هل هي صدفة أن تكون «وراء سقوط» كل زعيم عربي امرأة؟! بالأمس، كانت «ليلى بن علي» سببا في خروج مذلّ لزوجها زين العابدين بن علي من تونس، واليوم، جاء دور «سوزان مبارك» لإنهاء حكم طال 30 سنة من حكم زوجها مبارك. في ساحة التحرير، وكما هتفت الجماهير يوم 25 يناير ضد زوجها، هتفت ضدها أيضا، واصفين إياها بأنها سبب «خراب مصر»، لإمساكها بخيوط اللعبة السياسية في البلاد، بدءا من اختيارها بعضَ الوزراء في كل الحكومات المتعاقبة واختيار السفراء، مرورا بمنح امتيازات لأقاربها، وانتهاء بمحاولاتها فرضَ «توريث» الحكم لابنها جمال مبارك... برحيل محمد حسني مبارك عن «سدة» حكم مصر، يوم 8 فبراير الجاري، تم مسح اسم حرَمه «سوزان مبارك» من قائمة أقوى السيدات في الشرق الأوسط. ف«سيدة مصر الأولى» أو «الهانم»، كما يحلو للمقربين أن ينادوها، كان ينظر إليها 80 مليون مصري بأنها المحرك الأساسي لديكتاتورية استمرت لثلاثين سنة، إلى درجة أن البعض في مصر كانوا يطلقون عليها اسم «ماري أنطوانيت بلاد النيل»، ويسميها آخرون «ملكة النيل غير المتوَّجة»، في حين أطلق عليها آخرون -تهكما على مناداة المهللين لها ب«ماما سوزان»- «ماما غولة»... فمن تكون سوزان مبارك؟ الطيار والطالبة ولدت «سوزان» في 28 فبراير 1941 في مدينة مطاي، التابعة لمحافظة «المنيا» لأب مصري، عمل طبيبا وأم بريطانية، كانت تعمل ممرضة، تزوج والداها حين كان الأب، صالح ثابت، يدرس الطب في جامعة «كارويف» الإنجليزية، وهناك تعرف على الممرضة ليلي ماي في المر وأسفر زواجهما عن ثلاثة أطفال «منير»، «صفوان» و«سوزان». انتقلت العائلة إلى القاهرة، وهناك التحقت سوزان بمدرسة «سانت كليو» في «مصر الجديدة» في القاهرة، حيث حصلت على شهادة الثانوية، ثم التحقت بالجامعة الأمريكية. وقتها، التقت بطيار شاب في القوات الجوية اسمه محمد حسني مبارك، كن مؤطرا لسرية تضم شقيها منير صالح ثابت. وبسرعة، تطورت العلاقة بين الطيار الشاب، الذي واظب على زيارتهم، وبين الفتاة سوزان، حيث سيتزوجان سنة 1959، لتنقطع سوزان عن الدراسة وتنجب ابنيها علاء وجمال مبارك. كانت حياة الزوجين مبارك صعبة، إذ أقاما في شقة متواضعة ولم يستطيعا شراء سيارة خاصة إلا بعد مرور أربع سنوات، وهو ما أفصحت عنه سوزان في حوار تلفزيوني، مضيفة أنها كانت المسؤولة عن تربية ابنيها بسبب انشغال الزوج، كأي فرد من القوات المسلحة، بالحرب على إسرائيل.. ويؤكد المقربون منها أنها كانت سيدة متسلطة وكانت تستعمل «الشبشب» لتأديب ابنيها وهما طفلان. بعد بفترة قصيرة من زواجهما، عملت سوزان معلمة في مدرسة ابتدائية براتب 11 جنيها. وقيل إن أقصى «حلم» مبارك خلال عهد الرئيس الراحل أنور السادات، هو أن يعين سفيرا في إحدى الدول الأوربية، لكن الصدقة قادته إلى أن يكون نائبا للرئيس، بضغط من جيهان السادات، «سيدة مصر الأولى»، حينها، لصلة قرابة بعيدة تجمعها بسوزان، فكلاهما من أم إنجليزية... حين أصبحت سوزان «حرَم» نائب رئيس الجمهورية، عادت مرة أخرى إلى مقاعد الدراسة، لتلميع صورتها، خاصة أن جيهان السادات كانت تحمل درجة الدكتوراه في علم الاجتماع... التحقت سوزان بالجامعة الأمريكية وحصلت على بكالوريوس في العلوم السياسية سنة 1977، وكان أستاذها هو المعارض سعد الدين إبراهيم، الذي روى في إحدى مقالاته أن مبارك كان يسخر من حرص زوجته على مواصلة التعليم، وكان يردد بين الحين والآخر «إنت لِسّ بِتْذاكري؟ وحتى عندما أصبحت سوزان سيدة مصر الأولى، بعد اغتيال محمد أنور السادات وتولي زوجها مقاليد الحكم سنة 1981 وفرض قانون الطوارئ، استمرت في التحصيل العلمي، لتحصل سنة 1982 على درجة الماجستير في علم الاجتماع... حياة سيدة القصر «قطعت» سوزان، «السيدة الأولى» مع سوزان، «المعلمة البسيطة»، وحين انتقلت إلى القصر الرئاسي، كانت حياة جديدة قد بدأت بالنسبة إليها وبالنسبة إلى ولديها علاء وجمال مبارك.. اختارت «سوزان» ألا تكون فقط «حرَمَ» الرئيس، بل المشاركة في حكم مصر. قيل إن سطوتها ونفوذها وصلتا إلى درجة تعيينها وزراء ومحافظين أصبحوا يدورون في فلكها و«يسبّحون» بحمدها... انتصرت للمستشار عدلي حسين ضد كمال الشاذلي، الرجل القوي في الحزب الوطني.. والحكاية أن المستشار كان وزيرا للمنوفية ووقع صراع عنيف بينه وبين كمال الشاذلي، وكاد هذا الأخير أن يقضي، سياسيا، على المستشار عدلي حسين، إلا أن سوزان مبارك أو «الهانم»، كما يلقبها كبار المسئولين، انحازت ل»حسين» فأنقذته من مقصلة «الشاذلي» وظل «حسين» محافظاً للمنوفية، رغم أنف هذا الأخير. وبفضل مساندتها له، كان عدلي حسين لا يفوت اجتماعا تحضره الهانم سوزان، كما «أغدق» على جمعية «الهلال الأحمر»، التي ترأسها، من تبرعات صندوق الخدمات الاجتماعية لمحافظة القليوبية. كانت سوزان أيضا وراء تعيين أنس الفقي وزيرا للإعلام، والذي طلب تعيينه وزيراً للشباب في مطلع الألفية الحالية، بعد أن تعرفت عليه من خلال عمله في مجال تسويق الموسوعات الأجنبية وتوطدت علاقتهما، بعد أن تبرع بمبلغ 25 ألف جنيه لأحد الأعمال الخيرية التي تبنّتها سوزان مبارك، وكان هذا التبرع «فاتحة خير» علي الفقي، الذي تم تعيينه رئيساً للهيئة العامة لقصور الثقافة عام 2002، ثم صار وزيراً للشباب عام 2004، ووزيراً للإعلام منذ عام 2005، حتى «سقوط» النظام. عائشة عبد الهادي، وزيرة القوي العاملة، بدورها، اختارتها سوزان مبارك واستمرت وزيرة منذ عام 2006.. ويؤكد شهود عيان أن الوزيرة، انحنت، في أحد اللقاءات، أمام «ولية نعمتها» والتقطت يدها وطبعت عليها قبلة. تضم قائمة «السيدة الأولى» أسماء أخرى، كمحمد إبراهيم سليمان، وزير الإسكان والتعمير الأسبق، الذي تحوم حوله عشرات الاتهامات بالفساد وإهدار أراضي الدولة، ووزير الثقافة، فاروق حسني، الذي خرج من الوزارة قبل أيام، بعد 24 عاماً قضاها وزيراً للثقافة، وتضم القائمة أيضا: حسين كامل بهاء الدين، وزير التعليم الأسبق وعبد الرحيم شحاتة، وزير التنمية المحلية الأسبق، والذي تولى أيضا منصب محافظ القاهرة والجيزة، وغيرهما، وهما طبيبان كانا يعالجان ولدي سوزان علاء وجمال في طفولتهما. أما «المغضوب عليه» من طرف «السيدة الأولى» فكان رئيس الوزراء الأسبق، كمال الجنزوري، الذي أقالته لرغبته في تقليص نفقات رئاسة الجمهورية... ويتردد أنها كانت تختار سفراء بلدها وخاصة سفراء القاهرة في تل أبيب... تدريجيا، صارت سوزان «ملكة