تحصد حوادث السير العديد من الأرواح، والأسباب متعددة، لكنّ طبيعة غذاء السائق، سواء كان سائقَ سيارة عائلية أو حافلة، فقلة التركيز أو الشرود ولو لثوان قليلة يمكن أن يؤدي الى عواقب وخيمة، فالبطنة تُذهب الفطنة، إذ يبقى التركيز ضرورة ملحّة يجب أن يتمتع به السائق وإلا فلن يؤدّيَّ عمله كما يجب. ولأجل تركيز جيد يجب، أولا، أن تكون الحالة النفسية للسائق مستقرة، ثانيا يجب الانتباه إلى كمية ونوعية طعامه، فللغذاء تأثير مباشر على الدماغ، إما إيجابا أو سلبا، كما أن الحياة تفرض علينا ضغوطات يومية، فللجسم حاجيات يومية، وأهمها طاقة الجسم، التي نستمدها من الغذاء، الذي يمكن أن يُحسّن أو يعقد طريقة التعامل مع هذه الضغوط. ويُقْبل معظم السائقين على استهلاك القهوة ظنا منهم أنها الحلّ الأمثل للبقاء متيقظين.. لكنّ الصحيح هو أن للقهوة فعلا تأثيرا على الدماغ والعضلات، فهي تزيل العياء نسبيا فقط، لكنّ الأخطر هو أن عياء ما بعد زوال مفعول الكافيين يكون أقوى، فيؤدي إلى الشرود الذهنيّ التام. ومادة الكافيين في الشاي مختلفة عن تلك التي في القهوة، حيث إنها تحتوي على مادة «الثيانين»، التي تواجه الآثار الجانبية الطبيعية لمادة الكافيين، مثل ارتفاع ضغط الدم والصداع والإجهاد.. كما أن تناول الكافيين بكثرة يسبّب القلق والصداع والأرق والإدمان، وهذا لا يمنع من احتساء الشاي والقهوة، لكنْ يجب أن يكون ذلك باعتدال، لأنّ حاجيات الجسم من الكافيين لا تتعدى 200 ملغ. وينحصر ذلك في أربع كؤوس شاي أو فنجانين الى ثلاثة من القهوة، فهناك بعض المواقف يواجهها السائقون تحتاج فيها أدمغتهم إلى إمداد فوريّ بالطاقة ليساعدهم على التفكير والتصرّف السريع، فيقوم الجسم بإنتاج مجموعة من الهرمونات التي تعمل بشكل سريع على ضخّ الأوكسجين في المخ وإمداده بالطاقة اللازمة له، إضافة إلى حصول العضلات والخلايا على كميات هائلة من الدم.. وللأسف، لا يتناول العدد الأكبر من الناس غذاءهم بالشكل السليم، ويقود هذا الأمر إلى امتناع خلايا الجسم عن أداء وظائفها في إنتاج الطاقة بفاعليّة، ما يزيد احتياج الجسم إلى المنبّهات، كالشاي القهوة الحلويات والشوكولاتة، التي تمنح النشاط المؤقت.. وتؤدّي هذه المنبّهات إلى رفع مستوى الطاقة، من خلال تحفيز الغدتين الكظريتين اللتين تتواجدان في أعلى كل كلية وتتركّز وظيفتهما في إفراز هرمونات تعمل على إيصال الغلوكوز إلى خلايا الجسم لبعث الطاقة اللازمة فيها، فثمّة أطعمة غذائية تحتوي على عناصر تهدف إلى تحسين الحال النفسية وبعث الراحة والهدوء النفسي وزيادة الشعور بالسعادة، وهي عنصر البوتاسيوم، فالنقص في عنصر البوتاسيوم في الدم قد يؤدي إلى ظهور عصبية، فالبوتاسيوم والأسماك ومنتجات الحليب والخضر والفواكه واللحوم والمكسّرات والتمر والعسل، بأنواعه، والثوم، إضافة إلى «التربتوفان»، وهو حمض أميني أساسي وضروري لإنتاج فيتامين «ب3» يستخدمه المخ في إنتاج هرمون «السيروتونين»، المسؤول عن استقرار الحال المزاجية وزيادة الشعور بالراحة.. كلها مكونات ضرورية. ومن بين أفضل مصادر البوتاسيوم الغذائية الحبوب الكاملة والمكسرات، وخاصة الفول السوداني، بروتين الصويا، الزبيب والتمور، بأنواعها، لذا ننصح السائقين بتجنب كل الأغذية غير الصحية وتعويضها بالمكسّرات التمور والزبيب والفواكه، بكل أنواعها، والماء، فهذه تعتبر أحسن دخيرة غذائية للسائق.. ومعلوم أنه في قديم الزمان، زمن الحروب التقليدية، لم تكن ذخيرتهم قهوة لحم وحلويات.. بل كانت المكسّرات، الحبوب التمور، الزبيب، العسل والماء.. والجميل في هذه الأغذية أنها لا تفسُد، إضافة الى فيتامين «ب3»، الدي يمتاز بتأثير وظائفه الحيوية على تحويل المواد الكربوهيدراتية والدهون إلى طاقة. وتلعب دوراً في الحفاظ على أداء الجهاز العصبيّ وفي مساعدة الجسم في التخلّص من القلق والإجهاد. ومن بين أهم مصادره الغذائية الكبد، الأسماك والتمر والبيض (البلدي) والحليب ومنتجاته. كما أنّ فيتامين «ب6» يعمل على تنشيط «أنزيمات» التمثيل الغذائي للبروتينات والدهون، وهو ضروريّ لتصنيع الموصلات العصبية ك»السيروتونين» المهدّئ، الذي يساعد على النوم وعلى الحدّ من الأرَق ومقاومة الإحساس بالقلق، ويتوفر في البرتقال والمكسرات والعسل، إضافة إلى معدن المغنزيوم، فله دور في الحفاظ على نشاط المخ وزيادة نسبة التركيز فيه، إذ إن نقصه في الجسم قد يؤدي إلى التوتر والقلق وظهور السلوك العدوانيّ والعنيف، وهو يساعد على الأداء الوظيفيّ الطبيعي للعضلات والأعصاب والحفاظ على إيقاع ضربات القلب ثابتاً، وعلى تعزيز استفادة الجسم من الطاقة والعمليات الحيوية في تصنيع أنواع البروتينات التي يحتاجها. كما يجب تجنب الامتلاء، أي أكل كمية كبيرة من الطعام، إضافة إلى تجنب كثرة الدهون المقليات والمواد المصنعة قدْر الإمكان، لأنها تربك الجسم وترهقه لأنها تأخذ وقتا طويلا حتى تهضم. كما أن على السائقين الحرص على استهلاك كمية جيدة من الماء، لأنّ شرب الماء مهمّ جدا في المحافظة على زيادة معدل التركيز والاستيعاب، وإن للعطش دورا معاكسا في ذلك، حيث إن العطش، وخاصة في الصيف، يخفض التركيز ويؤدي إلي الجفاف، ولذلك يجب توفير المياه بشكل ميسر وسهل للجسم حتى لا يتعرض للصداع والإجهاد في حالة العطش.. نتمنى السلامة للجميع، ومزيدا من الحذر، وتذكروا أنّ للغذاء دورا كبيرا في رفع مستوى التركيز عند السائقين، فالعمل عبادة، ولإتقان العمل وجب التركيز، ولرفع التركيز وجبت مراجعة نظام الأكل.. وتذكروا أنّ الداء والدواء في الغذاء والمرض وارد والشفاء مطلوب والوقاية خير من العلاج..