سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
ملاحظات عبد الرحيم حزل حول ترجمة عبد السلام الشدادي لكتاب «العبر» لابن خلدون حزل يقول إن أعظم أخطاء هذه الترجمة كونه لا تبلغ من معاني تلك الشواهد إلى شيئ كثير
تنشر «المساء» هنا ورقة للمترجم المعروف عبد الرحيم حزل، يؤاخذ فيها المترجم الشهير عبدالسلام الشدادي، الذي تخصص في ترجمته لابن خلدون وحصل على جوائز رفيعة. في هذه الورقة يرى حزل أن الشدادي «خان» النصوص الأصلية، وأتى بمجموعة من الشواهد التي يزعم فيها أنه جانب فيها «الصواب» مثل ترجمته شوهد قرءانية وأخرى شعرية. وتنشر «المساء»ورقة حزل سعيا إلى فتح النقاش حول «قضية» الترجمة، ذلك أنها تبقى مفتوحة على أفق وممارسة غير مضبوطين، فهناك كتب ترجمت أكثر من مرة من طرف أكثر من مترجم، سند كل مترجم فيها أن الترجمات السابقة انحرفت عن مقاصد النصوص الأصلية. ويبقى طبعا للمترجم عبد السلام الشدادي حق الرد والتوضيح خدمة للترجمة أولا وأخيرا. يكتب حزل «من منا لا يعرف عبد السلام الشدادي؟ فالرجل قد أضحى كنار على علم في سماء الثقافة المغربية والعربية، بله العالمية أيضاً. أليس هو قد فاز بأكبر الجوائز العربية والعالمية، وأن إصداراته باتت تعرف سبيلها إلى النشر حتى في البلاد الأجنبية، بل منها التي تبوأت مكانها في «لابلياد». فقد أصدر الشدادي فيها ترجمة فرنسية للقسم الأول تاريخ ابن خلدون «العبر» (المعروف باسم «المقدمة») في سنة 2002. ثم عاد في أواخر السنة الفارطة ليصدر فيها الجزء الثاني من هذا الكتاب (وأسماه «تاريخ البربر والعرب سكان المغرب»). إن أول ما يلفت انتباه القارئ في هذه الترجمة الأخيرة، بلهَ يثير استغرابه، أنها – وعلى خلاف المتوقع – لم تستوف كتاب «العبر» كله، أو لم يكرسها المترجم للقسم الأول منه، والخاص بالبلاد العربية، بل انتقل فيها رأساً إلى القسم الخاص ببلدان المغرب. حجته في ذلك – وكما كتب في مقدمة الترجمة – أنه يمثل «القسم الأكثر أصالة وغنى من كتاب ابن خلدون». ثم لا نجده جاء من المسوغات المنهاجية ما يؤكد هذا الأمر. والحال أن تاريخ ابن خلدون، الذي ضمّنه كتاب «العبر» كلٌّ متكامل، ولا سبيل إلى استيعاب منهاج ابن خلدون واللبنة الأساسية التي جاء بها في صرح علم الاجتماع بدون وصل أقسامه ببعضها ووصلها بالمقدمة التي هي لها المهاد النظري والمؤطر. وإذا تجاوز القارئ عن هذا «الاختيار» المنهاجي (غير الموفق في نظرنا) من المترجم، جاء إلى ما هو أشد «فحشاً». نريد به الترجمة نفسها. ولئن كان المجال هاهنا يضيق عن تتبع هذه الترجمة وسوق هناتها وأخطائها القاتلة، فلا أقل من أن نشير إلى غيض من فيض تلك الأخطاء، ولنقتصر منها على عنصر واحد من عناصر النص الخلدوني، ألا وهو الشاهد القرآني والشاهد الشعري. فأما الشاهد القرآني فالقارئ يستغرب كثيراً للخلل المنهاجي الذي وقع المترجم فيه، وهو الذي صرّح به في المقدمة. فقد نبّه إلى أنه كان يعود إلى نفسه في ترجمة السور القرآنية التي يزخر بها هذا النص، وأنه لا يعود إلى المترجمين الآخرين الذين اشتغلوا بالنص القرآني - كما كتب في مقدمة الترجمة - إلا متى أشكل عليه نقل معنى تلك السور القرآنية! وإن في هذا لخللاً منهاجياً عظيماً. ذلك بأنه يحرم النص المترجَم النسقية الترجمية، ويصير يعرّضه لأخطاء أخرى من الشدادي، فوق ما قد يكون وقع من تلك الأخطاء لأولئك المترجمين العظام أنفسهم، ومنهم من صرف في تلك الترجمة العقود الطوال! ناهيك عما في هذا المنحى الترجمي من اهتزاز منهاجي؛ إذ النسقية البسيطة تقتضيه بالعودة إلى المترجمين الآخرين في ترجمة تلك الشواهد القرآنية كلها، أو الاقتصار على نفسه في نقل تلك الشواهد كلها أيضاً! فإذا انتقل القارئ إلى الشاهد الشعري وجد من المترجم شذوذاً كبيراً في الترجمة. ومن أعظم أخطاء هذه الترجمة أنها لا تبلغ من معاني تلك الشواهد شيئا كثيرا، وأنها تنزل بها البتر، بأن تجتزئ منها اجتزاءً. والسبب وراء ذلك البتر إنما يكون من عدم القدرة على الفهم. كتب الشدادي في مقدمة هذه الترجمة : «ولقد بذلنا جهدنا في ترجمة الشواهد الشعرية بنصها الكامل، إلا عندما يكون الشاهد غامضاً ملتبساً، يواجهنا من المصاعب ما يتعذر علينا معها فهمه واستيعابه»! وتحضرني هاهنا تلك القولة على لسان أحد الترجميين : «إذا كنت لا تستطيع ترجمة نص، فاتركه واشتغل بسواه». هكذا بكل بساطة. وأما أن نبتر النص لعجزنا عن الترجمة، فهذا كالعذر الذي يعظم الزلة. والقارئ يقف على قصور المترجم عن النفاذ إلى معاني الأشعار منذ الصفحات الأولى من هذه الترجمة. فقد أورد ابن خلدون للشاعر القطامي البيت الذي يقول فيه : فمن ترك الحضارة أعجبته بأي رجال بادية ترانا؟ وينقله المترجم، فيجعله : Qui donc aimerait le mode de vie citadin? Et quel homme du désert se laisserait-il faiblir? وهذا لعمري أبعد ما يكون عن المعنى. وكيف لا، والمترجم، كما يلوح للعيان، قد جانف البيت الشعري وجاء له ببديل، لا بترجمة. وإنما المعنى الذي تجمع عليه الشروح التي تناولت هذا البيت «فلا تغترر ولا تبتهج بالحضارة، فإن حالنا دليل على شرف البداوة. هكذا بكل بساطة، وليس في المعنى «ضعف» se laisserait-il faiblir . ثم يقفّي ابن خلدون على هذا الشاهد ببيتين للمتنبي، جاء فيهما : وكانوا يروعون الملوك بأن بدوا وأن نبتت في الماء نبت الغلافق فهاجوك أهدى في الفلا من نجومه وأبدى بيوتاً من أداحي النقانق والمترجم ينقلهما، فيصيران لديه على الوجه التالي: Hommes du désert, ils étaient l'effroit des rois, Alors que toi, tu vis dans l'eau comme la mousse aquatique ! Ils excitèrent ta colère, toi qui te diriges dans le désert mieux que les katas, Toi dont les demeures sont plus enfoncées dans le désert que ceux de l'autruche. وللقارئ أن يلاحظ هذه التناقضات في إيراد معنى هذين البيتين الواضح المبين. فالقصيدة قيلت في مدح سيف الدولة، ولست أرى كيف للشاعر أن يقول في ممدوحه إنه يعيش في الماء كالطحلب «la mousse aquatique». كما أن «هاجوك» ليس فيها معنى «إثارة الغضب»، كما يزعم لها المترجم «Il excitèrent ta colère»، بل المراد خرجوا عليك ليحاربوك. والمترجم يزيد من عنده كلمة «القطا». وقد عدت إلى النسخة التي اعتمدها الشدادي في ترجمته، فما وجدت إلا «الفلا» كما هو مبيّن من الشاهد أعلاه. جاء في تفسير هذين البيتين من شرح ديوان المتني : «هؤلاء القبائل كانوا يخوفون الملوك بأنهم نشأوا في البادية فيصبرون على عدم الماء وإن الملوك لا يصبرون عن الماء لأنهم نشأوا فيه كما ينبت الغلفق في الماء وهو الطحلب. وهاجوك حركوك بحربهم وكنت أهدى في الفلاة من النجم وأظهر بيوتاً فيها من مواضع بيض النعام. والنعام تجمع لبيضها الحشيش الكثير فيجتمع منه الكثير ويتراكب حتى يصير كالتل. والنقانق جمع النقنق وهو الظليم». وللقارئ أن ينظر كيف ينقلب المعنى انقلاباً؛ فإذا المعنى السالب الذي يعود في الأصل على الملوك قد صار يُنسب إلى المخاطَب؛ أي الممدوح. وكيف أن معنى الظهور في ذلك البيض قد صار إلى معنى شدة الانقبار في الأرض « plus enfoncées «. وأما البتر – الذي لم يتكتّم عنه المترجم ووجدناه يصرح به في مقدمة الترجمة – فالشواهد عليه تجل عن الحصر، وحتى إن المترجم ليُعمل ذلك البتر في الشاهد الشعري لا يكون يزيد عن أبيات معدودة، ومثالها تلك الأبيات الثلاثة التي ما أورد ابن خلدون لعلي بن رزق الرياحي، في قوله : لقد زار وهناً من أميم خيال وأبدى المطايا بالزميل عجال وإن ابن باديس لأفضل مالك لعمري، ولكن ما لديه رجال ثلاثون ألفاً منهم قد هزمتهم ثلاثة آلاف وذاك ضلال فقد عمد المترجم إلى إسقاط البيت الأول، وجعل ترجمة هذا الشاهد كذا: Ibn Badis, certes, est un excellent roi. Ses sujets, eux, ne sont pas des hommes. Trente mille vaincus par tois mille, a-t-on vu plus cruel désastre ? ورب قارئ يرى البيت الأول لا يزيد شيئاً إلى المعنى المراد من سوق هذا النص، والذي يتركز بحق في الأبيات التي أبقى عليها المترجم، لولا أن المترجم لم يشر، من باب الأمانة، إلى إنقاصه ذلك الشاهد. وما نفع هوامش المترجم إن لم تتسع لمثل هذه الإشارة؟!