سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
«كل حريم الهانم»..يفضح أسرارا مثيرة عن تحكم سوزان مبارك بالسلطة في مصر كتاب عيداروس يكشف تدخلها في إعفاء المسؤولين وقرارات زوجها وصراعها مع زوجات الملوك والرؤساء
أسقط الربيع العربي نظاما عمّر طويلا بمصر. فبعد ثلاثة عقود من السلطة والجاه والنفوذ وجد آل مبارك أنفسهم خارج القصر الرئاسي. الأب وابناه جمال و علاء داخل السجن، والأم في عزلة تقضي يومها، معظم الأحيان، في التنقل بين المستشفى، الذي ينقل إليه الرئيس السابق من حين إلى آخر، والسجن الذي يقبع فيه جمال وعلاء. ونظرا لأهمية الدور الذي لعبته سوزان مبارك في الشأن السياسي المصري، خصوصا في الثلث الأخير من عهد مبارك، كان بديهيا أن تصدر كتب تنبش في أسرارها، لا سيما بعد توجيه أصابع الاتهام إليها بالتحكم في قرار الرئيس السابق والتدخل في أمور الحكم. ومن هذه الكتب «كل حريم الهانم» للكاتب والصحفي المصري محمد عيداروس، الذي كشف تفاصيل مثيرة عن السيدة الأولى بمصر سابقا. قبل وقت ليس بالطويل، كان وزراء مصر يُقبّلون يدها. لكن تلك الأيام انقضت، وهي الآن تعيش حياتها في عزلة تامة داخل «فيلا» في ضواحي العاصمة القاهرة. لم يعد مسموحا لها بحضور السهرات الراقية وترؤس المؤتمرات الدولية التي تستضيفها بلادها. ومع ذلك، فهي الوحيدة من آل مبارك التي ما تزال تنعم بحريتها.إنها سوزان مبارك، زوجة الرئيس المصري السابق، محمد حسني مبارك، الذي جرفت رياح الربيع العربي نظامه، وأدخلته السجن بعد عقود من الجاه والسلطة والنفوذ وحكم مصر بقبضة من حديد. كانت سوزان قبيل الإطاحة بنظام زوجها ذات يد طولى في تدبير الشأن العام المصري. متتبعو الشأن المصري يتهمونها بالتحكم، في كل صغيرة وكبيرة، في قرارات الدولة، لكن لا أحد، أو على الأقل قلة من الناس، امتلكوا الشجاعة قبل 25 يناير 2011 للتصريح بهذا الأمر، لأنه وقوع في المحظور يعرض صاحبه للويل والثبور وعظائم الأمور. غير أن الربيع العربي خلص المحليين والكتاب، خصوصا المصريين، من عقدة الخوف، وأقدم كثير منهم بعيد أسابيع قليلة من إعلان مبارك تنحيه عن السلطة وتناقل مشاهد محاكمته عالميا، على التصريح بنواياه لكتابة تاريخ أركان النظام السابق وكشف أسرارهم الدفينة. وقد كان بديهيا أن تنال سوزان مبارك نصيبا وافرا من الاهتمام بالنظر إلى الدور المحوري الذي لعبته في الساحة السياسية المصرية، خصوصا في السنوات الأخيرة من عهد النظام السابق. وفي هذا الإطار، يندرج صدور كتاب «كل حريم الهانم» للكاتب والصحفي المصري محمد عيداروس في النصف الثاني من شهر أكتوبر الماضي. لماذا سوزان وليس مبارك؟ كان متابعو الشأن المصري يتوقعون أن تشهد مصر غداة سقوط النظام السابق إنتاجا أدبيا غزيرا عن آل مبارك وحاشيتهم، ولا سيما عن الرئيس محمد حسني مبارك، من أجل النبش في الأسباب التي أدت إلى الإطاحة بنظامه وأدخلته السجن بعد ثلاثة عقود من الجلوس على عرش بلاد الكنانة.