سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
صدمة «كوديير» محك حقيقي لفرانسوا هولاند وضربة موجعة للحكومة الفرنسية إغلاق المعمل سيتسبب في فقدان حوالي ألفي منصب شغل وخسارة البلدية لأكثر من مليوني أورو في السنة
أعربت إدارة شركة «كوديير» عن نيتها إغلاق معمل أميان الشمالي. ولأن هذا المشروع سيتسبب في حذف 1173 منصب شغل، وسيشكل بذلك ضربة أخرى للحكومة الفرنسية التي تواجه في الشهور الأخيرة سلسلة من المشاكل الاجتماعية، لم يتأخر رد فعل ميكاييل ويمن، المتكلم باسم الكنفدرالية العامة للشغل، إذ دعا إلى التعبئة الجماعية، يومه الثلاثاء، بمناسبة اللقاء المرتقب للمجموعة الاقتصادية الأوروبية، مصرحا بأن نقابته ستناضل إلى النهاية. أما هنري ديمرتيي، المدير العام لشركة «كوديير دنلوب تاير» فرع فرنسا، فقد صرح من جهته بأن «على كل طرف أن يتحمل مسؤوليته»، معربا عن أمنيته في العودة مجددا إلى الحوار الاجتماعي. أما وزير تقويم الانتاج، أرنو مونتبورغ، فقد دعا الأطراف المتنازعة إلى الجلوس حول طاولة الحوار بعدما استقبل مسؤولين عن الشركة والتمس منهم الانخراط في هذا التوجه لأجل ترك فرصة أخيرة للحوار. أزمة كوديير ما كان يتصدر مقدمة الأحداث السياسية في الأسبوعين الأولين لشهر يناير الماضي بدأ يضمحل أمام ما يشغل الفرنسيين بالدرجة الأولى، أي الأزمة الاقتصادية ومشكل البطالة التي ظهرت بعض تجلياتهما في المشكلة التي تعيشها شركة «كوديير». وحيال الرجوع القوي للملفات الاجتماعية والاقتصادية التي تنكب الحكومة على تدارسها، فإن كل شيء يعطي الانطباع بأن الحكومة لن ترجع إلى نهجها السابق، وأنها ستستعمل ألفاظا أخرى وتكتيكات أخرى لمعالجة نفس الواقع. ويكفي للتأكد من ذلك الاستماع إلى ما قاله أرنو مونتبورغ مؤخرا. فحسب وزير تقويم الإنتاج، فإن الحكومة قد طلبت بإلحاح من إدارة «كود يير» في لقاء جرى يوم 29 يناير في بيرسي أن ترجئ عملية إغلاق المعمل، ولكن بدون جدوى... يقول أرنو في معرض اعترافه أمام الصحافة يوم الخميس 31 يناير: «يلاحظ بوضوح أن غياب الحوار الاجتماعي في هذا الملف يضر به كثيرا ويعرقل تسويته». إذن، من كان ينتظر خرجة إعلامية مدوية فقد مني بخيبة كبيرة، إذ يبدو أن الوزير لا يرغب في أن يحشر صانع العجلات الأمريكية في هذا النزاع كما فعل مع شركتي: وأرسلور ميطال، و «بي سي أ». وبهذا الخصوص يقول مونتبورغ متملصا من الوقوف جنب هذا أو ذاك: «نتمنى من الكونفدرالية العامة للشغل أن تتحلى بشيء من الاعتدال، وأن تزيد الإدارة شيئا من الخمر إلى مائها، فيشرب «تيتان» (الصانع الأمريكي الذي كان يرغب في ضم جزء من الموقع) خمر هذا وماء ذاك لكي يمكننا الوصول إلى نتيجة مرضية». أما في ما يتعلق بالالتزام بحل هذا الملف، فقد أبدى الوزير حماسا كبيرا وهو يسعى إلى تحضير لقاء يجمع الأطراف الأربعة المتمثلة في إدارة «كوديير»، والنقابة، والمشتري السابق «تيتان» والدولة..»