منذ خمس سنوات خاض صديق لي مبارات للتوظيف في إحدى الإدارات العمومية، وبعد اللقاء عاد الى مقهى "كينيدي" ذات الواجهة المكشوفة المتاخمة لشارع محمد الخامس،والتي تستهوي فئة من الزبائن،تطيب لهم مراقبة الخلق الذين هم في غدوّ ورواح.مقهى اعتدنا التردد اليها كل يوم -بعد تأدية فريضة صلاة العصر- كغيرنا من الشباب المعطل عن العمل، والمعلمين والموظفين من أبناء الطبقة الكادحة الخارجين من دوامهم اليومي، بعض الشيوخ المتقاعدين يعيشون على معاش شهري متواضع، لا يطيقون البقاء في البيوت وما يعنيه ذلك من رتابة وضجر.فهي مكان للحوار عن المستجدات والتغييرات التي يعيشها العالم عامة، والساحة المغربية بصفة خاصة وما تعرفه من مشاكل داخلية ليس لها أول من آخر! . جلس صديقي إلى جواري دون اكتراث، نظراته شاردة مصوبة الى الامام البعيد ،شاحب الوجه،والدموع تكاد تترقرق في عينيه،.من جهتي نسيت أمر مبارات التوظيف واعتقدت أن مكروهاً ألم به ،الشيء الذي دفعني الى استفساره .فخرجت منه التساؤلات كمن أصيب بنوع خبيث من الجنون" لماذا هؤلاء الساسة المسؤولون عنا لا يكترثون لما جرى و يجري لنا نحن الغلبة المهمشون ...!؟.لماذا مواقفهم تدعوا الى الحيرة.. !؟ لماذا يصفقون للمستبدين ويساندونهم ويلقون باللائمة على أبناء عامة الشعب المظلومين المغلوبين!؟ولماذا وبعد كل هذا تجدهم يتغنون بشعارات فضفاضة من قبيل أننا في دولة الحق و القانون والعدالة و المساوات وتكافؤ الفرص و.....!؟ لقد تم رفضي رغم كل مؤهلاتي المتوافرة، فأنا مغربي أبا عن جد،وحاصل على شهادة جامعية بميزة حسن، ولديّ سنوات خبرة في المجال المطلوب، وفرنسيتي جيدة ،بل أجيد حتى الانجليزية التي لا يتكلمها جل من في تلك الإدارة .بعد ما أجبت على كل الأسئلة التي تتعلق بتخصصي -وكانت جد مقنعة- وجه رئيس أعضاء اللجنة سؤال لي مفاده ،أن هناك شخص يعمل في الادارة يحمل نفس الاسم العائلي الذي أحمله،فهل هناك قرابة او صلة تجمعني به !؟ سارعت بالرد بكل تلقائية لا أعرفه ،قد يكون تشابه في الكنية فقط ، فإذا بهم كمن كان ينتظرهذا الرد، وقفوا جميعاً، ومسؤولهم يقول: حاول أن تبحث في مكان آخر، فقوانين الإدارة لا تسمح بتوظيف اثنين لهما نفس الاسم العائلي !! قلت: حتى ولو كان مجال تخصصي يبعد عن ميدان عمل ذاك الشخص !؟''. فرد علي بنوع من الاستهزاء : ولو كان الفارق كالمسافة الموجودة بين السماء والارض!!." هذا الصديق تعقّد من تلك الممارسة،وأصيب باكتئاب ولد لديه نظرة يائسة ومتشائمة للمستقبل جعلته يدمن البقاء داخل البيت.كنت أزوره بين الفينة والاخرى،وكثيرا ما يجيبني حينما أسأله عن حاله بهذه الكلمات والتي ترسخت في ذاكرتي من كثرة ما كان يعيدها " أكاد أختنق،وأجفاني تثقل،والإرهاق يجعلني عاجزاعن الحركة..كل شيء مضطرب في ذهني ،أحس كأني غريب في هذا الوطن، مقيد ومعلق بين السماء والأرض،لا أستطيع هبوطا أو صعودا..." آخرمرة ذهبت لزيارته،طرقت الباب،ففتحت أمه لتخبرني أن الصديق قد قررصعود الطائرة وهاجرالى دولة كندا في اطار ما يسمى بهجرة الأدمغة الى خارج الوطن. نعم هاجرالصديق وتارك لمن بخسوه حقه المشروع الجمل بما حمل،هاجروذاكرته ملئ بالمآسي والألم. استرجعت قصة هذا الصديق الإطار الكفؤ وغيره في مغربنا كثر، بينما كنت أطالع خبرا نشر في احد الجرائد المغربية، يفيد أن هذه الصحيفة" قد علمت من مصادر رسمية أن عدد الموظفين "الأشباح" في الوظيفة العمومية المغربية، يُقدّر بأزيد من 20 ألف موظف". وهنا أتسائل مثل الكثير من المتسائلين.إلى متى سيظل تغاضي الطرف عن أسماء "الموظفين الأشباح" قائما وعدم الكشف عن لوائحهم ساري المفعول!؟ تاركين أصحاب نظريات حظر تعيين شخصين لهما نفس الكنية في الإدارة الواحدة، يعيتون في الوظيفة فسادا وريعا ، ففي الوقت الذي يتظاهرون فيه بالشفافية وعدم المحسوبية أو الزبونية كما هو الحال مع صاحب دعوى صديقنا البائس والذي هاجر وهو يائس ، نجد مواقع تسيطرعليها أسرهم بأكملها، فيها الزوج والزوجة والأبناء،والاخوة والأخوات والأصدقاء والعشاق والعشيقات....بل حتى الأحفاد الذين لم يخلقوا بعد. حتى أصبحنا نظن أنه من ضمن شروط التوظيف، أن يكون المتقدم أو المتقدمة من العائلة ''الفلانية'' أو "العلانية" أو على صلة بها، ولا يهم إن كانت هذه الأسر مواطنة ام لا، والأوفرحظا من يبتدأ اسمه العائلي بحرف " باء القداسة" كي يظفر بمنصب راق ومكانة مرموقة مثل بنسودة وبناني وبنشقرون وبنجلون وبنشمسي..... إذ اكتشف خبراء الخدمة المدنية أن تكاثرالعائلات المبتدأة أسمائهم "بباء القداسة" والمقربون لهم في الإدارة أو المؤسسة الواحدة ، يرفع مستوى الأداء ويزيد من معدل الإنتاج و يحقق منافع وأرباح جمة.