الصورة مرعبة: «طفل فلسطيني، أصغر معتقل في العالم، بين اليدين المكبلتين لوالدته المعتقلة هي كذلك، يحضر لمحاكمته. ولأن يديها مكبلتان فلم تستطع والدته إرضاعه لاثنتي عشرة ساعة». هل هذه هي الديمقراطية الإسرائيلية التي تقدمها أوروبا والولايات المتحدةالأمريكية كمثال يحتذى به للعالم العربي؟ وبطبيعة الحال، فإن هذه الصورة تم التكتم عليها من طرف معظم وسائل الإعلام الغربية لسبب وجيه. وعكس ذلك، فعندما يتعلق الأمر بحقوق الشعب الفلسطيني، فإن القوى الغربية لا تنقصها الحجج من أجل تقليصها إلى العدم. كمثال، من ضمن العديد من الأمثلة على ذلك، حق عودة اللاجئين الفلسطينيين الذين طردوا من أراضيهم سنة 1948. وبذلك، وحسب الصحافة الإسرائيلية، فخلال زيارة إيهود أولمرت، في أكتوبر 2007 لفرنسا، صرح الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي: «إن اللاجئين الفلسطينيين لن يتم توطينهم لا في الدولة الفلسطينية وليس في إسرائيل... كل دولة ستكون لها وضعيتها الخاصة بها...»، مضيفا أنه «ليس من المعقول أن يطالب الفلسطينيون في الوقت ذاته بدولة مستقلة وبعودة اللاجئين إلى إسرائيل والتي تضم اليوم مليون شخص كأقلية عربية». هذا الموقف يشكل إلغاء لحق عودة كل الفلسطينيين الذين تم طردهم من بيوتهم من طرف إسرائيل منذ 1948. إنه إلغاء غير مقبول لأن الأمر يتعلق بحق غير قابل للتصرف فيه والمنصوص عليه في القرار 194 للجمعية العامة للأمم المتحدة والذي تنص المادة 11 منه على: «تقرر وجوب السماح بالعودة في أقرب وقت ممكن للاجئين الراغبين في العودة إلى ديارهم والعيش بسلام مع جيرانهم، ووجوب دفع تعويضات عن ممتلكات الذين يقررون عدم العودة إلى ديارهم وعن كل مفقود أو مصاب بضرر، عندما يكون من الواجب وفقا لمبادئ القانون أن يعوض عن ذلك الفقدان أو الضرر من قبل الحكومات أو السلطات المسؤولة. - وتصدر تعليماتها إلى لجنة التوفيق بتسهيل إعادة اللاجئين وتوطينهم من جديد وإعادة تأهيلهم الاقتصادي والاجتماعي، وكذلك دفع التعويضات والمحافظة على الاتصال الوثيق بمدير إغاثة الأممالمتحدة للاجئين الفلسطينيين، ومن خلاله بالهيئات والوكالات المتخصصة في منظمة الأممالمتحدة». هذا الموقف غير العادل يؤكده المشروع الفرنسي من أجل السلام في الشرق الأوسط، والذي نشر الجمعة 19 دجنبر 2008، والذي تقترح فيه باريس إنشاء وكالة دولية مسؤولة عن تعويض فلسطينيي الشتات الذين لن يعودوا لا إلى إسرائيل ولا إلى فلسطين. إنهم يشكلون حوالي 4 ملايين لاجئ (أو أبنائهم)، الذين غادروا فلسطين التاريخية سنة 1948 قبيل قيام دولة إسرائيل. وتقدر كلفة هذه العملية الضخمة ما بين 80 و200 مليار دولار، حسب التقديرات الأولية. من سيدفع؟ الدول الخليجية، إضافة إلى الاتحاد الأوروبي الذي وافق على هذه «الآلية»، بما فيه «اللوجيستيك والأبعاد المالية». وتعتبر باريس أن «أي اتفاق سلام سيكون مع حد أدنى لعودة اللاجئين إلى إسرائيل». أولمرت مستعد لقبول حوالي 5000، لكن خلفاءه المحتملين، تسيبي ليفني أو بنيامين نتانياهو، لا يقبلون بأحد. خدعة صغيرة: يمكن إعادة توطين اللاجئين في الأراضي التي تريد إسرائيل مبادلتها مع الفلسطينيين في النقب أو في الشمال قرب بتشييان. وكتتويج لما سبق فإن العرب هم الذين سيعوضون الفلسطينيين. وإلى أن يثبت عكس ذلك، فإن عرب دول الخليج ليسوا هم من طردوا الفلسطينيين من أراضيهم، لكن من فعل ذلك هم اليهود بدعم من الغرب ومن الاتحاد السوفياتي. في الواقع، فإن هذا الموقف الأوروبي والأمريكي هو نسخة عن موقف الدولة الصهيونية. وزيادة على ذلك، فإن القادة الغربيين هم أكثر تصهينا من الصهاينة أنفسهم. لقد تجاوزوا بكثير حتى مؤسس الدولة الصهيونية، دافيد بن غوريون الذي كان قد صرح قائلا: «دعونا لا نخفي الحقيقة... سياسيا، نحن المعتدون وهم المقاومون. هذا الوطن هو وطنهم لأنهم كانوا يعيشون فيه في الوقت الذي استوطناه للتو. بالنسبة إليهم، فنحن نريد طردهم من وطنهم. وراء الإرهاب (العربي) هناك حركة، رغم كونها بدائية، فإنها لا تخلو من المثالية والتضحية بالذات»، (صفحة 91 من «المثلث المشؤوم» لتشومسكي). بن غوريون أكد كذلك أن الفلسطينيين لن يعودوا أبدا إلى منازلهم لأن «كبار السن سيموتون والشبان سينسون». لكنه بالنسبة إلى هذه النقطة فقد أخطأ التقدير، فالشباب الفلسطيني لم ينس. في 5 أكتوبر 1937، كتب بن غوريون نفسه في رسالة لابنه أموس الذي كان في السادسة عشرة من عمره: «يجب علينا طرد كل العرب واحتلال مكانهم... وإذا كنا سنستخدم القوة فليس لحرمان العرب من النقب وشرق الأردن، لكن لضمان حقنا في استيطان هذه الأراضي بما أننا نمتلك القوة». إن توريث الأفكار يعتبر حاضرا. إن ما يقترحه الغرب لا يختلف سوى في الشكل عما يطالب به قادة إسرائيل اليوم. فبالنسبة إلى القادة الغربيين، هناك الديمقراطية التي تنتهك القانون الدولي، وهناك ديمقراطية أخرى نلوح بها لمعاقبة دول العالم الثالث.