عندما يتعرض المنسق العام لحركة الوطنيين الديمقراطيين لعملية اغتيال سياسي أمام بيته صباح يوم الأربعاء 6 فبراير، بواسطة أربع رصاصات قاتلة في أنحاء متفرقة من جسده «الرأس والصدر» أطلقها عليه أشخاص مجهولو الهوية، بعد أقل من أربعة وعشرين ساعة فقط على اتهامه في أحد البرامج السياسية بتلفزيون «نسمة» لحزب النهضة الحاكم بإعطاء الضوء الأخضر لتنفيذ جرائم اغتيال، تصبح مهمة البحث لدى الأجهزة الأمنية في تونس معقدة جدا حول طبيعة الجهة أو الفاعل الذي يقف وراء جريمة الاغتيال هذه. توقيت التصفية الجسدية لشكري بلعيد ينبغي التعامل معه، أمنيا وسياسيا، بذكاء من طرف كل المعنيين في تونس، وهو توقيت يستدعي من قبل الأجهزة الأمنية، التي ستتكلف بالتحقيق، استحضار كل الأطراف التي يمكن أن تكون لها مصلحة في تصفية المنسق العام لحركة الوطنيين الديمقراطيين. من غير المستبعد أن تكون للتيار السلفي المتشدد في تونس يد في الجريمة، لاعتبارات تتأسس على رؤية هذا التيار للتوجه العلماني الحداثي في تونس ما بعد الثورة، ويمكن أي يكون الفاعل جماعة من أزلام النظام السابق وبقاياه كما ذهب إلى ذلك اليوم زعيم حزب «النهضة»، راشد الغنوشي، ويمكن أن يكون الفاعل طرفا ثالثا خارجيا، لا هو سلفي ولا هو من بقايا بن علي، ولاسيما أن تونس، بعد الثورة، أصبحت أرضا مستباحة، أمنيا ومخابراتيا، ومشتلا لكل أنواع الأسلحة التي تدفقت على البلاد بعد سقوط نظام القتيل معمر القذافي في ليبيا. الحكمة السياسية، بعد هذا المصاب الجلل الذي ألم بالصف الديمقراطي الحاثي في تونس، تقتضي من كل الطيف السياسي في البلاد عدم التسرع في إطلاق الأحكام قبل الانتهاء من التحقيق، وعدم الارتهان إلى سيناريو واحد، يجعل من تيارات الإسلام السياسي المتهم الوحيد في جريمة اغتيال شكري بلعيد. من غير المستبعد أن يتم استغلال دم شكري بلعيد المهدور غدرا في تونس لأغراض سياسية في عدة بلدان لتحقيق أجندات سياسية معادية لتيار الإسلام السياسي، لكن هذا المنطق لا يستقيم، ويمكن لنتائجه أن تكون وخيمة على الاستقرار السياسي في بلدان بدأ البعض يتحدث عن تحول ربيعها إلى خريف حتى قبل أن تتفتح أزهاره! المستفيدون من هدر دم بلعيد شكري كثر، وتوقيت اغتياله دقيق جدا. كما أنه يطرح أكثر من علامة استفهام حول دوافع وأهداف جريمة الاغتيال السياسي، وحول نتائجها المحتملة على الاستقرار السياسي في بلاد عاشت ويلات الفساد والاستبداد طيلة عقود من الزمن؟ ليس من الحكمة في شيء اقتحام مقرات الأحزاب السياسية أو تخريب المنشآت العامة، وليس من الرزانة السياسية توزيع الاتهامات قبل أن يبدأ التحقيق وتظهر نتائجه، وقبل أن تقول العدالة في تونس كلمة الفصل في الموضوع. اتهام زعيم حزب «النهضة»، الذي يقود التحالف الحكومي في تونس، راشد الغنوشي، لجهة دون أخرى فيه توجيه مسبق للقضاء، وبراءة مفترضة لباقي الجهات التي أشارت إليها أصابع الاتهام إلى حدود الآن. ففي انتظار ما ستؤول إليه نتائج التحقيق، الذي يفترض أن أجهزة الأمن في تونس قد فتحته مباشرة بعد تنفيذ جريمة الاغتيال السياسي في حق شكري بلعيد، و«إغلاق نقط العبور من وإلى البلاد أو تشديد المراقبة الأمنية عليها»، تبقى الاتهامات المتفرقة هنا وهناك اتهاماتٍ لا تستند إلى أي دليل مادي ملموس، يحدد طبيعة الفاعل أو الجهة التي تقف وراء هذا الجرم الجبان وماهية دوافعه السياسية.