باحثة: الضحك يقدر يكون وسيلة واعرة لعلاج الناس    عندها الزهر لي كيهرس الحجر.. مرا ربحات 2 مرات فالقمر فقل من 3 شهر    دعوة من بيت الذاكرة لترسيخ التنوع الثقافي من أجل إشاعة قيم السلام    الإنتحار أزمة نفسية أم تنموية    سيدات مجد طنجة لكرة السلة يتأهلن لنهائي كأس العرش.. وإقصاء مخيب لسيدات اتحاد طنجة    الأرشيف المستدام    اعتصامات طلاب أمريكا...جيل أمريكي جديد مساند لفلسطين    العفو الملكي    شحنة كبيرة من الكوكايين تستنفر أمن طنجة    رأي حداثي في تيار الحداثة    دراسة مواقف وسلوكيات الشعوب الأوروبية تجاه اللاجئين المسلمين التجريد الصارخ من الإنسانية    دراسة أمريكية: السجائر الإلكترونية قد تسبب ضررا في نمو الدماغ    طقس الإثنين.. أجواء حارة وأمطار خفيفة ببعض مناطق المملكة    التضامن يعلو مجددا في طنجة .. مسيرة للتذكير بمأساة غ.زة    دراسة حديثة تحذر المراهقين من تأثير السجائر الإلكترونية على أدمغتهم    يوسف النصيري دخل تاريخ إشبيلية مع أحسن 10 هدافين دازو عندهم    النصيري يعاقب "غرناطة" بهدف جديد    رئيس جمهورية غامبيا يستقبل المدير العام للإيسيسكو في بانجول    الفيدرالية المغربية لناشري الصحف تنتقد تدبير قطاع الاتصال..وتنبه لوضعية المقاولات الصغرى والجهوية    الزمالك يحدد موعد الوصول إلى بركان    "عكاشة" يكذب محاولة "تصفية سجين"    حسنية أكادير تنفي حصولها على منحة 15 مليون من الرجاء    المغربي اسماعيل الصيباري يتوج بلقب الدوري الهولندي رفقة إيندهوفن    البرتغالي گيريرو غايب على البايرن فماتشها ضد الريال    نتانياهو سد "الجزيرة" فإسرائيل    النقابة الوطنية للعدل تدعو إلى إضراب وطني بالمحاكم لثلاثة أيام    نتنياهو يريد بقاء حماس في السلطة، "ودوافعه الخفية كُشفت" – جيروزاليم بوست    السفه العقدي بين البواعث النفسية والمؤثرات الشيطانية    "فنون شعبية على ضفاف درعة".. وثائقي يسلط الضوء على التحولات التي شهدتها فنون زاكورة (فيديو)    وزارة الثقافة تسعى لحماية "شباب التيكتوك" من الانحلال الأخلاقي    فيلم "من عبدول إلى ليلى" يفوز بالجائزة الكبرى لمهرجان تطوان لسينما البحر الأبيض المتوسط        مؤتمر القمة الإسلامي يؤكد رفضه التام للمخططات الانفصالية التي تستهدف المس بسيادة الدول    وصل لأعلى مستوياته التاريخية.. التداول النقدي فات 400 مليار درهم    موجة حر مرتقبة بمناطق في المغرب    المغربية آية العوني تتوج ببطولة أنطاليا لكرة المضرب    جواد مبروكي: الحمل والدور الحاسم للأب    منظمة تدعو لفتح تحقيق في مصرع عامل بمعمل تصبير السمك بآسفي    لشكر زعيم الاتحاد الاشتراكي: الشعب الجزائري يؤدي الثمن على دفاع نظامه على قضية خاسرة والعالم كله يناصر مغربية الصحراء    قتلى ومفقودون جراء فيضانات البرازيل    المغرب يسحب أول دفعة من قرض 1.3 مليار دولار من صندوق النقد الدولي    المكتب الوطني المغربي للسياحة غيربط غران كاناريا بورزازات مع شركة بينتر للطيران    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الاثنين    نشرة إنذارية.. موجة حر مرتقبة من الثلاثاء إلى الجمعة بعدد من مناطق المملكة    "نوستالجيا" تحصد جائزة الجم للمسرح    حقيبة يد فاخرة بسعر سيارة .. استثمار ذو وزن    برنامج دعم السكن ومشاريع المونديال تنعش قطاع البناء خلال اوائل 2024    برلماني يسائل وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات..    