عندما صعدت المذيعة الأزلية، فاطمة النوالي، إلى خشبة سينما «روكسي» مساء يوم السبت الأخير، لكي تعلن عن الأعمال المتوجة في المهرجان الوطني للسينما بطنجة، أخطأت مرة أخرى، كما تفعل دائما، وأعلنت عن فوز أفلام ومخرجين وممثلين بجوائز مختلفة، بينما الحقيقة أن الفائزين الكبار في هذا المهرجان هم أفراد الأمن الخاص. أفراد «السّيكوريتي»، الذين وقفوا طوال سبعة أيام في باب السينما، يستحقون الجائزة الكبرى والصغرى وما بينهما، ويستحقون جائزة الجمهور وجائزة النقاد وجائزة لالّة عيشة البحرية.. إنهم يستحقون كل شيء لأنهم يسحقون كل شيء، لذلك شتموا الصحفيين في باب السينما ووصفوهم بالإرهابيين والأوباش.. إنهم يتصرفون بطريقة تدل على أنهم هم المنظمون الفعليون للمهرجان وليس شخصا يدعى نور الدين الصايل. في مناسبات كثيرة سابقة، سمع الناس عند باب القاعة كلمات نابية، وهناك نسوة وصلن حتى الباب وقفلن راجعات لأنهن لم يفهمن هل سيدخلن قاعة سينما أم باب ملهى ليلي، مع أن كثيرا من حراس الملاهي يصونون أفواههم عن قبيح الكلام. وفي المدينة سينمائيون وفنانون، ذنبهم الوحيد أنهم بعيدون عن المركز، لا يعرفون طريقا للوصول إلى قاعة المهرجان لأن لا أحد يلتفت إليهم. أحد السينمائيين القدامى في طنجة يقول «بماذا ينفعني أن يتم تنظيم مهرجان سينمائي في مدينتي إن كنت غير قادر بالمرة على ولوج القاعة ولو مرة واحدة رفقة أبنائي؟ ذهبت وفي جيبي تذاكر، لكنهم أصروا على إبقائي واقفا حتى امتلأت القاعة بمن هب ودب، ثم قالوا لي إن القاعة ممتلئة ورفضوا إدخالي. لقد ندمت إلى الأبد». هذا السينمائي صار يتجنب الاقتراب من القاعة طالما أن على بابها «بيتْبولات» غير مربوطة. مهرجان السينما في طنجة صار اليوم وصمة عار، ليس على جبين المدينة فقط، بل على جبين السينما المغربية عموما. وحين يرى الناس فنانين وممثلين ومخرجين وهم يحتجون في حفل عشاء لأنه لا توجد قناني النبيذ، أو على الأقل لا توجد بشكل كاف، فإننا نفهم جيدا نوعية السينما التي يريد هذا المهرجان تكريسها والتي يقف على بابها سادن من الحرس القديم اسمه نور الدين الصايل، لأنه يتمتع بحصانة، أو ربما يخفي في جيبه «كارْت بلانشْ» لا أحد يعرف من أعطاه إياها. في كثير من المرات طالب سينمائيون حقيقيون، لهم غيرة على هذا الفن الجميل والراقي، بأن يكون المهرجان الوطني للسينما موزعا بين مدن ومناطق مغربية مختلفة. مرة في طنجة ومرة في وجدة ومرة في أكادير ومرة في العيون ومرة في الناظور ومرة في الرشيدية وأخرى في الصويرة... بل كان يفترض أن ينتقل إلى مناطق مغربية مهمشة وبعيدة، لأن السينما، يعني السينما الحقيقية، يمكن أن تقدم الكثير لهذه المناطق المنعزلة، خصوصا بعد إفلاس السياسة والسياسيين. في مهرجان السينما لهذا العام، كان لا بد أن يظهر «مسمار جحا» جديد لكي يبكي المنظمون وأنصار السينما التافهة ويعطوا الانطباع بأنهم مستهدفون، وهكذا تم إدراج فيلم وثائقي رديء اسمه «تنغير-جيروزاليم» لم يبذل مخرجه أي مجهود سينمائي يذكر، فلا اجتهاد فيه ولا استقصاء، ولا شجاعة ولا جرأة، ومخرجه لم يشر ولو مرة واحدة إلى المتورطين في تهجير اليهود المغاربة، ولم يشر لا إلى الموساد ولا إلى سماسرة التهجير، ولم يتحدث عن احتلال ولا عن تنكيل ولا عن مذابح، ولا يعرف ما إن كانت فلسطين أرضا بلا شعب قبل أن يهاجر إليها يهود قريته، وكل ما فعله هو أنه مارس السياحة بين تنغير وتل أبيب، وفي النهاية صار بطلا، ومن أجل بطولته الزائفة احتج بضعة أشخاص أمام باب القاعة «تضامنا مع حرية التعبير»، وهم تقريبا نفس الأشخاص الذين يحتجون عندما يكون النبيذ ناقصا في حفلات العشاء. اختتم، إذن، مهرجان السينما في طنجة، وبعد عام ستعود نفس الوجوه تقريبا، مع أكاذيب جديدة وأفلام جديدة و»تخرْبيقة» جديدة تسمى شريطا سينمائيا من أجل إثارة الجدل من جديد؛ سيعود أيضا نفس أفراد الأمن ليشتموا الصحافيين ويسموهم «الأوباش» و»الإرهابيين»، وربما يأتون العام المقبل بمصطلحات قدحية مبتكرة وألفاظ نابية جديدة، لأن السينما، يعني سينما نور الدين الصايل والمنافقين المحيطين به، يجب أن تجدد نفسها كل عام، تماما كما تفعل الأفعى مع جلدها.