سواء كان يجلب لك سخرية الآخرين، أو يبعث على الشعور بالفخر، أو كان محايدا، كل شخص منا بحاجة للتعايش مع اسمه العائلي. إنه أحد الأمور التي فرضت علينا، لكن كيف السبيل للتعامل مع هذا المعطى؟ قد لا يكون الأمر بالبساطة التي يظهر عليها، خصوصا عندما نسعى لامتلاك هذا الموروث الجلي والرمزي في الآن ذاته... في الظاهر لا يقوم أي شخص بالتفكير في الأمر، لكن عندما يطرح الموضوع نفسه، يجد كل شخص شيئا ما في جعبته ليقوله حول اسمه العائلي، والأمور التي اكتشفها حوله، والألم الذي يشعر به عندما يذكره أحدهم، وعدد من الذكريات الرقيقة والبغيضة... ومن منا لا يتذكر قيامه في أحد الأيام بالتطلع إلى المرآة وترديد اسمه الشخصي والعائلي مرات ومرات، وكأنما يتعين الصراخ باسمه بأعلى صوته لإثبات وجوده الفعلي في هذا العالم. إن اسمنا العائلي بمثابة الدعامة التي نرتكز عليها وننطلق منها، لأنه يساهم على نحو رمزي، ومادي كذلك، في بناء هويتنا. «الاسم يثير في داخلنا تكثيفا شديدا، قريب في حدته من ظاهرة الثقوب السوداء التي وصفها علماء الفضاء، يؤكد المحلل النفساني جون بيير وينتر. إنه نقطة ذات تركيز نفسي جد عال؛ إذ يمنح لحياتنا عمقا لا يقف عند حدود هنا والآن. إنه يربطنا بشجرة نسبنا. وبدون اسم عائلي سنكون مثل الإلكترون الحر، الذي لن يكون له أي مستقبل لأن لا ماضي له.» وإذا كان المكان الذي يحتله الاسم يطرح بعض الإشكاليات، فذلك راجع لأنه لم تكن لنا يد في هذا الموضوع. فنحن لم نختر اسمنا العائلي، وآباءنا كذلك. كما أن ذلك خارج عن رغبة أي شخص، فنحن لم نختر أن نولد في مكان محدد، ووسط عائلة محددة. انه ينطوي على مصادفات الحياة، ويجسد على نحو ما نصيبا من الاعتباطية. ومثل كل شيء يظهر على بطاقة هويتنا؛ بما في ذلك تاريخ ميلادنا، واسمنا العائلي وبصمتنا، «فإنه كل ما لا يعتمد علينا،» يوضح وينتر قبل أن يضيف: «إنه يمكن من تسجيل الأبوة على نحو رمزي. لكنه ليس فقط اسم والدنا، ونتيجة مباشرة لرغبته. إنه ملك كل الآباء الرمزيين الذين تعاقبوا داخل العائلة. فنحن لسنا سوى حملة لذلك الاسم». وأحيانا يكون نقل تلك الشعلة من جيل لآخر خاضعا لوزن ماض ثقيل يصعب حمله، كأن يرتبط الاسم العائلي بأحداث أليمة جرت في الماضي وأصبح ينظر إليها في الوقت الراهن على نحو سلبي. وسواء كان الماضي أليما أم لا، أو كانت الكنية تبعث على الضحك بسبب اقترانها باسم حيوان معين أو منطقة في الجسم، ومهما كان معنى الكنية وتاريخها، فإنها تحمل دائما وأبدا سرا في داخلها، وبهذا تكون مصدرا للشعور عن غير وعي بالذنب. المحلل النفساني جيرارد بوميي على اقتناع تام بهذا الأمر: «السر يكمن في ارتباط الاسم العائلي بهوية أحد الأجداد. من الأكيد بأن ذاك الاسم منح لنا، لكن ينبغي علينا كذلك أخذه. وبالتالي يكون حمل اسم الأجداد، هو حمل اسم الموتى، وأخذ مكان الأب. وعندما نتحدث، نعتقد بأننا أشخاص أبرياء. ولكن ما نرفضه دائما، هو أننا نسخة مصغرة من أوديب وقتلة لآبائنا على نحو معين.» فلأجل امتلاك كنيتنا، يتعين علينا «قتل الأب». صنع الهوية أحيانا قد لا يستطيع الأولاد استيعاب سبب قيام آبائهم بتغيير الكنية، وقد يظل الاسم الجديد غريبا عليهم حتى بعد مرور مدة زمنية طويلة جدا. «لا أستطيع احتواء هذا الاسم»، تقول سيلفي التي قامت أمها عندما كان عمرها أربع سنوات، بتغيير اسمها العائلي. «إنه لا يربطني بأي شخص. إنه كالخربشة، كالصفعة. وبما أنه كان مستحيلا، العودة إلى الوراء، قررت عندما بلغت سن الرشد اختيار كنية جديدة. لكن تلك الكنية تظل مجرد لقب، حيث احتفظت بكنيتها الحقيقية التي تظهر على بطاقة تعريفها وجواز سفرها. قد تكون سيلفي نجحت في فرض لقبها الجديد، لكن ذلك لا يعني بأن معاناتها مع اسمها العائلي قد انتهت. هذا الأمر طبيعي، يوضح جون بيير وينتر: «قد نتمكن من محو كنيتنا، وتغييرها ودفنها في دواخل نفسنا، وإقناع أنفسنا بأنه ليس اسمنا، لكن سيظل دائما هناك رافد يتنقل من جيل لآخر، وما سيعاش على أنه أمر إيجابي، سيظهر للجيل الموالي على أنه أمر جد سلبي، وبمثابة عملية محو فاشلة، وتنكر للأصل.» وبسبب حساسيتها تجاه اسمها العائلي، قررت سيلفي القيام بشيء ما في هذا الصدد، حيث تشتغل لإعداد وثائقي حول الأشخاص الذين غيروا كنيتهم، الرجال والنساء الذين تغيرت أسماؤهم سواء بشكل إرادي أو غير إرادي. لكن تحذو الناس الرغبة في امتلاك أسمائهم العائلية وتظل تلك الرغبة جد مهمة؟ ويكون للنجاح أو الفشل في ذلك تأثير بالغ على شخصيتنا؟ لأن القيام بذلك يضمن طمأنينتنا الداخلية، ويمكننا من العيش وسط أجسادنا، يوضح جيرارد بوميي: «في أغلب الأوقات، نفكر في الأمر ونقاسي جراءه دون أن نكون على وعي تام بذلك. إن وعينا بمشاعرنا الخاصة، وتصوراتنا الخاصة لا يطفو على السطح إلا في اللحظة التي نفكر فيها ونختبر فيها الأمور «باسمنا الخاص». في تلك اللحظة فقط ننتبه عن وعي بأننا نحمل إسم، اللحظة التي نتخلى فيها عن الجانب الدخيل بالنسبة لذواتنا.» كما أن اسمنا العائلي يمثل خضوعنا، ويحدد طبيعتنا كتابعين. وإذا كان لهذا أهميته، يخلص المحلل النفسي كوليت سولير، فذلك لأنه «كلما قل إدراكنا بأن حياتنا لها معنى ما، كلما اتجهنا نحو خلق كنية، أو «إعادة تسمية» نفسنا بناءا على أفعالنا، كلما منحنا ذلك الأمر نوعا من الطمأنينة». الطمأنينة التي تنبع من إحساسنا بحاجة العالم لنا، وبتفرد شخصيتنا. * بتصرف عن مجلة «بسيكولوجي»