سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
مثقفون مغاربة يستعرضون شعرية الأشياء في السرد المغربي الحديث طرح الموضوع من طرف رولان بارث وغيره من الباحثين والنقاد الغربيين في حين أهمله النقد العربي
نظم ملتقى الثقافات والفنون بالمحمدية، في سياق برنامجه السنوي، نهاية الأسبوع، ندوةً، حول «شعرية الأشياء في السرد المغربي الحديث»، بمشاركة روائيين وقصاصين ونقاد مغاربة، بينهم الروائي الميلودي شغموم، والباحث و الناقد حسن بحراوي، والقاص أنيس الرافعي، والروائي أحمد لكبيري، والروائي حميد المصباحي. الجلسة أدارها الناقد والباحث محمد الداهي. في بداية اللقاء قرّب محمد الدَّاهي الحاضرين من موضوع الندوة، من خلال التذكير بأهمية العودة لما كان طرحه الناقد الفرنسي رولان بارث، في الموضوع، وغيره من الباحثين والنقاد الغربيين الذين كانوا قاربوا مثل هذه الجزئيات والتفاصيل في الأعمال السردية، بعكس ما نجده نظرياً في النقد العربي. وقد اختار الداهي رواية «اللص والكلاب» لنجيب محفوظ ليتوقف من خلالها عند بعض ما لم ينتبه إليه النقد، والقارئ، أيضاً، من أشياء وجزئيات صغيرة، مثل المسدس، وولاعة السجائر، مما يمكنه أن يكون أحد الدوال المهمة في العمل السردي، وفي ما يمكن أن يجري من أحداث في العمل. المُتَدخِّل الأول كان هو الروائي الميلودي شغموم، الذي توقف عند فكرة، ذات أهمية كبيرة، وخطيرة في نفس الوقت، ولها علاقة بالموضوع، باعتبار أن الروائي المغربي كثيراً ما يجد نفسه أمام مفارقات عجيبة، تتعلق باللغة، فقد يجد الكاتب معادلاً للكلمة التي يعرفها بالفرنسية في الأصل، في الدارجة المغربية، لكنه حين يعود إلى بعض المعاجم المزدوجة، للبحث عن الكلمة، في مقابلها العربي، يجد مشكلة في قبول ما تقترحه من ترجماتٍ، في سياق ما يريد أن يقوله، أو يعبر عنه في الاستعمال المغربي المحلي، وأعطى أمثلة من بعض رواياته التي استعمل فيها كلمات، في أصلها الدارج، مثل «القوقي»، ومادة التصبين المعروفة، في الأوساط العامة «تيغشت» لأن الترجمات، أو معادلاتها العربية، لا تعبر عن الغرض المطلوب، أو عن الدلالات التي تحملها العبارة أو الكلمة. من جهته، اعتبر حسن بحراوي، الموضوع جديداً، ومباغتا، وهو يشعر أنه يدخل امتحاناً في موضوع مفاجئ وغير مُعْلَن. وحاول بحراوي، بطريقته البيداغوجية في الحوار وتقريب الفكرة، أن يقترب من بعض التصورات الغربية، متفقاً مع محمد الداهي في بعض ما أشار إليه، ليطرح بعض المقترحات النظرية التي بدونها لا يمكن مقاربة، أو ملامسة الشيء، في جزئياته، في العمل السردي. وقد أشار بحراوي إلى وضع الحاضرين، في سياق الموضوع، بما فيه من وضْعياتٍ مُشْكِلَة، وما يمكن أن يجعل القارئ قادراً على وعي مثل هذه الوضعيات في العمل السردي. أما أنيس الرافعي فقد اختار أن يتحدَّث، في شهادته، عن تجربته القصصية، بما كانت تفرضه عليه من تفاصيل وجزئيات، وعلاقة بالأشياء، باعتبار القاص شخصا يُحْدِث اختراقات فيما يمكن أن يكون مألوفاً وعاماً. وقد أعطى أمثلة من نماذج لبعض قصصه التي كان فيها الشيء لافتاً، ووظيفته في السرد القصصي، لا يمكن تفاديها، في قراءة النص، وفيما يقترحه من أوضاع تخييلية، مثل الباب الذي سيبتلع أسرة بكامله، داخل شقة بمساحة مغلقة، أو محدودة. أما أحمد لكبيري، فقدم مداخلة، هي نوع من الشهادة فيما يمكن أن يكون للأشياء من دور في العمل الروائي، وخصوصاً فيما يكتبه هو من أعمال روائية. وانتقل لكبيري إلى قراءة نموذج من روايته الصادرة حديثاً «أرصفة دافئة»، لتأكيد أهمية الشيء في السرد، وما يمكن أن يشكله من أبعاد دلالية في قراءة الرواية، ومقاربتها، بدل تلك القراءات التي تذهب للكلي والعام. حميد المصباحي، باعتبار تخصصه الفلسفي، حاول من خلال ثلاث لحظات مهمة، أن يختار موقع التساؤل بصدد شاعرية الشيء في العمل السردي، وهذه الشاعرية تحدث في العمل وفق أي منظور؟ كما حاول أن يقترح بعض المداخل الفلسفية للاقتراب من الإشكالية التي يقترحها موضوع الندوة، من زاوية نظره هو، بصفته روائيا، يختلف في تصوره للعلاقة بالشيء، في لحظة الكتابة مع المتدخلين السابقين، واقترح بعض التصورات الفلسفية، باعتبارها شرطاً لوعي الموضوع، واختراقه. وقد كانت مفاجأة اللقاء قراءة تلميذتين من التعليم الإعدادي، تعملان في مختبر السرد بمؤسساتهما التعليمية، بمدينة المحمدية، على الكتابة القصصية. وقد تميز نصَّاهُما بعالمهما التخييلي العجائبي، مما استحسنه المشاركون والحاضرون، وكانت هذه فرصة لمشاركة أجيال أخرى قادمةٍ للانخراط في «حرفة» الكتابة. كما أن اللقاء كان فرصة لطرح الموضوع لأول مرة، والاقتراب منه، رغم ما يطرحه من مشكلات نظرية كبيرة، هي نوع من الامتحان، كما قال حسن بحراوي، بالنسبة للناقد والباحث والروائي والقارئ في الآن ذاته.