هل زيادة 1000 درهم في الأجور قادرة على مواكبة نفقات الأسر المغربية؟    ڤيديوهات    الفنان الجم يكشف حقيقة إشاعة وفاته    وضعية الماء فالمغرب باقا فمرحلة "الإنعاش".. نسبة ملء السدود وصلت ل32 فالمية وبدات فالتراجع    قلعة مكونة تحتضن الدورة 59 للمعرض الدولي للورد العطري    طنجة.. مهرجان "هاوس أوف بيوتيفول بيزنيس" يرفع شعار الإبداع والتلاقح الفني    الأمثال العامية بتطوان... (589)    الأمثال العامية بتطوان... (588)    جامعيون ومتخصصون يحتفون بشخصية أبي يعزى في ملتقى علمي بمولاي بوعزة        







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عذر فرنسا في رفض الاعتذار إلى الجزائر
نشر في المساء يوم 18 - 02 - 2013

عندما زار الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي الجزائر صيف عام 2007 سألته الصحافة هناك عن السر في رفض فرنسا الاعتذار إلى الجزائر عما ارتكبته فيها من فظاعات طيلة أكثر من
130 سنة من الاستعمار الاستيطاني، وعن الغاية من إلحاحه توقيع «معاهدة صداقة» مع الجزائر دونما اكتراث لمطالبة هذه الأخيرة بالاعتذار.
رد بالمباشر الصريح -وهو ببلد المليون شهيد- «الصفحات القاتمة، وكذلك الآلام وأوجه الظلم، كانت كثيرة خلال السنوات ال132 التي قضتها فرنسا في الجزائر..، أنا مع الاعتراف بالوقائع، وليس مع الندامة. الندامة مفهوم ديني، ولا مكانة لها في العلاقات بين الدول...، لم آت هنا لجرح المشاعر، ولا لطلب الصفح...، فتلك أحداث تاريخية، والتاريخ جزء من الماضي. أما الآن، فلنبن المستقبل». في إشارة واضحة منه إلى مشروع «الاتحاد المتوسطي» الذي نادى به خلال حملته الانتخابية، وسارع إلى محاولة تجسيده بزيارة إحدى كبريات دول جنوب المتوسط، محذرا في سياقه من «اتخاذ أحداث الماضي ذريعة لإعاقة تنمية العلاقات بين البلدين».
لم يتحرج الجزائريون كثيرا من تصريحات الرجل، ولا كانوا من المراهنين عليه كثيرا لتحقيق مطلبهم في تحصيل الاعتذار:
- فهم يعلمون جيدا بأن الرجل هو الذي صاغ -عندما كان وزيرا للداخلية- قانون «تمجيد الماضي الاستعماري لفرنسا» الذي اعتمدته جمعية وطنية يمينية التوجه في فبراير من عام 2005، وكاد يصدر في الجريدة الرسمية ليصبح نافذا، لولا اعتراض الرئيس شيراك على توقيعه تحت ضغط حسابات اقتصادية وجيو-سياسية، ربما لم يستحضرها نواب الجمعية الوطنية وهم يعمدون إلى سن القانون إياه؛
- وهم يعلمون مسبقا بأن الرجل هو الذي كان خلف قمع احتجاجات المهاجرين (وضمنهم جزائريون بالأصل كثر) في ضواحي باريس، التي بات الرئيس ساركوزي في أعقابها العدو الأول لقاطني ذات الضواحي والأحياء، والشخص غير المرغوب فيه بين ظهرانيهم، بل والمناهض لمصالحهم بامتياز، ولاسيما وهو الثاوي خلف قوانين في الهجرة رحل بموجبها الآلاف، وضيق على الآلاف، وعمد بمقتضاها إلى مطاردة الآلاف في حلهم كما في ترحالهم؛
- وهم يعلمون -فضلا عن كل هذا وذاك- بأن الرجل هو صاحب مقولة «إن الأحفاد لا يعتذرون عما فعله الأجداد»، ومقولة أن محاولة «استنطاق التاريخ من جديد سينتج عنه مزيد من سوء الفهم»، كما لو أن الاعتراف بالذنب -أيا ما تكون طبيعة هذا الذنب- هو مدعاة لسوء الفهم ومدخلا لعدم التفاهم.