غير متوجة للنيل»، سخرت لنفسها موكبا رسميا مكونا من 500 شرطي في كل نشاط تقوم به، وقيل إن طائرة خاصة مشابهة لطائرة الرئيس كانت تحت تصرفها لضمان تنقلاتها، كما أسست العديد من الجمعيات الأهلية و«انهالت» عليها الهبات والتبرعات من الداخل والخارج. وقد سارعت جهات داخلية وخارجية إلي منحها جوائز ونياشين وأوسمة، ووصل إجمالي هذه الجوائز والشهادات إلى أكثر من 40 جائزة ووساما، وحتى جامعة القاهرة منحتها، قبل أشهر قليلة، درجة الدكتوراه الفخرية. سخّرت سوزان جيشا من رؤساء الصحف المصرية للتهليل والتطبيل لها ول«إنجازاتها» ول»أياديها البيضاء» على كل المصريين، ولم تتوان عن «قرص أذن» كل صحافي نشر خبرا أو صورة لا يليقان ب»مقامها». فقد سبق أن وجهت كلمات قاسية جداً للمسؤولين عن جريدة «الأهرام»، والسبب نشرهم في باب «حدث في مثل هذا اليوم»، يوم 28 فبراير، أنه «في مثل هذا اليوم عام 1941، ولدت السيدة الفاضلة سوزان مبارك، وفي الصباح، نال رئيس تحرير «الأهرام» قدرا من التوبيخ علي ما اعتبرته «سوزان مبارك» تجاوزا في حقها... وربما لهذا السبب ألغت الهيئة العامة للاستعلامات تاريخ ميلاد سوزان مبارك من الصفحة التي تحكي قصة حياة السيدة الأولى. وحين فشلت في إدراج اسمها في قائمة المرشحين لجائزة «نوبل» للسلام، دفعت الصحف إلى انتقاد القائمين على الجائزة على هذا «التجاهل» وهللوا لها بترديدهم أنها «تستحق» الحصول عليها عشرة مرات، لإنجازاتها المهمة في الميدان الاجتماعي... كما قيل إنها «أطلقت يد» أفراد أسرتها لتحقيق مصالح شخصية موفرة لهم الغطاء «الشرعي»... نهاية على يد «عيال» ا لفايْس بوك... لم تعتقد سوزان مبارك أن من وصفهم زوجها الرئيس ب»عيال الفايس بوك» سيعجلون بنهايتها، لينهار البرج العاجي الذي عاشت فيه طيلة 30 عاما، بعد اعتصام «العيال» 14 عشر يوما في ميدان التحرير، لينتهى حلم سوزان ب»توريث» الحكم لابنها «جمال» كما جاء في وثائق «ويكليكس». مع قيام ثورة ال25 من يناير، انتشرت تقارير عن «ثورة» آل مبارك، اكتشف معها المصريون -حسب تلك الصحف- أن «سوزان»، التي بدأت مدرسة بسيطة براتب شهري لا يتجاوز 11 جنيها، صارت من الملياردرات، الذين دخلت «ناديهم» منذ عام 2000، وقيل إن ثروتها تتراوح الآن بين 3 مليارات و5 مليارات دولار، أي أن ثروتها تتراوح بين 18 مليار و30 مليار جنيه مصري... وقد بدأ يظهر حجم الفساد الذي كانت تغرف فيه مصر «المحروسة» من طرف وزراء ومحافظين ورجال أعمال وأقارب، حيث تم التحفظ على أموال العديد منهم ومنعهم من السفر والتقدم ببلاغات للنائب العام ضد أقارب سوزان، منهم شقيقها منير، الذي أكدت اتهامات إضراره بالاقتصاد القومي وتلقيه رشاوى قدرها 14 مليون جنيه من رجال أعمال روس، مقابل «تخصيص» أراضٍ لهم في محافظة البحر الأحمر. توارت «سوزان» عن الأنظار إبان «ثورة الفل» وكانت آخر كلمة قالتها، وبنبرة حزنية، قبل أن تغادر القصر الرئاسي هي: «لقد حان وقت الرحيل، لقد فعلنا ما بوسعنا»... غادرت سوزان بعد ذلك القاهرة صوب شرم الشيخ، وسط احتفالات كبرى كشفت لها كمية الكراهية التي يكنها 80 مليون مصري ل«آل مبارك» ولنظامهم الفاسد، الذي جثم على صدورهم طويلا...