احتفل الأمريكيون أمس الخميس بعيد «الكريسمس» الذي يتجمع خلاله أفراد العائلة حول طبق الديك الرومي في مناسبة عائلية حميمة يحرص معظم الأفراد على حضورها مهما كانت الظروف. ورغم الأزمة الاقتصادية الحادة التي تخيم على البلاد، فإن الأمريكيين أصيبوا بحمى التسوق خلال الأيام التي سبقت العيد وأنفقوا الكثير من المال لشراء الهدايا التي يتبادلونها مع الأقارب والأصدقاء وحتى الزملاء في العمل في اليوم الموالي للعيد. تزينت العاصمة واشنطن بآلاف المصابيح الصغيرة الملونة والبيضاء احتفالا بقدوم عيد ميلاد المسيح الذي يصادف ليلة الخامس والعشرين من شهر ديسمبر من كل سنة وهو ما يسمى هنا بعيد «الكريسمس». وبدت الأشجار العارية التي فقدت أوراقها بسبب رياح فصل الشتاء القوية، متلألئة بفضل «معاطف» الأضواء البراقة التي ارتدتها استعدادا للاحتفال مع الأمريكيين الذين يبتهجون بأجواء العيد ويتسلحون ببطائقهم الائتمانية ويقصدون الأسواق التجارية الكبرى والمولات لشراء الهدايا. هوس الشوبيغ «عمرني ما شفت شي شعب كيشري بهاد الطريقة في حياتي كلها. السلامة وصافي»! هكذا علقت بشرى، وهي مهاجرة مغربية تقطن بمدينة «سبرينغ فيلد» في شمال ولاية فرجينيا، على الحركة الدؤوبة التي شهدتها الأسواق الأمريكية خلال الأيام الماضية. فرغم الأزمة المالية التي عصفت بالاقتصاد الأمريكي وتسببت في خسارة أكثر من تريليونين من الدولارات وانهيار أسواق العقار وتهاوي مؤسسات مالية عابرة للقارات وأبناك كبرى، فإن الأمريكيين لم يترددوا في ممارسة هوايتهم المفضلة «الشوبينغ». وتناقلت مختلف وسائل الإعلام الأمريكية صور الأمريكيين وهم يهرولون نحو الأسواق التجارية أو ما يسمونه هنا بالمولات للوقوف ساعات طويلة في صفوف ممتدة حتى خارج المحلات التجارية من أجل الظفر بقارورة عطر أو فستان نوم خفيف أو جوارب صوفية أو حتى ملاعق خشبية من النوع الغالي لتقديمها كهدية مناسبة بمناسبة عيد الميلاد. وعادة ما يتحول التسوق إلى هوس حقيقي في هذه المناسبة، حيث لا ترى الأمريكيين إلا وهم غارقون بين الأكياس الملونة للمحلات التجارية التي تبذل مجهودات مضاعفة من أجل جلب الزبائن ودفعهم إلى الإنفاق أكثر وذلك عبر الإعلان عن تخفيضات كبيرة تصل في بعض الأحيان إلى 70 و80 في المائة. فرحة مغربية بالتخفيضات خلال جولة ل«المساء» على «مونتغومري مول» بولاية ميريلاند و«تايزنس كورنر مول» بولاية فيرجينيا و«بانتغون سيتي مول» القريب من العاصمة واشنطن، تبين أن هوس الشوبينغ أصاب حتى بعض المهاجرين المغاربة القاطنين بمنطقة واشنطن الكبرى. فقد أصرت نجية، وهي مهاجرة مغربية من مدينة القنيطرة وتقطن في مدينة «فولس تشيرش»، على اصطحاب والدتها التي كانت تلبس جلابة مغربية مقلمة وتحمل عدة أكياس مليئة بالعطور والملابس الصوفية، إلى المول من أجل رؤية الأمريكان وهم «مجذوبين» بالشراء، وقالت في تصريحات ل«المساء»: «شفتي دابا راه واخا نكول للواليدة على هادشي ماغاديش تفهمو خاصها تجي وتشوف بيعينها وهادشي علاش جبتها في هاد الوقت باش تشوف العيد ديال الميريكان وتبدل الجو وتشوف الدنيا»! وإذا كانت نجية قد أصرت على دعوة والدتها للحضور إلى أمريكا في هذا الوقت من السنة لإتاحة الفرصة لها كي تحضر أحد أهم الأعياد لدى الأمريكيين، فإن كل ما يهم عبد الإله، وهو مهاجر مغربي من مدينة سيدي سليمان ويقطن في «كريستل سيتي»، هو التخفيضات المدهشة التي تعلن عنها المحلات التجارية بمناسبة