عندما رمى منتظر الزيدي حذاءه نحو وجه بوش، صفق الكثيرون لذلك، لكن خرج بعض «العقلاء» وقالوا: لماذا فعلها ذلك الصحافي.. لقد خرج عن أصول المهنة وهي توجيه الأسئلة وليس رمي حذائه في اتجاه رئيس دولة. لم تمض أيام كثيرة على حادثة الحذاء لتقصف طائرات كيان إسرائيل قنابلها نحو أطفال ونساء وشيوخ غزة، والنتيجة حوالي 300 قتيل في 24 ساعة، ولو ظهر اليوم منتظر فلسطيني وقصف بحذائه وجه أولمرت أو أي مسؤول إسرائيلي آخر فإن عقلاء عربا آخرين سيظهرون ويقولون إنه كان على الصحفي الفلسطيني أن يلتزم بأصول المهنة وأن يقصف بأسئلته المحرجة وليس بأحذيته. أكبر كارثة تعانيها هذه الأمة هي «عقلاؤها». إنهم أشبه بديدان زاحفة تعيش في بطن الأرض، لا هم يحتجون ولا هم يتركون الآخرين يعبرون عن احتجاجهم. لا هم يغضبون ولا هم يتركون الآخرين يغضبون، لا هم يحاربون ولا هم يتركون الآخرين يحاربون. من حق الآخرين أن يكونوا مجانين كيفما شاؤوا، أن يقتلوا ويذبحوا كيفما أرادوا، لكن يجب أن نكون عاقلين جدا ونبتعد عن التهور. يجب أن نعد أنفسنا جيدا للذبح ونضع أعناقنا بهدوء تحت سكاكين الجزارين حتى لا يتعبوا في نحرنا. يجب ألا نحتج وأن نموت وأحذيتنا في أرجلنا. عار أن ترمي حذاءك على قاتلك لأن ذلك خارج أصول المهنة وخارج أصول اللياقة. المقتول يجب أن يتحلى بالأدب وحسن السلوك أمام قاتله، وعندما توضع رقبة الضحية على المسلخ، فيجب أن يهدأ ويتعقل ولا يحرك رأسه حتى تمر السكين على عنقه في هدوء. من غير المعقول أن يزعج القتيل قاتله. اليوم ستمر مجزرة غزة كما مرت مجازر كثيرة غيرها منذ دير ياسين وكفر قاسم وقانا والأقصى. ستنقلها التلفزيونات مباشرة كما تنقل مباراة لكرة القدم، ثم تنتهي في انتظار مباراة أخرى، ويعود زعماء العرب إلى التملق لكيان متوحش اسمه إسرائيل، وسيستقبلون زعماءه في السر والعلن لأن التعقل والواقعية يتطلبان ذلك. لكن ما الذي يدفع إسرائيل إلى ارتكاب كل هذه الفظائع في حق الإنسانية من دون أن يرف لها جفن. أولا لأن إسرائيل كيان هش وجبان، ومن عادة الجبناء أن يفتكوا بخصومهم حين تتوفر لهم الفرصة. إسرائيل تعرف أنها مجرد ميكروب عابر في زمن عابر، وأن ولادتها كانت حالة شاذة في تاريخ البشرية، وأنها ما كانت لتوجد لولا هذا الضعف العربي المقزز والتواطؤ العالمي الذي يشبه الفضيحة. كل انتصارات إسرائيل على العرب كانت بسبب العرب أنفسهم وليس لأنها قوية. الجيش الإسرائيلي الرعديد انتصر على العرب في حرب 1948 لأن الحكام العرب وقتها كانوا يزودون المقاتلين ببنادق قديمة وبارود فاسد. وعندما يقف مقاتل عربي ببندقيته المهترئة أمام إرهابي إسرائيلي فإن الإسرائيلي يطلق النار، بينما تخرج من بندقية العربي حفنة من غبار. وفي سنة 1967، انتصرت إسرائيل في حرب الست ساعات لأن الضباط «الأحرار» كانوا متحررين من كل شيء وكانوا مبوقلين بالكامل وهم على أفرشة المتعة، بينما الطائرات الإسرائيلية تدك المطارات والطرق، وهي تعرف حتى مع من ينام الجنرالات العرب الأشاوس، فحسمت الحرب لصالحها حتى قبل أن تبدأ. وفي حرب 1973، توفر القليل من الجدية في الجانب العربي فاستطاعوا تحقيق توازن نسبي مع كيان يستمد قوته فقط من هذا الضعف العربي المخجل. إسرائيل تعرف أنها كيان هش يمكن أن يتحول إلى خرافة من الماضي لو توفرت لدى العرب الجدية الكاملة. لذلك فإن هذا الجبن هو الذي يدفع هذه الدولة المبنية على الخرافات والأساطير إلى قتل الأطفال والنساء والشيوخ واعتماد الغدر وتجنيد آلاف الجواسيس في الجانب العربي نفسه من أجل الظهور بمظهر الدولة القوية التي لا تقهر. ولولا كل هؤلاء الخونة لما حققت إسرائيل ربع انتصار. إسرائيل التي جمعت مواطنيها من العالم بناء على خرافات دينية عتيقة، تعرف أنها لن تستمر طويلا في هذا المكان، لذلك فإن القتل أفضل هواية يمكن أن تمارسها قبل أن ترحل. إنها تشبه لصا دخل منزلا ويعرف أنه سيُطرد منه عاجلا أو آجلا.