يمكن تعريف الجريمة الإلكترونية بأنها كل فعل يخالف النظام العام، ومن ثمة يخلق حالة من اللاتوازن الاجتماعي، مما يتطلب اتخاذ تدابير زجرية تهدف في مجملها إلى تطبيق القانون، من جهة، والحفاظ على الاستقرار والطمأنينة الاجتماعية، من جهة أخرى. لقد تعرضت البشرية لعدة تطورات يمكن إرجاعها بشكل مباشر بالتطورات التكنولوجية التي عرفتها الحياة الإنسانية في شتى الميادين الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية. وكل هذا انعكس على معدل الجريمة التي انتقلت بدورها من طابعها التقليدي المعتمد بالأساس على وسائل يديوية بدائية إلى طابع متطور تحكمه التكنولوجيا المتطورة التي تمتاز بدقة الأداء وسرعته. ونذكر من بين مظاهر هذه التكنولوجيا، على سبيل المثال لا الحصر، الوسائط المعلوماتية التي يوجد في مقدمتها الأنترنيت، هذا الأخير الذي جعل من العالم قرية صغيرة، غير محدودة لا في الزمان ولا في المكان، مما انعكس إيجابا على مستوى عيش الإنسان. إلا أن الأمر لا يخلو من سلبيات، مما يحيلنا مباشرة على الانعكاسات المباشرة وغير المباشرة للجرائم الإلكترونية إن على الفرد أو المجتمع. ومعلوم أن هذه الشاكلة من الجرائم قد أنهكت جل بقاع المعمور، وخاصة المتقدمة منها، وذلك لما تخلفه من اختلالات عميقة يمكن أن تصل إلى حد الإجهاز على بنوك معلوماتية أو مالية، الأمر الذي تطلب وضع مجموعة من آليات المراقبة الحديثة الكفيلة بتتبع ورصد، ومن ثمة الوصول إلى المجرمين الإلكترونيين الذين طالما تمكنوا من إلحاق خسائر جمة بعدة أنظمة معلوماتية، تمثلت أحيانا في تسريب وثائق رسمية تتضمن أسرار بعض الدول. والجرائم الإلكترونية أربعة أنواع، وهي: الجريمة المادية والجريمة الثقافية والجريمة السياسية والاقتصادية، وأخيرا الجريمة الجنسية. يمكن اعتبار الوسائط الإلكترونية من بين الوسائل المتقدمة لارتكاب الجرم المنظم بإتقان واحترافية، الأمر الذي يمكننا فهمه من خلال مجموعة من الدلائل الحية التي أصبحت تؤثر على السير العادي والسليم لمجموعة من الأنظمة الاقتصادية والاجتماعية الدولية، وتتمثل أساسا في: - اختراق المواقع الإلكترونية لمجموعة من المؤسسات، وخاصة ذات الصبغة الاقتصادية، الأمر الذي لطالما تسبب في تشفير الحسابات المعلوماتية والنقدية لمجموعة من الأبناك؛ - استخدام المجموعات الإرهابية حاليا تقنية المعلومات لتسهيل الأشكال النمطية من الأعمال الإجرامية، وهذه المجموعات لا يتوانى في استخدام الوسائل المتقدمة مثل: الاتصالات والتنسيق وبث الأخبار المغلوطة، وتوظف بعض صغار السن، كما تقوم بتحويلات مالية في سبيل تحقيق أهدافها؛ - انتشار الصور ومقاطع الفيديو المخلة بالآداب على مواقع الأنترنيت من قبل رواد الغزو الفكري، وهي موجهة بالخصوص إلى الشبان والشابات قصد إفساد أفكارهم وإضعاف إيمانهم؛ - الابتزاز؛ - في بعض الدول، يقوم الإرهابيون باستخدام الأنترنيت لاستغلال المؤيدين لأفكارهم وجمع الأموال لتمويل برامجهم الإرهابية؛ - نشر الأفكار المغرضة والسلوكات المنحرفة بين الشباب كالإرهاب والإدمان والجنس؛ - الاستيلاء على المواقع الحساسة وسرقة المعلومات وامتلاك القدرة على نشر الفيروسات، وذلك يرجع إلى العدد المتزايد من برامج الكمبيوتر قوية وسهلة الاستخدام والتي يمكن تحميلها مجانا؛ - التغرير والاستدراج، وخاصة عن طريق ما يصطلح على تسميته ب«الشات»؛ - تشفير الأرقام السرية لعدة وسائط بنكية حديثة، والتي نجد في مقدمتها البطائق البنكية الإلكترونية التي لطالما تعرضت للسطو الإلكتروني من طرف محترفين في الإجرام الإلكتروني مما يُفقد المرتفق الثقة