عيد الكريسمس: «هذا هو الوقت اللي خاص الواحد يتقضى فيه ويشري الكادويات للعائلة في المغرب، هانتي شوفي هاد التريكو كان ب90 دولار، شريتو غا هادي شوية ب25 دولار.. وهاد الجاكيطة كانت ب180 دولار شريتها غير ب46 دولار وكلشي Vrai وكواليتي مزيانة»! هكذا استعرض عبد الإله مشترياته بفخر كبير وهو يشير إلى الثمن المعلق على الملابس التي قال إنه سيأخذها معه إلى المغرب خلال زيارته القادمة. ويبدو أن هم شراء الهدايا للعائلة والأصدقاء يهيمن على الكثير من المهاجرين المغاربة الذين يعيلون أسرهم في الوطن ويقومون بإرسال الملابس وبعض الأجهزة الإلكترونية في «كوليات» ثقيلة يدفعون مقابلها تكاليف بريد باهظة، وهم منزعجون من محاولة فرض مكاتب البريد في المغرب لضريبة ثانية على تلك «الكوليات» التي يعانون الأمرين من أجل توفير ثمن شرائها. تقول إيمان، وهي طالبة مغربية من مدينة تمارة وتقيم في العاصمة واشنطن، إنها تحرص على التسوق في مثل هذا الوقت من السنة كي تستفيد من التخفيضات العالية وتقتني بعض الملابس والعطور التي لا تسمح لها ميزانيتها المتواضعة بشرائها خلال الأيام العادية. «مثلا عمرني ما نقدر نشري لماما بيجامة من محل فيكتوريا سيكرت إيلا ما كانش عندهوم Sale لأن الثمن ديالها كيكون غير من 80 دولار للفوق في الأيام العادية ودابا كينزل لحتى 25 دولار وهذا فرق كبير في الثمن، ومثل آخر هو الريحة اللي كتولي رخيصة وكيعطيوك معاها بزاف ديال Samples اللي حتى هوما كيصلاحو كادويات للصحابات في المغريب... راه خصني نسيفط هادشي كلو للمغريب في البوسطة وهالعار غير يوصل وما يشفروهش وما يفرضوش على الدار باش يدفعو فلوس على الكولية ونصدق مخلصة هنا ولهيه»! عطلة من السياسة ويخلد السياسيون الأمريكيون للراحة ويتفرغون لالتهام طيور الديك الرومي «بيبي» مع عائلاتهم وأصدقائهم خلال عيد الكريسمس ويأخذون عطلة قصيرة من السياسة، وحتى الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن حرص على استدعاء جميع أفراد عائلته، بمن فيهم هؤلاء الذين لم يرهم منذ سنوات، لحضور عشاء فاخر بمقر إقامته بمنتجع «كامب ديفيد» بولاية ميريلاند. ويعد هذا العشاء الأخير لأسرة بوش التي تناولت وجبة الديك الرومي وأطباق القرع المعسل والبطاطا المهروسة في هذا المكان إحدى عشرة مرة، أربع منها كانت خلال حكم جورج بوش الأب وسبع منها في عهد جورج بوش الابن. وحتى الرئيس الأمريكي المنتخب باراك أوباما حرص على أخذ إجازة قصيرة من المؤتمرات الصحفية التي دأب على عقدها خلال الأسابيع الماضية للإعلان عن الأسماء التي ستشارك في إدارته المقبلة، وفضل الانزواء في ولاية هاواي حيث وُلد للاحتفال بالعيد مع أسرته. وقد نشرت بعض الصحف الأمريكية صورا لأوباما وهو بسروال قصير «شورت» في حديقة منزله بهاواي، كما ظهر في صور أخرى وهو يتسوق بأحد المحلات التجارية ويقتني هدايا لأفراد أسرته الصغيرة، مثله مثل باقي الأمريكيين، لكن الفرق يكمن في أنه محام ناجح يملك الكثير من الأموال لينفقها رغم الأزمة المالية التي تعصف بالبلاد، بينما يُراكِم معظم الأمريكيين الديون في هذه المناسبة ويستيقظون في اليوم الموالي لعيد الكريسمس بصداع رأس مؤلم ناجم عن إفراطهم في الأكل والشراب وإنفاقهم أموالا لا يمتلكونها عبر استخدام بطاقات الائتمان التي تسلفهم أموالا لشراء الهدايا الكثيرة مقابل فوائد قد تصل إلى 36 في المائة وتستغرق سنوات طويلة لدفعها والتخلص منها!