سنحاول أن نعيد جميع الأطراف إلى طاولة الحوار، وإن كنا ندرك أنه من الصعب جدا أن ترغم حمارا غير عطشان على الشرب». فهل يمكن، إذن، التلميح من خلال هذا التواضع المزيف لمونتبورغ، وهو الذي عودنا على لعب أدوار العنف، أنه يهيء جميع الأطراف لفشل آت لا ريب فيه؟ عن هذا التساؤل يجيب مستشار وزاري: «على كل حال، لا يجدي البحث اليوم عن مشتر للشركة نظرا للجو المتوتر فيها بين الإدارة والنقابة، إذ من غير المعقول أن يقبل التفاوض مشتر ما، وهو يدرك أن العمال سيحرقون العجلات لا محالة أمام باب المصنع». ملف جد شائك في هذا الجو المشوب بالحذر، يسود انطباع مفاده أن لا أحد من الوزراء يرغب في حشر أنفه في هذا الملف الشائك خوفا من أن يكلفه ذلك منصبه. وحول هذه الأزمة يعقب أحد المستشارين في بيرسي ساخرا: «على وزير الشغل ميشال سابان أن يتكفل بهذا الملف لأن كوديير هو في الأساس مشكل حوار اجتماعي أصيب بالعطل». لكن مسؤولي وزارة الشغل يؤكدون، من جهتهم، العكس بالقول: «إن كنا على علاقة وثيقة بهذا الملف، فإن المسؤول عن معالجته بكيفية مباشرة هو مونتبورغ ولا أحد غيره». لكن الموقف مناقض تماما في الوزارة الأولى، إذ يؤكد مستشار وزاري أن «مقاربة مونتبورغ مقاربة برغماتية، أو لنقل على الأقل، غير متعصبة، وطريقة معالجة مونتبورغ للملف لا تروم التقليص من طموح أي طرف، بل هي نابعة من إيمان يقضي بأن العمل الرزين هو خير من يدفع بالحل إلى الأمام دون توجيه اللوم إلى أي جهة». غير أن وراء هذه الرزانة داعيا آخر يتجلى في ما يلي: لما كان فرانسوا هولاند مرشحا لرئاسة الجمهورية، ذهب إلى مصنع كوديير بأميانس يوم 11 أكتوبر 2011 والتزم جهارا هناك بالوقوف ضد سياسة تسريح العمال. ومن أجل هذا هناك اعتقاد في فرنسا بأن عدم تسليط الأضواء على مشكلة كوديير، هو محاولة من طرف الحكومة لإدارة الظهر للوعد الذي كان الرئيس قد قطعه على نفسه. وفي العمق، فإن هذا هو الهاجس الذي يشغل بال المسؤولين، أي عدم تكرار الخطأ الذي وقع في فلورانج، وهذا ليس قوسا يغلق وحسب، بل هي إرادة تتجسد، هدفها تملص الرئيس من وعود الحملة الانتخابية، أي بكلمة وجيزة، إلغاء كل ما وعد به المرشح هولاند الذي أصبح اليوم رئيسا لا يجادل في شرعيته أحد. النقابات تدخل على الخط في حوار له مع جريدة «صوت الشمال» الفرنسية نشر يوم فاتح فبراير الجاري، طلب أرنو مونتبورغ من النقابات أن توقع مع الإدارة اتفاقا حول المنافسة. وفي الوقت الذي أعلن فيه المصنع عن تسريح 7500 عامل في فرنسا إلى حدود سنة 2014، أي ما يعادل 14 في المائة من مجموع عدد مناصب الشغل، فقد فتحت موازاة مع ذلك مفاوضات لا زالت قائمة إلى اليوم. وقد أوضح الرئيس المدير العام لمصنع رونو، كرلوس غوسن أنه إذا لم يقم الشركاء الاجتماعيون بأي مجهودات فإنه سيكون مضطرا إلى إغلاق المصنع..»