في المعاملات المصرفية والبنكية؛ - استعمال بعض الوسائط السمعية كالهاتف النقال والمرئية ك«الإيميل» في ممارسة التهديد والابتزاز على أفراد المجتمع؛ - رسائل البريد الواردة من مصادر مجهولة بخصوص طلب المساهمة في تحرير الأموال من الخارج مع الوعد بنسبة من المبلغ، أو تلك التي توهم صاحب البريد الإلكتروني بفوزه بإحدى الجوائز أو اليانصيب وتطالبه بموافاة الجهة برقم حسابه المصرفي؛ - قرصنة البرمجيات، وهي عملية نسخ أو تقليد برامج إحدى الشركات العالمية على أسطوانات وبيعها للناس بسعر أقل؛ - اختراق القنوات الفضائية المشفرة وإتاحة إمكانية مشاهدتها عبر الأنترنيت عن طريق تقنية (soft copy)؛ - إنشاء صفحة أنترنيت مماثلة جدا لموقع أحد البنوك الكبرى أو المؤسسات المالية الضخمة (phishing) لتطلب من العميل إدخال بياناته أو تحديث معلوماته بقصد على الحصول بياناته المصرفية وسرقته؛ - استعمال وسائل إلكترونية حديثة ك«السكانير» في تزييف العملة، مما يخلق حالة من اللاتوازن المصرفي للدولة، من جهة، ويضيع حقوق المتعاملين بالنقود المزيفة، من جهة أخرى،... إلخ. إن المغرب، وبحكم انتمائه إلى منظومة الدول السائرة في طريق النمو، لم يسلم بدوره من مؤثرات الجريمة الإلكترونية السلبية على مسلسل تنميته الاقتصادية والاجتماعية، مما تطلب اتخاذ مجموعة من التدابير الاحترازية الكفيلة بتتبع الجرم الإلكتروني، مثل: - إحداث مؤسسة الشرطة العلمية؛ - إحداث مكاتب تابعة للشرطة الوطنية، مهمتها تتبع ورصد، ومن ثمة اقتفاء أثر مرتكبي الجرائم الإلكترونية، سواء منها تلك المتعلقة بالهاتف النقال أو بالحاسوب المتصل مباشرة بالشبكة العنكبوتية الأنترنيت، حيث إن هذه المكاتب تعتمد على تقنية المراقبة الإلكترونية المعتمدة على برنامج الرصد الخاص بنظام «Ip adress»... إلخ. إلا أنه ومع التطور التكنولوجي اللامحدود الذي تعرفه مختلف دول العالم التي توحد في ما بينها تحديات العولمة المفرطة، فإن معظم الحلول المتوصل إليها في مجال مكافحة الجريمة الإلكترونية تظل محدودة جدا، الأمر الذي يتطلب: - وضع ترسانة قانونية مرنة يمكن تطويعها لتتماشى مع التغيرات الدولية المرتبطة مباشرة بعوامل الثورة التكنولوجية؛ - خلق شبكات معلوماتية دولية موحدة تكون مهمتها هي التتبع والرصد الدوليان لمظاهر الجريمة الإلكترونية، ومن ثمة إيجاد حلول كفيلة بمواجهتها؛ - ضرورة ربط سوق التكنولوجيا المغربية بنظيرتها الدولية، لا لشيء إلا من أجل الاستفادة المستمرة من التجارب الأجنبية الاحترازية في هذا المجال، ولم لا عقد شراكات دولية ثنائية أو متعددة الأطراف بهدف تبادل الخبرات الأجنبية في مجال مكافحة الجرم الإلكتروني؛ - ضرورة خلق محاكم توكل إليها مهمة النظر في القضايا المتعلقة بالجرائم الإلكترونية؛ - وضع آليات حديثة للمراقبة عن بعد مجهزة بنظام «Ip adress» يعهد إليها بمهمة المراقبة المستمرة للتطبيقات المعلوماتية الإلكترونية؛ - الحرص على تكوين أطر وكفاءات بشرية قادرة على مكافحة الجريمة الالكترونية، وذلك بخلق وحدات للتكوين الجامعي والتقني في هذا المجال؛ - ضمان مواكبة الشركات المعلوماتية الوطنية للمستجدات الخاصة بتتبع الجرم الإلكتروني، الأمر الذي لا يمكن أن يتم تحقيقه إلا عبر تكوين أطرها تكوينا مستمرا يتماشى وتطور الوسائط التكنولوجية الإلكترونية. إن المغرب مطالب ببذل جهود كبيرة في مجالات مكافحة الجريمة الإلكترونية، مما يعني أن الحاجة ملحة إلى تكوين موارد بشرية مختصة في المجال وتزويدها بالموارد المالية واللوجستية الكفيلة بتوفير الأجواء الملائمة للقيام بمهامها أحسن قيام.