مراكش تفقد عمرانها سنة 2007، كتبت مقالة تحت عنوان: «مراكش تستغيث» حينما أصبحت المنازل العتيقة والرياضات الكبيرة تباع للأجانب بالجملة ويطرد سكانها الأصليون من مدينة عرفت بالأمس برجالاتها وصلاحها وأحيائها المحرمة على غير المسلمين والمستباحة اليوم لكل أنواع التهجير والطرد. أحياء المدينة تدمي جراح الموتى وتدوس على الذاكرة الممتنعة قديما على الانجراف وراء الفساد. مؤامرة لم يشارك فيها عمدة المدينة فقط لاستقطاب المستثمرين، ولا سماسرة العقار الذين وفدوا من كل صوب وحدب لتقطيع الأرض على مقاس نزوات الغزاة الجدد، ولكن تكالبت عليها فلول من الرعاع بوعي أو بغير وعي، بقصد أو بغير قصد، لكن النتيجة واحدة: المؤامرة ثابتة. كنت أظن يومها أن صرختي تلك سوف تجد آذانا صاغية من الغيورين على هذا الوطن الحبيب، خاصة ممن أسندت إليهم مسؤولية حماية البلاد ورعاية العباد، لكنها كانت صرخة في وادٍ، ولا مجيب... مراكش تفقد إنسانها ظن كثير من الناس أن صعود الإسلاميين إلى الحكم في انتخابات نونبر 2011 سوف يحقق للشعب المغربي الأساس من برنامجهم الانتخابي، ثم ينعم المواطنون تحت ظلال الحكومة الملتحية باختفاء مظاهر الفساد الأخلاقي والحد من الاستثمار في البلاد بما يصطلح عليه بالسياحة الجنسية. فجأة، تطل علينا قناة تلفزية أجنبية ببرنامج تم بثه مؤخرا حول السياحة الجنسية في مراكش، وتحديدا الجنس الرخيص على أطفال مغاربة. بُث هذا «البرنامج-القنبلة» في وقت تحتفل فيه الحكومة بحصيلتها السنوية، حيث يقيِّم السياسيون أداءها وقيمتها المضافة في المشهد السياسي المغربي. انفعلت كثيرا بعد مشاهدة هذا البرنامج الذي يوثق، بالصوت والصورة، لما يقع في مدينتي مراكش.. هذا الريبورتاج الذي أنجزه صحافيون إسبان حول السياحة الجنسية في المدينة الحمراء التي يفد إليها آلاف السياح الأجانب قصد ممارسة الجنس الرخيص مع أطفال قاصرين. مراكش المغرب أضحت مثل بانكوك تايلاند، فهي «مكة سياحة الجنس مع الأطفال». أرسل إلي أحد الأصدقاء رسالة، بعد مشاهدته بدوره للريبورتاج- الفضيحة، وقال لي: «انظر ما يقع في مدينة الأولياء...». أحسست حينئذ بغضب شديد، عندما رأيت ما يدمي القلب وتدمع له العين وتضطرب له الجوارح، خاصة عندما ذكر المحلل أن ما يقع في مراكش يتم تحت أعين رجال السلطة: تجارة جنسية يذهب ضحيتها فتيان وفتيات في عمر الزهور مقابل دريهمات قصد كسر لوعة جوع البطن. أطفال وشباب من الذكور والإناث، يزج بهم في دهاليز الرياضات الشيطانية والشقق التي جهزت لاغتصاب طفولة جانحة، في وقت يجب أن يكون فيه ضحايا هذه الجرائم الخطيرة في الفصول الدراسية وفي أحضان أمهاتهم وآبائهم الذين غيبهم الفقر عن محاضنهم، وسقطت البراءة في أحضان الشياطين الذين يتلذذون بكل شيء، ووقعوا بين مخالب الصقور المتوحشة التي تقطع الأجساد وتترك الجروح عميقة ومتعفنة. امتلكت غضبي، وانتظرت رد فعل من وزيرنا في الإعلام ليؤكد الخبر أو ينفيه... وانتظرت امتعاض وزيرة التضامن والمرأة والأسرة والتنمية الاجتماعية لتنتصر لحق الطفولة المغتصبة والأم التي تتاجر في عرض ابنتها التي لم تتجاوز الإحدى عشرة سنة في ساحة جامع الفنا التي لم تعد تقدم التسلية فحسب، ولكنها أضحت أيضا تعد مركز استقطاب كبير للسياحة الجنسية... وانتظرت تدخل وزير العدل حتى يكوِّن لجنة تقصٍّ ليضرب على أيدي المجرمين الحقيقيين من حديد... وانتظرت غيرة من وزيرنا في التربية والتعليم للدفاع عن فلذات أكبادنا وما تخرجه المدرسة المغربية من كفاءات مستقبلية... كما توقعت تدخلا لطيفا من وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية ليدق ناقوس الخطر إزاء ما يهدد أخلاق أبنائنا وبناتنا... كما كنت أظن أن وزيرنا الأول سوف يكفي الجميع بتدخل تلقائي ليغضب بدل غضبي!! لكن التماسيح والعفاريت والأجانب مصالحهم محفوظة ونزواتهم مدرة للعملة الصعبة تساهم في إنعاش البلاد والعباد. لذا وجب الصمت الرسمي، وفي أحسن الأحوال تنظم حملات تمشيطية لدور الدعارة ومقاهي الشيشا والعلب الليلية والجري الموسمي وراء بائعات الهوى لإخفائهن عن الأنظار وإيهام الناس بأن السلطة تقوم بالواجب... أياما قليلة بعد حملة التمشيط الوهمية، تعود مراكش إلى ما كانت عليه: مدينة «البهجة» و«النشاط» و«التقيتقات» والأضواء البراقة، والأصوات الصاخبة في الملاهي الليلية والمسابح الحمراء والرياضات العتيقة وقصور مدينة النخيل.