في «ديوان النثر العربي» لأدونيس، وهو أول أنطولوجيا في النثر العربي تُغطِّي مرحلة تاريخية كبيرة من تاريخ النثر عند العرب، كثيراً ما تلتبس على القارئ المسافةَ الفاصلة بين «النثر» و»الشِّعر». فالنصوص التي اختارها أدونيس، فيها طاقة تعبيرية كبيرة، وهي ذات شعرية، تُضاهي الشِّعْرَ نفسَه، وتتجاوزه، خصوصاً إذا احْتَكَمْنا، في قراءَتنا للكثير من الشِّعر الموزون المقفى، إلى معيارية النص، دون جماليته، التي تَفْتَقِدُها نصوص شعرية «تاريخية». في الديوان، بأجزائه الأربعة، يكشف الكاتب العربي، عن طاقة تعبيرية كبيرة، ويفضح ما نَدَّعِيه عن العربية، باعتبارها لغة قاصِرَةً، أو عاجزةً، أو لا تفي بما نريدُها منها. وما يزيد من قوة العربية، هذا الانتقال بالنثر، في نثريته طبعاً، إلى مُسْتَوًى من التعبير، لا تتشابه فيه الصور، ولا العبارات، والجملة في السياق النثري، تَسْتَوْلِد شعريتها الخاصة، دون أن تَدَّعِي الشِّعر، أو تتنكَّر للنثر. لكن أهم، وأخطر ما تكشف عنه هذه الأنطولوجيا النثرية، هو الطَّاقة التعبيرية الجمالية، التي كان العربي يَبْتَدِعُها، سواء أكان خليفةً، أم كان وزيراً، أم من عوام الناس، في بعض الحالات، وليس بالضرورة الكاتب وحده، هو من كان يعرف من أين يُوْكَل النثر. لعلَّ في هذا، ولِي عودة مُفَصَّلَة للكتاب، ما يُتيح للشُّعراء، والنِّقَّاد، ممن ما زالوا يَفْصِلون، في الكتابة، بين النثر والشِّعر، أو ينتصرون لِ«قصيدة النثر»، دون غيرها، أو يَفْتَعِلُون النقاش حول الموزون وغير الموزون، أن يُعيدوا النظر في طبيعة الرؤية التي يصدرون عنها، وفي المفهومات التي ما تزال عندهم مُفْعَمَةً بكثير من الالتباس، خصوصاً في سياقها المعرفي العربي القديم، أن يُعيدوا مراجعة هذه المفاهيم، ومراجعة مفهوم الشِّعر، والكتابة، والخروج من المفهوم الضيِّق للشِّعْر الذي يختزلونه في «القصيدة»، التي لم تكن هي الشِّعر، وفق ما تفضحه المعرفة الشِّعرية والنقدية القديمتين. في «ديوان النثر العربي» دعوة للخروج من أسوار النَّظْم والوزن، والذهاب إلى ما في الكتابات العربية، في مصادرها المختلفة، من طاقة تعبيرية، هي نوع من الاحتفاء بالعربية كلغة خلق وابْتِداع، عكس ما يَدَّعيه أعداؤها، ممن يجهلون تاريخها الشِّعْري والجمالي، ويدعون إلى استبدال الفصيح بالدَّارِج أو العامي. * شاعر مغربي