أزعم أن الجزائريين يعلمون بذلك جيدا ويدركونه. وأزعم أيضا أنهم لم يبنوا موقفهم جزافا، ولا كانوا من السباقين إلى ذلك. إنهم بنوا موقفهم في المطالبة بالاعتذار على «حالات» قامت في التاريخ القديم، وأخرى قائمة من مدد غير بعيدة:
- فهم بنوا مطلبهم على سابقة اعتذار الكنيسة المسيحية إلى اليهود، جراء ما لحقهم من «ظلم» و»مطاردة»، عندما عاشوا أزمانا غابرة في ظلها أو حاولوا معايشتها زمنَ كان للكنيسة إياها في خضمه القول الفصل في أمور الدين والدنيا سواء بسواء.
لم يقل البابا -وهو يعتذر إليهم- إنه يتنكر لسلوك من سبقه من بابوات، ولا أدار ظهره للتاريخ («خدمة للمستقبل») بالتستر خلف مسوغة «حوار الأديان»، مثلا، أو الادعاء بأن التاريخ ماض محض أو القول بأن ما تم اعتماده إنما تم في زمن كان محكوما بسياق وظروف ما انتفت اليوم ولم تعد لها من قائمة تستوجب الصفح والاعتذار. إنه اعتذر جهارة ولم يتنكر، فقضي الأمر بالجملة والتفصيل؛
- وهُم (الجزائريين أقصد) بنوا موقفهم على سابقة اعتذار ألمانيا إلى فرنسا ذاتها عما قامت به النازية عندما استباح الزعيم الألماني أدولف هتلر السيادة الفرنسية في أربعينيات القرن الماضي واحتل فرنسا، وارتكب فيها وبين ظهرانيها جرائم فظيعة وممارسات مشينة، وحولها إلى مستعمرة محض، تماما كما كانت فرنسا تفعل بالعديد من مستعمراتها في أفريقيا وآسيا وجزر المحيط الهادئ وبغيرها؛
- وهم بنوا مطلبهم أيضا على اعتذار فرنسا ذاتها عما ارتكبه مواطنوها (زمن حكومة فيشي المتواطئة مع النازية) في حق اليهود، وذهبت إلى درجة سن قانون يعاقب بالسجن والغرامة كل من يتجرأ على التشكيك في المحرقة أو المزايدة على ما تعرض له اليهود منذ نصف قرن من الزمن؛ لا بل وذهبت إلى حد دفع تعويضات لهؤلاء، الأموات منهم والأحياء على حد سواء، بعدما قدمت اعتذارا شاملا إلى كل يهود العالم.
لم يقتصر الأمر على فرنسا، بل ذهب إلى درجة أن العالم -كل العالم- «تسابق» في حينه لتقديم العذر لليهود، وطلب صفحهم، وإبداء الاستعداد لتعويضهم إن ثبت في دولة ما أنها «ظلمتهم» أو «أهانتهم» أو «قصرت في التعامل مع مواطنتهم» باعتبارها من درجة دنيا، مثلا.
لم تتبرأ الكنيسة من سلوك قادتها السابقين، ولم تتبرأ ألمانيا ولا العالم مما اقترف في حق اليهود تحت هذا المسوغ أو ذاك، بل أقروا جميعا بالأفعال، وتحملوا وزر ذلك كاملا، و»اغتسلوا من الدناسة» بتقديم الاعتذار، إلا فرنسا، فقد كابرت ورفضت تقديم الاعتذار، لكنها مع ذلك لم تتنكر للوقائع، وقائع ما قامت به في الجزائر. وعليه فقد اكتفت بالاعتراف في خطوة محتشمة من لدن الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند؛ ففي زيارة له للجزائر -أواخر عام 2012- صرح الرئيس الفرنسي «الجديد»، ولم يمض على تنصيبه إلا أشهر قليلة، بأنه يعترف ب«المعاناة» التي تسبب فيها الاستعمار الفرنسي للشعب الجزائري.
