أعرف كاتبا ألف كتابا «قيما» عن الإبل وأثرها في «ثقافة» الصحراء. وأعرف كاتبا آخر كتب كتابا فريد زمانه عن النخيل، وما جاء عنه في لسان العرب. وأعرف مؤلفا عربيا عظيما ألف أكثر من خمسمائة صفحة في شرح شعر أخرس لأحد الأثرياء «الشعراء». وأعرف ناقدا عربيا تحدث دون «ماء وجه» عن أدب زعيم في كتاب ضخم. وأعرف كاتبا لم يترك من أمور الأدب وقلة الأدب إلا وكتب فيها ذات اليمين وذات السرير. وأعرف كاتبة جميلة للغاية ولعوبا كفاية لا تترك مهرجانا عربيا، ولا مناسبة إلا وتحدثت فيهما، بدءا من الموضة واللباس ونهاية بالديمقراطية وحقوق الإنسان، بينما تقهر خادمتها القروية في البيت.وأعرف رجلا من بلاد العرب أوطاني، يهاجم في الصحف السيارة وغير السيارة أصدقاءه ولا يتورع في المشي في جنازاتهم بخشوع وكتابة التقارير السرية فيهم في أقرب مركز أمن. وأعرف مفكرا، إن تأملته عن بعد، تخيلت أن الرجل جبل على رأسه نار، بينما هو مجرد خفاش ظلام يستقي «مادته» من أسفل درك الاستخبار.وأعرف فتاة ناهدا، تبيع دواوينها بالتوقيعات الكريمة في أسرة المنعمين، لأن الآه بالنسبة لها هو الجملة الساقطة في السطر الشعري، الذي لم يكتب، وقطعة الألماس التي تحشوها في حقيبة يدها. أعرف خدما ثقافيين وسقائين وأصحاب بطون لا تشبع في حفلات الطعام المفتوحة.. هؤلاء يتحدثون في النظرية وأبيها وأخيها «واللي خلقها»، وهم عادة مثل بطونهم الثخينة «موسوعات» متدحرجة، لهم في كل شيء لسان، وفي كل مجلس بيان.وأعرف «لحاس معطف»، همه الوحيد أن يكيل المديح لكل الأسواق، وأن يكون بوقا في الخدمة، ومن بين فتوحاته أنه جعل من نفاخ كير أكبر موسيقي في الوطن العربي، بفضل كتيبة الأقلام المأجورة، التي جردها على صفحات الجرائد الفنية.وأعرف سيدة بيت محترمة أغواها شيطان الشعر وراودها عن نفسها الشعراء الشياطين، فصار زوجها يأكل من محلات السندويتشات، وثلاجة البيت أصابها الهزال.وأعرف ناقدا يكتب في «الشعرية»، ويأكل اللحم المشوي، وآخر مهووس بكل ما كان آخره «لوجيا» مثل السيميولوجيا والفيلولوجيا و«السيكسولوجيا». وأعرف خياطا لا يكتب إلا عن «ثقب الإبرة»، وصاحب «بصريات» مهووس بالصورة، وناقدة تتقن فن «الهجاء» من فرط شجارها اليومي مع الجارات.وأعرف رجلا من عائلة محترمة «يرسم» .. على بنات الجيران.