أتاح التدخل الفرنسي في شمال مالي فرصة جديدة لإعادة تجميع شتات ورثة أسامة بن لادن في شمال أفريقيا، فكل الشروط تبدو اليوم مواتية لسيناريو محتمل بدأت تتضح معالمه، يتمثل في أن يتحول شمال مالي إلى «أفغانستان تحت أقدام المنطقة المغاربية» التي يبدو أنها مرشحة لأن تتحول إلى «باكستان شمال أفريقيا» يمتد تحتها شريط من موريتانيا إلى الصومال ومن موريتانيا إلى «خنادق» سيناء في الصحراء المصرية. ثمة أسباب متعددة تدفع إلى ترجيح فرضية تحول شمال مالي إلى «أفغانستان جديدة إلى الجنوب من المنطقة المغاربية، فالتدخل الفرنسي غير المحدد إلى اليوم بأجندة زمنية مضبوطة للانسحاب، وهناك حضور القوى العسكرية الأفريقية لبعض الدول المجاورة، وتطلعات الأمريكيين إلى الوجود في المنطقة، كما تؤشر عليها تصريحات المسؤولين العسكريين الأمريكيين بحجج مختلفة». ويمكن تقديم أربعة أسباب رئيسية ترشح شمال مالي لسيناريو التحول إلى «أفغانستانجنوب المغرب العربي»: السبب الأول، أن منطقة شمال مالي من أفقر المناطق في العالم، نظرا إلى غياب مشاريع تنموية في مناطق عيش السكان المحاطة بصحراء كبرى شاسعة اعتادت القبائل الموجودة داخلها على العيش خارج ضوابط السلطة والقانون. هذه القبائل انتقل اقتصادها من التجارة التقليدية إلى تجارة الأسلحة ولعب دور الوساطة في تجارة المخدرات تحت حماية بعض التنظيمات الراديكالية الجهادية، منها التنظيم الذي يقوده «مختار بلمختار». والمنطقة تعرف حاليا تحالفات مصلحية ما بين التنظيمات الجهادية بمكوناتها الأربع الأساسية، وشيوخ القبائل على امتداد فضاء صحراوي مفتوح وصعب المراقبة. هذا المشهد يبدو شبيها بما جرى في أفغانستان بين حركة طالبان والقبائل وتنظيمات القاعدة، مع اختلاف في المعطيات الجغرافية. السبب الثاني، أن شمال مالي يعرف حاليا قصفا عشوائيا للطيران الفرنسي ترك ضحايا مدنيين في مشهد شبيه بالقصف الأمريكي في أفغانستان، إضافة إلى تصفية عرقية وانتقامات شبيهة بما وقع في أفغانستان عندما انسحبت حركة طالبان. هذه التصفية العرقية المسكوت عنها تعيد بناء مشروعية «جماعة أنصار الدين» وباقي التنظيمات الجهادية، وهو ما يشرح بداية اللجوء إلى بعض العمليات الانتحارية داخل أطراف التراب المالي، ويعمق الانقسام الموجود بين شمال مالي وجنوبها، إلى درجة الاعتقاد بأن الدولة المالية ستظل دولة قائمة في الجنوب. السبب الثالث، أن الحركات الإسلامية الجهادية ليست جيوشا نظامية قادرة على المواجهة المباشرة لفرنسا أو لجيوش القوى الأفريقية الموجودة في مالي، وإنما هي حركات مسلحة تشتغل باستراتيجية حرب العصابات وقادرة على الانصهار داخل القبائل والمدن المالية الشمالية، والعودة إلى التعبئة والمواجهة داخل الشمال المالي في منطقة وزع فيها سلاح نظام القذافي بطريقة عشوائية، حيث تقدر بعض الأرقام وجود أكثر من 80 ألف قطعة كلاشنيكوف تسربت من ليبيا نحو المسلحين في كل المناطق القريبة من ليبيا، ومنها شمال مالي. السبب الرابع، وجود شريط تتحرك داخله الجماعات المسلحة، إلى درجة أن كثيرا من التقارير الاستخباراتية يشير إلى وجود تنسيق بينها. وهذا الشريط يمتد من شمال مالي، حيث وجود «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي»، إلى نيجيريا بوجود جماعتي «بوكو حرام» و»الأنصار»، وصولا إلى الصومال وجماعة «شباب المجاهدين»، إضافة إلى وجود دول أفريقية مجاورة مرشحة لأن تصبح دولا فاشلة عاجزة عنى مراقبة حدودها.. هي النيجر وموريتانيا وتشاد. ويبدو أن الاضطرابات الموجودة في شمال مالي، والتي تؤشر على تحوله إلى «أفغانستانجنوب المغرب العربي»، قد يمتد أثرها إلى دول المغرب العربي التي تشير التقارير إلى كونها المصدر الأول ل»الموارد البشرية الانتحارية» لتنظيم القاعدة في أفغانستان والعراق وسوريا. ثم إن أغلب مكونات «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» هم مغاربيون بالدرجة الأولى. ويصادف هذا المؤشر، الدال على أن دول المغرب العربي ستتأثر بما يجري في شمال مالي، ظهورَ جماعات «أنصار الشريعة» في ليبيا وتونس والمغرب، وهي تنظيمات ل«القاعدة» في ثوب جديد لمرحلة ما بعد الربيع العربي. وقد لاحظنا كيف تحركت كل القيادات المسماة «السلفية» في دول المغرب العربي بعد التدخل الفرنسي في مالي، كما لاحظنا تفكيك خلايا في المغرب وتونس والجزائر وعمليات عنفية في ليبيا. لكن الصورة الصعبة للمنطقة المغاربية، التي تشير بعض التقارير إلى كونها مقبلة على «سنوات سوداء»، هي الشريط الذي بدأت تظهر معالمه، والممتد من شرق ليبيا إلى غزة، وهو مرشح لأن يتوسع نحو الأراضي المغاربية. وتفكيك خلايا الجماعات الإرهابية وعملية اغتيال السفير الأمريكي لدى ليبيا وما يجري في الشرق والجنوب التونسيين، وعملية «عين أميناس».. تبين أن الدول المغاربية تقترب من سيناريو تحول هذه المنطقة إلى «باكستان شمال إفريقيا» التي تهتز على ارتدادات ما يجري في شمال مالي.