أنا أفضل أن أرى مجهودات تبذل وإن كانت متوسطة على أن أرى الفشل والإقفال والخسارة»، يشير وزير تقويم الإنتاج. كما تطالب رونو المستأجرين بتنازلات تتعلق بالحركية وأوقات العمل والأجور. أما مونتبورغ فيوضح من جهته أن «على رونو أن تعيد الاستثمار في فرنسا لأن الدولة لن تقبل مساومة في هذه النقطة». وعود هولاند «لا عجلات محترقة، ولا إضرابات مرتجلة، ولا حواجز مباغتة». هذا التوكيد جاء من طرف اللجنة المركزية لشركة «كوديير» فرع فرنسا يوم الخميس 31 يناير، بعد القرار القاضي بعزمها إغلاق أبواب مصنع أميانس الشمالي، الذي يعني فقدان 1173 منصب شغل، لم تحدث وقتها أي ضجة من تلك الضجات التي تستهل بها القنوات التلفزية نشرات أخبارها على مدى شهور منفرطة. غير أن موقفا للسيارات، مفتوحا على جهاته الأربع، كان يتأهب لإخراج سينمائي. ففي ذاك المكان بالذات، صرح المرشح للرئاسة فرانسوا هولاند يوم 11 أكتوبر 2011 بأنه في حال نجاحه في الانتخابات، سوف يتقدم بمشروع قانون يناهض التسريحات غير المبررة. ففي ساعة تغيير المناوبة التي تكون حوالي الثانية زوالا، التقى العمال الخارجين بزملائهم الداخلين وعلى محياهم اكفهرار حاد يشي باستسلامهم المرير وألمهم العميق. وقبل هذا المشهد المثير، كانت هنالك مجموعة مكونة من خمسة عشر مندوبا للكنفدرالية العامة للشغل (النقابة ذات الأغلبية ب 86 في المائة) تقف في الواجهة لإمداد الإعلام ب»عناصر اللغة» كما يقال في مجال السياسة. وهتفوا جميعا بأن قرار «كوديير» قرار أخذ ضد التيار، وأنه لن يذهب بعيدا شأنه في ذلك شأن مختلف التصاميم الاجتماعية التي أطلقتها الإدارة سنة 2008 وانتهى بها المطاف في المحاكم. يقول مكايل مالي وهو عضو من النقابة: «هذا التصريح بإغلاق المصنع، هو واحد من التصريحات الكثيرة السابقة. إنهم لم يقووا على إغلاقه طيلة خمس سنوات، فكيف يتوصلون إلى ذلك اليوم؟» وكتوكيد على ما قاله صديقهم ردد بعض من العمال باحتجاج كبير: «إن المعركة لم تبتدئ اليوم، إنها معركة مستمرة منذ مدة». وبما أنه لم يف بالوعد الذي كان قد قطعه على نفسه، فإن فرانسوا هولاند قد أخذ نصيبه وافرا من سخط العمال، على غرار ما كيل للمجموعة الصناعية التي يقول فيها أحدهم: «إنهم يسرحون العمال دون حياء وهم يحققون أرباحا طائلة. 183 مليون دولار في الأشهر التسعة الأولى من سنة 2012 « وفي غياب ميكاييل وامن، زعيم الكنفدرالية العامة للشغل، الذي بقي في باريس، فإن النداء بالتزام الهدوء المذاع في مختلف قنوات الإعلام قد طبق حرفيا في انتظار اجتماع اللجنة المركزية للشركة المزمع عقدة يوم 12 فبراير. ولكن ماذا يمكن أن يرتقب من لقاء يوم الخميس في ظل ذلك الخمول الذي يخيم على أميانس الشمالية منذ عدة أعوام؟ في أيام عزها، كانت الشركة تنتج 20 ألف عجلة يوميا، أما اليوم فهي تصل بالكاد إلى 3000 عجلة، ذلك أن العمال يخضعون لثلاث ساعات من العمل، ويصرفون الباقي في لعب الورق أو مشاهدة الأفلام على الأقراص المدمجة. إن الخمول والفراغ قد بلغا هنالك أشدهما إلى درجة أن الكنفدرالية العامة للشغل قد استعانت بخدمات مساعدة اجتماعية وطبيب نفساني. والسبب في ذلك هو أن العمال كانوا رفضوا في سنة 2007 نظام عمل يسمى أربعة على ثمانية، وهو نظام يضمن مردودية عالية إلا أنه مرهق جدا. وبما أن عمال المصنع المقابل (دونلوب، ملكية لنفس المجموعة) كانوا قد قبلوا به، فإن مصنعهم استفاد من الاستثمارات عكس كوديير. يعلق على