وقال في خطاب أمام أعضاء البرلمان الجزائري: «أعترف هنا بالمعاناة التي تسبب فيها الاستعمار للشعب الجزائري...، ولاسيما أحداث سطيف وقالمة وخراطة التي ستبقى راسخة في ذاكرة الجزائريين وضميرهم». وأوضح أنه «خلال 132 سنة (1830-1962) خضعت الجزائر لنظام ظالم ووحشي...، وهذا النظام يحمل اسما هو الاستعمار».
وقال الرئيس الفرنسي إنه في الثامن من ماي 1945 بسطيف (300 كلم شرق الجزائر، حيث قتل الجيش الفرنسي 45 ألف جزائري، مفجرا بذلك حرب التحرير الوطنية التي انطلقت عام 1954): «عندما كان العالم ينتصر على البربرية، تخلت فرنسا عن مبادئها العالمية».
وأضاف أنه «مهما كانت الأحداث مؤلمة، فلا بد أن نفصح عنها...، يجب أن نقول هذه الحقيقة لكل من يريد، وخاصة الشباب» الذين يشكلون نصف عدد السكان الجزائريين «لتعيش الصداقة بين البلدين».
وتابع: «نحن نحترم الذاكرة، كل الذاكرة...، ومن واجبنا أن نقول الحقيقة حول العنف والظلم والمجازر والتعذيب» التي لحقت بالجزائريين لما يناهز قرنا ونصفا من الزمن.
نحن هنا بإزاء رئيسين: الأول -وهو يميني المذهب والخلفية- يتلكأ في الاعتراف بالوقائع، ناهيك عن الاعتذار عنها؛ والثاني -وهو يساري العقيدة والمعتقد- يعترف بذات الوقائع، لكنه يتلكأ في الاعتذار عنها.
ما السر، إذن، في تمنع الرئيسين في تقديم الاعتذار إلى الجزائر، ومن ثمة إلى العديد مما سواها من دول وشعوب أخرى في أفريقيا وآسيا وغيرها؟ ما الذي يضير فرنسا إن هي اعتذرت إلى دول وبلدان تم تقتيل أبنائها بالجملة، وأهينت وسلبت ثرواتها، وديس على لغتها وثقافتها بالأقدام...، بل واعتبرت (في حالة الجزائر، مثلا) جزءا من الإمبراطورية الفرنسية، دونما مسوغ قانوني أو رادع أخلاقي أو ما سوى ذلك؟
يبدو لنا أن السر في تمنع الرئيسين في الاعتذار متأتٍ من ثلاثة معطيات أساسية قد لا نلمسها بالمادي المحسوس، لكننا نستشفها من حوصلة ما ترتب عن عقود «الاستقلال السياسي» للجزائر وباقي بلدان المغرب العربي:
- فهما (الرئيسين الفرنسيين أقصد) يدركان «حجم الحنين»، حنين الجزائريين -مثل المغاربة، وغيرهم من مواطني دول أفريقيا- «لأيام فرنسا الجميلة»، حيث شيدت طيلتها الطرقات والمسالك، وبنيت المدارس والمستشفيات وسكك الحديد، وعصرنت المعامل والضيعات الفلاحية، وأرسيت مقومات الدولة العصرية والمؤسسات، وأقيم العدل بين الناس..، وقس على ذلك؛
- وهما يدركان ذلك جيدا، ليس بالقياس إلى ما «أنجزته» فرنسا الاستعمارية في زمنها، ولكن بالقياس إلى نخب «مرحلة الاستقلال»، التي برعت ونجحت، فدمرت وخربت وأهانت، وصادرت الحقوق، ومركزت الثروة والسلطة بين يديها...، وتركت الجماهير الواسعة حافية عارية، لسان حالها يقول: «عدل الغريب، ولا ظلم القريب»؛