غير أن الاهتمام في مصر انصرف إلى سوزان مبارك، حرم الرئيس، أكثر منه إلى الرئيس نفسه، وإن كان هذا لا ينفي وجود عناية خاصة بكشف أسراره. بيد أن هذه الكتب نفسها تعرف حضورا قويا لسوزان لعظيم تدخلها في كل مناحي الحياة العامة بمصر في السنوات الأخيرة من حكم زوجها. ومن هذا المنطلق، انبرى عيداروس، في أكثر من استجواب صحافي بعيد صدور كتابه، إلى تفسير اختياره سوزان وليس مبارك، خاصة بعد كتابه «مجتمعين في طرة». وقال عيداروس مبررا هذا الاختيار «أعتقد أن البداية والنهاية لم تكن في يد حسني مبارك، بل كانت في يد سوزان مبارك». إذ يرى الكاتب أن «كل الأمور الرئاسية كانت في يد الهانم» لكونها اضطلعت بدور كبير في التحكم في دواليب القرارين السياسي والاقتصادي في عهد زوجها، وبالتالي كانت أحد العوامل التي عجلت بإسقاط زوجها من عرش مصر. وقد اتخذ الكاتب من حياة سوزان وعلاقاتها مجالا للتأريخ للنظام السابق. يقول: «أفردت مساحة كبيرة للعلاقة بين سوزان مبارك وجيهان السادات. طبعا هناك فرق كبير بينهما، لكن جمعتهما علاقة زوجة الرئيس بزوجة نائب الرئيس في عهد الرئيس أنور السادات، وما حدث من توتر كبير بينهما بسبب غيرة سوزان من جيهان»، وقد جعلت هذه الغيرة سوزان بعد تبوؤها مركز السيدة الأولى بمصر تهمش جيهان تماما، حيث «أهملتها تماما ولم تقدم لها دعوات أي محافل، يضيف عيدراوس. ويعتبر المحللون علاقة سوزان بجيهان السادات بعد وفاة أنور السادات مفتاحا رئيسيا لفهم شخصية زوجة مبارك في التعامل مع النساء اللواتي عاصروها قبل أن تصبح السيدة الأولى في البلاد. ما قبل القصر الرئاسي بالنسبة إلى عيدراوس، كانت حياة سوزان جديرة بالدراسة أكثر من شخصية زوجها. إذ لا أحد تنبأ لها في العقود الثلاثة من عمرها بأن تتبوأ عرش مصر. كان هذا الحلم خارج دائرة اهتمامات سوزان نفسها، فقد كان حلمها أن تصبح راقصة باليه مشهورة. غير أن اقترانها بضابط في الجيش بوأها في العقود الثلاثة الماضية مكانة رفيعة في الحياة العامة ببلاد الكنانة. يذكر أن سوزان، المولودة بتاريخ 28 فبراير 1941، اقترنت بحسني مبارك حين كان وقتها طيارا في سلاح الجو المصري، وأنجبت منه كلا من علاء وجمال، قبل أن يصبح مبارك رئيسا لجمهورية مصر العربية في فاتح أكتوبر 1981، وتحمل هي لقب «السيدة الأولى في مصر». وجزم مؤلف الكتاب بأن سوزان لم تتوفر على المؤهلات الضرورية للعب هذا الدور المثير للجدل في الحياة العامة بمصر. وقال إن «سوزان مبارك لم تكن الجبارة التي تستطيع أن تحكم مصر، ولم يكن أحد يتوقع أول الأمر أن تصل إلى ما وصلت إليه، بداية من زوجة ضابط إلى زوجة قائد القوات الجوية إلى زوجة نائب الرئيس ثم وصلت في النهاية إلى زوجة الرئيس». سوزان داخل القصر يرصد الكتاب حياة سوزان في القصر الرئاسي المصري على مرحلتين أساسيتين، الأولى لا تكتسي أهمية كبيرة لفهم العوامل التي أوصلت نظام الرئيس السابق محمد حسني مبارك إلى حتفه، لأن سوزان احتفظت فيها على مسافة من الشأن السياسي وأمور الحكم. أما المرحلة الثانية، فقد أوليت لها عناية كبرى على اعتبار أنها تؤرخ لدخول سوزان على خط التأثير في القرارات الرئاسية المصرية، وتدخلها بشكل مباشر في أمور الحكم، وتمتعها مع مرور الوقت بيد طولى في تعيين المسؤولين وإعفائهم من مهامهم، وصولا إلى دفاعها المستميت عن فكرة التوريث الذي شكل المسمار الأخير في نعش النظام السابق قبل أن تعصف به رياح الربيع العربي. من هذا المنطلق، لا يتوقف الكتاب مطولا عند حياة سوزان مبارك قبل اقترانها بمبارك، ولا حتى عند المرحلة الأولى من وجودها في القصر الرئاسي، ولكنه ينبش في أسرار تدخلها في قرارات مؤسسة الرئاسة في المرحلة الثانية، ويفضح أسرار صراعاتها مع الفنانات وزوجات ملوك ورؤساء. كما يحاول الغوص في الأسباب التي جعلت سوزان تميل إلى تفضيل ابنها جمال على شقيقه علاء، إلى درجة