ذلك مكايل سيميدو العامل في المخبر وعضو النقابة قائلا: «لا نشعر بأي ندم حين نرى الحالة الصحية المتردية لزملائنا في المصنع المقابل، من الممكن أن يكونوا مطمئنين نوعا ما على مناصبهم، ولكنهم يبدون لنا بدون حياة، لقد سئمنا من تلك الخطابات التي تشيد بمنافع المرونة «... بدون استثمارات، بدأت أميانس الشمالية تنهار رويدا رويدا، وهكذا فقد بدأ في أبريل 2008 تصميم أولي يقضي بتسريح 402 منصب شغل، ثم تلاه آخر في السنة الموالية بضعف العدد، وفي كلتا المرتين، نجحت الكنفدرالية في إلغائهما أمام المحكمة. وحديثا توصلت النقابة ذات الأغلبية برفض مشروع «تيتان» الأمريكي بسبب النقص في الضمانات بعدما اقترح استعادة جزء من الإنتاج المتعلق بالعجلات الفلاحية، والتمسك عبر ذلك ب537 منصب شغل على امتداد سنتين. كما أن تصميما يرتبط بالمشروع ويتعلق بالمغادرة الطوعية لم يعرف طريقه إلى الإنجاز فأودع بعد فشله في الرفوف، علما بأن البديل يبقى هو الآخر غامضا ويترك في نفوس العمال كثيرا من التساؤلات. يقول أحدهم في هذا الصدد: «بعض الأجراء ممن هم على عتبة التقاعد، والبعض الآخر ممن غرهم الربح الكثير وجدوا صعوبة كبرى في قبول التخلي عن هذا المشروع، وإذا ما قدر وأغلق المصنع فسوف يقبلون بالأقل». فهل ستعطي خطة الكنفدرالية أكلها؟ إن المسألة برمتها تكمن في هذا السؤال. فإذا كان ممثلو النقابة يهنئون أنفسهم بأنهم نجحوا في الحفاظ على الشعل طيلة خمس سنوات، فإن أحدهم يعترف بصعوبة وتعقيد الأمر بالقول: «ليس من السهل تفسير إستراتيجيتنا لأناس يتعذبون» يضيف معلقا على هذا مجيد بوبكر مندوب نقابة الأقلية (11 في المائة) «إنهم يتعذبون وهم يعيشون الأحداث تباعا، بينما الكنفدرالية العامة للشغل تطمئنهم عبر إخبارهم بأن المحامين يتكفلون بكل شيء. والمشكل هو أن العمال البسطاء لا يعرفون شيئا في هذا الجدل القانوني، ما يجعلهم عاجزين عن أخذ مصيرهم بيدهم». ولكي يقدم مزيدا من الشروحات على إستراتيجية الكنفدرالية، فإن محامي النقابة فيدور ريلوف زار أربع مرات أميانس في شهر يناير. يقول بعض المندوبين بلهجة لا تخلو من التهديد: «إن المواجهة مرشحة للتصعيد، بل وقد تنحو نحو استعراض للعضلات. ونحن إلى حد الساعة لم نلجأ إلى العنف، وقد نفعل ذلك لاحقا، وآنذاك سوف يدركون ما نحن عليه قادرون». وهذا بالذات ما تخشاه السلطات، لأن إغلاق تلك المنطقة الصناعية ستكون انعكاساته وخيمة على عدد كبير من الشركات الثلاثمائة (11600 عامل) التي تتعايش مع كوديير. وفي الوقت الذي تتزايد فيه نسبة البطالة في المنطقة (4،12 في المائة)، فإن البلدية تقدر عدد مناصب الشغل التي ستهدر في حال إغلاق المصنع ب 2000 منصب. أما الخسارة الضريبية بالنسبة للبلدية فسوف تربو على مليوني أورو في السنة. وهو مقدار ضخم سوف يحرم منه مشروع الترام الذي اعتزمت البلدية إنجازه. غير أن جيل دومايي، عمدة المدينة الاشتراكي، يخفف من وطأة هذه الخسارة المحتملة حين يقول: «رغم أن الأمر سوف يكون صعبا نوعا ما، فإن إغلاق كوديير لن يعرقل رغم ذلك إنجاز ذاك المشروع.