قبل بضعة أيام، بثت قناة «كادينا صير» الإسبانية مقاطع فيديو مرعبة لزورق حراسة إسباني، قبالة سواحل «لانثاروتي» بجزر الخالدات، وهو يتعمد إغراق مركب صغير كان به 25 مهاجرا سريا مغربيا، كلهم تقريبا من منطقة سيدي إفني. الحادث جرى قبل بضعة أشهر، والصور المبثوثة تبين بطريقة فاضحة كيف أن زورق الحرس المدني الإسباني تعمد إغراق المهاجرين المغاربة في ظلمة الليل، وبسبب ذلك قضى سبعة من المهاجرين نحبهم غرقا أو فُقدوا، بينما نجا آخرون بأعجوبة لسبب بسيط، هو أنهم كانوا قريبين من الشاطئ. القناة الإسبانية، التي بثت الشريط، قالت إن هذه أول مرة يتم فيها تعمد إغراق مركب للمهاجرين السريين منذ أن بدأت ظاهرة الهجرة السرية قبل أزيد من 30 عاما؛ لكن الحقيقة أن حادث «لانثاروتي» لم يكن الأول من نوعه، وكل ما حدث هو أن هذا الحادث هو الأول من نوعه الذي تلتقطه كاميرات المراقبة، وأكثر من هذا أنه بث في قناة تلفزيونية. خلال العقود الماضية، روى مهاجرون سريون، مغاربة وأفارقة، حوادث مرعبة انتهت بطرق مأساوية. وكثير من الذين غرقوا لا يمكنهم أن يحكوا ما جرى، لذلك ظلت هذه المأساة مستمرة، بينما حكومتا المغرب وإسبانيا تمارسان نفاقا فاضحا، وتتصرفان كما لو أن هذه التراجيديا المستمرة غير موجودة أصلا. خلال السنوات والعقود الماضية، حكى مهاجرون سريون لأصدقائهم ومعارفهم كيف أنهم نجوا من الموت بأعجوبة خلال محاولاتهم عبور البحر في مراكبهم الصغيرة والمهترئة، ورووا كيف أن زوارق الحراسة الإسبانية كانت تتعمد إغراقهم عبر دهسهم مباشرة أو عبر المرور بمحاذاة الزورق بسرعة كبيرة حتى يرتفع الموج ويمتلئ الزورق بالماء وينقلب. ما تقوم به بعض دوريات الحراسة الإسبانية يعتبر شبيها، إلى حد التطابق، بما تقوم به حيتان «الأوركا» العملاقة والمتوحشة؛ ففي القطب الشمالي أو الجنوبي، مثلا، عندما تلجأ فقمة إلى الاحتماء بقطعة جليد عائمة هربا من حوت «الأوركا»، فإن هذا الأخير يبدأ في المرور بقوة أمام قطعة الجليد حتى ترتفع فوقها الأمواج، وبعد بضع محاولات تسقط الفقمة فريسة سهلة في فم الأوركا. هناك مهاجرون ناجون توجهوا إلى وسائل إعلام إسبانية وحكوا ما جرى، لكن لا أحد التفت إلى ذلك، وفي أحيان أخرى كان الصحافيون يطالبون بإثباتات، لأنه من الصعب اتهام الحرس المدني الإسباني بإغراق زوارق المهاجرين دون وجود حجة أو شريط مصور. لكن كيف لمهاجرين، كل أملهم الوصول إلى الشواطئ الإسبانية، أن يُخرجوا كاميراتهم أو هواتفهم النقالة في عرض البحر وفي عز الليل لكي يصوروا أطوار جريمة مكتملة يمارسها ضدهم أفراد حاقدون من الحرس الإسباني؟ إنه شيء أكثر من مستحيل. ومرة، حكى مهاجر ناج كيف أن زورقا إسبانيا في مضيق جبل طارق توجه مباشرة وبسرعة نحو «باطيرا» مملوءة بالمهاجرين وشطرها إلى نصفين، ثم غادر وكأن شيئا لم يكن. المهاجرون الناجون يقولون إن تلك الطريقة تعتبر أكمل وأبشع جريمة في العالم لأن القتلة لن يحاسبهم أحد، ولا يوجد شهود ضدهم، وهم يفعلون ذلك إما بدافع الحقد والعنصرية أو رغبة منهم في إكمال ليلهم بسلام ودون تكلف تعب رصد واعتقال المهاجرين وحملهم إلى الشاطئ، مع ما يستتبع ذلك من إجراءات قانونية طويلة ومعقدة من أجل إعادة المهاجرين السريين نحو بلدانهم. حين كان مهاجرون يسردون تلك الحكايات، كان كثيرون لا يصدقون ذلك. كانوا يعتقدون أن الحرس المدني الإسباني لا يمكنه أن ينزل إلى تلك الدرجة من الدناءة؛ واليوم، عندما شاهد الناس حادث «لانثاروتي»، فإن الكثير من الأفكار يجب أن تتغير، فإسبانيا، في البداية والنهاية، بلد استعمرنا وظل ينظر إلينا دائما كجار جنوبي مزعج ومتخلف، لذلك من الطبيعي أن يمارس ضدنا وسائل سادية في القتل. السؤال الآن هو: ماذا سيفعل المغرب بعد انكشاف تفاصيل هذه الجريمة. لا يجب أن نتوقع الكثير، فشباب سيدي إفني الذين قضوا في تلك الجريمة هم أنفسهم الذين انتفضوا من قبل من أجل كسر احترام لوبيات نافذة للسمك في منطقتهم، لكن عوض أن يأكلوا سمك بلادهم، فإنهم صاروا طعاما للسمك. إنه منطق بلاد لايزال كثيرون يصرون على أنها لا تسير بالمقلوب.