- ثم هما يدركان جيدا حجم تذمر الجزائريين (مثل المغاربة وسواهم) ليس فقط احتكاما إلى أحجام من يصطفون أمام القنصليات والسفارات الفرنسية رجاء الحصول على تأشيرة للرحيل، بل وأيضا بتهافت النخبة ضمنه للحصول على الجنسية الفرنسية، وتماهي ذات النخبة مع النموذج الفرنسي لغة وثقافة واستهلاكا وسلوكا...، بل ومراهنتها على العيش بين ظهراني الدولة الفرنسية، في حال انقلبت الأمور في «بلدانها الأصلية» أو حصل بها ما لا تحمد عقباه؛
- وهما يدركان -فضلا عن كل هذا وذاك- أن من الجماهير -وكذلك النخب في الجزائر وغيرها من دول المغرب العربي ومن أفريقيا- من يرجو عودة «الزمن الفرنسي»، حيث كان بعض من العدل مضمونا للأولين، وبعض من الحماية موفرا للثانين...، «عوض» ما هو قائم من ظلم وقهر بالنسبة إلى البعض، وما هو سائد من خوف وتخوف بالنسبة إلى البعض الآخر.
وعلى هذا الأساس، فما تفوه به الرئيسان للصحافة وأمام البرلمان الجزائري، وما أدركاه من تذمر جماهيري لدى الجزائريين جراء ما ألحقته بهم نخب الاستقلال، إنما يؤكد لهما انطباعا لطالما لازمهما في أكثر من مناسبة، عن «المهمة الحضارية» التي ثوت خلف قرار استيطان الجزائر واحتلال ما سواها من دول وبلدان.
ويؤكد -مقابل ذلك- بديهية أن الاعتذار ذاته لو كان له أن يتم فهو خاضع لموازين قوة؛ فلو كانت الجزائر دولة متقدمة، وكرامة مواطنيها مصونة، والعدل بين ظهرانيها مستتبا، لما كان لرئيسيْ فرنسا أن يتمنعا عن الاعتذار إلى ضحاياها. أما والأمر غير ذلك، فإن الرئيسين إياهما غير مضطرين ولا مجبرين على تقديم ذات الاعتذار.
الجزائريون -مثل المغاربة وسواهم- متذمرون غاية التذمر مما فعلته بهم «نخب الاستقلال»، ويتطلعون جهارة إلى الخلاص من واقع حالهم، حتى وإن تطلب منهم ذلك الارتماء في أحضان الغريم. لكنهم مع ذلك ذوو كرامة وعنفوان دفعاهم ولا يزالان يدفعانهم إلى طلب صفح رسمي عن سلوك استيطان (احتلالا أو حماية) أهان البشر والحجر قسرا ودون وجه حق.
إنهم لا يعتبرون الاعتذار مهانة لفرنسا ولا هم من قبيل من يطالب بالتعويض، إنهم إنما يطلبون اعتذار الدولة الفرنسية (وليس شخص ساركوزي أو هولاند)، لأنهم يرون في ذلك فعلا حضاريا وأخلاقيا وقانونيا وإنسانيا، قبل أن يكون سياسيا أو اقتصاديا، ويعتبرون أنه من غير الممكن إعمال البراغماتية أو النفعية أو المصلحة الآنية لجعل الحاضر يختزل الماضي، ويتجاهله، ولا يستحضر ترسباته.
ما قامت به فرنسا في الجزائر وفي غيرها لم يكن فعلا شخصيا ذاتيا، ولا كان متأتيا من سياسة فرد أو جماعة أو ما سواهما. ما قامت به كان فعلا منظما ومخططا، ثوت خلفه دولة استيطانية استباحت الجزائر أرضا وشعبا ولغة وثقافة ودينا وقيما.
وعليه، فإن مطلب الاعتذار يبقى بداية وفي المحصلة موجها إلى الدولة الفرنسية، ولا ينال إلا عَرَضاً الشخصَ المتربع على قمة هرم ذات الدولة، من اليمين كان أو من
اليسار.

يحيى اليحياوي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.