أنها دفعت بقوة في اتجاه توريثه رئاسة مصر. في المرحلة الثانية أيضا «دست سوزان أنفها في كل صغيرة وكبيرة في مصر حتى أسقطت عن عمد الحد الفاصل بين خزائن الدولة وحقيبة يدها فأصبح كل شيء مستباحا للهانم»، وفق عيداروس. شؤون آل مبارك تحكمت سوزان في كل صغيرة وكبيرة في أسرتها الصغيرة في المرحلة الثانية المشار إليها آنفا. كانت لها الكلمة الفصل داخل الأسرة، ولم يكن أحد، بمن فيهم مبارك، يستطيع مناقشة قراراتها النهائية الخاصة بالأسرة. فقد تحكمت في كل شيء داخل أسرتها الصغيرة قبل أن تنبري إلى التدخل في شؤون الدولة المصرية وأمور الحكم. في هذا السياق، يدعم كتاب «كل حريم الهانم» القصص التي تحدثت في أوقات سابقة عن سطوة «الهانم» داخل الأسرة، وضبطها كل شيء. كانت أوامرها مطاعة ونواهيها غير قابلة للنقاش، وكانت هذه القاعدة تنطبق على الجميع، بمن فيهم الرئيس نفسه، إذ امتلكت ما يكفي من القوة لتمنعه من زيارة أهله في بلدة المنوفية، قبل أن تبادر إلى مطالبته بقطع اتصالاته بهم. غير أن أهم موضوع في الشأن الأسري لآل مبارك يرتبط بالخلافات التي تسببت فيها سوزان بين ابنيها جمال وعلاء. كان مسلما بمصر، حتى قبل الربيع العربي وانهيار النظام السابق، أن السيدة الأولى بالبلاد تفضل جمال على علاء، ويفسر هذا الأمر ما نسب إليها من دفاع مستميت عن الأول، وبذلها جهدا كبيرا لتمهيد الطريق له لخلافة والده على رأس جمهورية مصر العربية. المحظوظات والمغضوب عليهن تحفل حياة سوزان «الهانم» بحضور عدد وفير من النساء اللواتي تقربن منها أو اشتغلن تحت إمرتها أو استفدن من قربهن منها في العقود الثلاثة الماضية. ولا يخلو مسار السيدة الأولى بمصر سابقا من مواجهات مع بنات جلدها، خصوصا الفنانات اللواتي اتهمن بمحاولة تقليد زوجة الرئيس أو التشبه بها، وكذلك بعض زوجات رؤساء وملوك دول عدة. وكان لافتا في الكتاب أيضا تمكن سوزان في المرحلة الثانية سالفة الذكر من مراكمة تأثير كبير في صناعة القرارات الرئاسية، بما في ذلك التعيين في الوزارات والمناصب العليا. إذ تمكنت نساء كثيرات من إجلاس مقربين منهن، خصوصا أزواجهن، على كراس ذات أهمية كبرى في الشأن العام المصري لمجرد اقتران أسمائهن بسوزان و«تفانيهن في خدمتها». ذلك أن وزيرات وسيدات أعمال عديدات دخلن عالم الثروة والاغتناء من باب رضى السيدة الأولى بمصر سابقا. وتصنف ضمن قائمة النساء المغضوب عليهن من قبل سوزان مبارك، حين كانت السيدة الأولى بمصر ذات اليد الطولى في صناعة القرار السياسي ببلاد الكنانة، فئتان أساسيتان، هما زوجات بعض الرؤساء والملوك، والفنانات. يرجع كتاب «كل حريم الهانم» الصراعات الخفية التي دارت بين سوزان مبارك وعدد من زوجات الرؤساء والملوك إلى«الغيرة أو الحسد أو حب الانتقام». وينطبق تبرير حب الانتقام على المعاملة الفظة التي لقيتها جيهان السادات، زوجة أنور السادات، سلف حسني مبارك في الرئاسة المصرية. فقد أمعنت سوزان في تهميش السيدة الأولى في مصر في زمن السادات. ويقول متتبعو شؤون الرئاسة بمصر منذ ثورة «الضباط الأحرار» إن هذا العداء الواضح بين جيهان السادات وسوزان مبارك يعود تحديدا إلى الفترة التي كان فيها حسني مبارك نائبا للرئيس السادات. ولم يفلح صعود نجم سوزان وتواري جيهان عن الأنظار إثر اغتيال زوجها وتعيين مبارك رئيسا للبلاد في تذويب جليد الخلافات بين السيدتين. وكان لافتا عودة زوجة السادات إلى دائرة الضوء