى أنّ عددا غيرَ قليل منهم انتحروا بسبب اليأس من معانقة الحرية، وآخرين اندمجوا في المخيمات ولم يعودوا ينظرون إلى الوراء... يستعرض هذا الملف، كذلك، أخطاءَ قاتلة ارتكبها بعض المسؤولين الأمنيين الكبار في الجيش خلال حرب الصّحراء، خاصة ما يتعلق بإعطاء أوامر شفوية غير مسؤولة دفع عددٌ مهمّ من الجنود ثمنها غاليا، وغيابَ المبادرة وسيطرة «الكسل» والإغراق في التنظير في المدارس العسكرية وقيادة المفاوضات بدون إدراج بُند الأسرى وغيرها من الأخطاء.. ولا ينفي الكمندان ميمون الزكاي، الذي قدّمته البوليساريو مباشرة بعد اعتقاله على أنه «رأس» فيالق المدرعات المغربية، وجودَ «بعض ضعاف النفوس ضمن الأسرى ممّن انساقوا وراء دعاية البوليساريو وخطابها الداعي إلى الثورة على الملك الحسن الثاني». بل اعترف، في حواره مع «المساء»، بأنّ بعضهم كانوا يشاركون في البرنامج الإذاعي الشهير الذي تبثه إذاعة الانفصاليين «الشعب في الجحيم والملك في النعيم».. ويؤاخذ الزكاي الإدارة المغربية على جمعها كل الأسرى «في سلة واحدة» دون أن تكون هناك «غربلة»، لمحاكمة الخونة، والذين استسلموا في المعارك بدون مقاومة و«مكافأة المجاهدين»، داعيا إلى رد الاعتبار للأسرى المغاربة العائدين من تندوف، لأنهم هُم مَن صنعوا ملحمة حرب الصحراء بصلابة ورجولة لا توجد في كل جيوش العالم، رغم الأسلحة القديمة و»المتهالكة» التي ترجع إلى زمن الحرب العالمية الأولى.. ويجمع الكتاب بين السيرة الذاتية للكاتب منذ بداية المسيرة الخضراء إلى زمن إطلاق سراحه في 2003. ويتعمّد الكاتب الخروج من المتن الروائي لصبّ جام غضبه على قيادات الجيش المغربي أو ل»التصفيق» لسياسة الملك الحسن الثاني أحيانا، وأحيانا أخرى يقف مصدوما أمام التعذيب الذي يتعرّض له المغاربة في تندوف ولدى المخابرات الجزائرية، مستغربا كيف استطاعت الجزائر «نسيانَ» التضحيات التي قدّمها المغرب من أجل استقلالها عن فرنسا.. ويختم الكاتب حواره مع «المساء» بالتشديد على أنّ كتابه خرج للتأريخ لمرحلة من تاريخ المغرب دون «محاباة فلان» أو «التهجم على علان».. مُردّدا عبارة كرّرها طيلة الحوار: «اللي عندو شي حاجة عْطيتها ليه هنا»..