إن الرسالة الروحية على حد ما يصفها لنا القرآن في الكثير من الآيات بمثابة تذكير، أو ما سماه القرآن نفسه بالذكر، وتتخلص وظيفتها في كونها توقظ في الكائن البشري الجانب النبيل في ذاكرته ووعيه، من أجل أن يظل في قرب شديد بربه واتصال دائم مع خالقه. ومن خلال هذا الذكر يحصل الاطمئنان الباطني بالعدل الإلهي. ومن هذا المنظور، ليس هناك أي شيء في النص القرآني يمكن أن يبرر أو يدافع عن أي نوع من أنواع الميز ضد النساء. إن هذه هي القناعة التي لا يمكن إلا أن تنبع من الإيمان العميق، لكنها تجد صعوبات جمة في أن تترجم إلى تطبيق فعلي على أرض الواقع الإسلامي المعيش، حيث ما زال الأمر يحتاج إلى إعادة صياغتها من أجل إدماجها ونشرها في الحياة اليومية للناس في المجتمع. في هذا المجال بالذات يجب تطوير الفكر الإسلامي من أجل إعادة بنائه وتشكيله من جديد، وإعادة التفكير فيه بصورة تتم معها معرفة الفرق بين الرسالة القرآنية وبين التأويلات التي أدت إلى تحجر النص وقتلت فيه روح الحوار. هذا ما صار يتحقق في العالم الإسلامي شيئًا فشيئًا إن شاء الله، حيث بدأت تلوح في الأفق إرهاصات تفكير مدروس يروم تغيير هذا الواقع بتؤدة وأناة. ورغم الواقع المزري للغاية في مجموع العالم الإسلامي يمكن أن نتبين بوضوح نشوء – وإن في استحياء- خطاب جديد يحاول إصلاح الفكر الديني الذي أصبح يعاني من فقر فكري صارخ، حيث انصرف كلية نحو الجانب الوعظي لا غير. وبالفعل، فإن مما يدعم ملاحظتنا هذه، ما أصبحنا نشاهده اليوم من ظهور فكر إسلامي-رغم قلة أصحابه بالتأكيد- يحاول جاهدًا المساهمة في إعادة رسم خريطة هذا الفكر وكذا خلق مجالات جديدة له، حيث تساعد النقاش الديني على أن يتطور وينتعش دون أن يفقد روحه الأصلية والأصيلة. وفي داخل هذه الأوساط الفكرية نجد من يهتم اهتماما كبيرا بوضعية المرأة في الإسلام ويعمل بفكر جدي وعميق، حيث بدأ يأخذ خطابه منحى واضحًا ويفرض نفسه يومًا بعد يوم. إن مسألة المرأة في الإسلام كانت دائما في قلب النقاش بل كانت حاضرة في كل المطارحات والمناظرات في العالم الإسلامي برمته. ومع ذلك، فإن الجديد اليوم أنه في غمار هذه الحركية الفكرية الجديدة أبدت نساء مسلمات استعدادهن للمشاركة في هذا النقاش وحاولن أخذ الكلمة من أجل استرجاع ما كان دائمًا في يد الرجل، يتحكم فيه دون منازع وبالتحديد قدرها ومصيرها.