بعيد انهيار نظام مبارك وتجريد سوزان من لقب السيدة الأولى بمصر. ونالت زوجات رؤساء وملوك، وفق «كل حريم الهانم»، حظا من غضب سوزان مبارك، وتفسر جل هذه «الغضبات»، حسب عيداروس، ب«الغيرة أو الحسد». وتندرج في هذا السياق، العلاقات غير الودية التي كانت تجمعها بالشيخة موزة، زوجة أمير قطر، حمد بن خليفة آل ثاني. في المقابل، أغدقت سوزان على اللواتي تقربن منها من النساء مناصب وامتيازات في الدولة. وتتحدث أكثر القصص طرافة، الواردة في «كل حريم الهانم»، عن سيدة أهدتها سوزان مبارك جزءا من مداخيل مصر من البترول «عرفانا» لها بجميلها يوم مكنتها، في فترة ما قبل القصر الرئاسي، من الحصول على ثلاجة بضمانها لدى بائع تجهيزات منزلية. كما يبرز الكتاب أيضا قصة تظهر بجلاء مدى النفوذ الذي تمتعت به سوزان مبارك في الثلث الأخير من عهد النظام السابق في صنع القرارات السياسية، خصوصا التعيين في الوزارات. تحكي القصة أن السيدة الأولى في مصر سابقا نزلت بكل ثقلها للحيلولة دون إقالة وزيرة في حكومة سابقة لمجرد أن الوزيرة أقدمت في حفل استقبال على الانحناء من أجل تقبيل يد «الهانم» فدخلت عالم حريمها. وفي السياق ذاته، يمكن إدراج قصة صديقة أخرى لسوزان مكنت زوجها من اعتلاء منصب وزاري بعد أن واظبت على مرافقة حرم الرئيس كمرشدة سياحية في زيارات سياسية إلى لبنان. ويكشف الكتاب كيف أصرت سوزان على مكافأة صديقتها بهذا الاستوزار، رغم التحفظات التي أبدتها السلطات الأمنية بشأن الشخصية المرشحة للاستوزار. ويقف الكتاب أيضا عند النساء اللواتي تعرفن عن قرب عن سوزان قبل اقترانها بمن سيصير في مطلع ثمانينيات القرن الماضي رئيسا لجمهورية مصر العربية. ومن بينهن أستاذة للغة الإنجليزية درّست سوزان وساعدتها في إعداد أبحاثها زمن الدراسة في الجامعة، فكافأتها سوزان بعد أن صارت السيدة الأولى في البلاد بمقعد في المجلس القومي للمرأة.
هكذا عاشت سوزان أسابيعها الأولى خارج قصر الرئاسة
في الأيام الأولى لإخراجها من القصر الرئاسي وإيداع زوجها وابنيها السجن، كانت سوزان مبارك تقضي بياض يومها متنقلة بين المستشفى، حيث يرقد زوجها، وبين السجن، الذي يُعتقَل فيه ابناها علاء وجمال. وكان أحد أعضاء هيئة دفاع آل مبارك قد أوضح أن «السيدة الأولى» في مصر سابقا تحصل في الوقت الراهن على نحو 1200 أورو شهريا من الخزانة المصرية. علما بأن الدولة المصرية تتكفل بمصاريف علاج حسني مبارك. ومن حسن حظ سوزان أنها بُرئت من قضايا كثيرة رغم اتهامها بالمشاركة في مراكمة ثروة الأسرة الحاكمة سابقا، التي تقدر بمليارات الدولارات، وفق مصادر إعلامية دولية، مع الإشارة إلى أنها دفعت 24 مليون جنيه لخزينة الدولة، مؤكدة على أن ذلك «كل ما تملك». وقتها كانت تروج إشاعات كثيرة عن السيدة الأولى لمصر سابقا. وقد أثارت إحدى الإشاعات جدلا واسعا في مصر، إذ تحدثت أنباء عن تقديمها نفسها بصفتها «ملكة مصر» حين طلب منها شخص مجهول الحصول على توقيعها. الإشاعة نشرتها صحيفة بريطانية قبل أن تبادر إلى تفنيدها عبر موقعها الإلكتروني بعيد ساعات قليلة من نشره. وعقب مأساة ملعب بورسيعد لكرة القدم، التي راح ضحيتَها نحو 77 شخصا، أطلقت دعوات لوضع سوزان مبارك قيد الإقامة الجبرية. ورغم خفوت الحديث عن آل مبارك بمصر مقارنة بالأيام الأولى للثورة، فلا شيء تغير في حياة السيدة الأولى السابقة بعد مضي سنتين كاملتين على الإطاحة بنظام آل مبارك.