يرسم رسامو الكاريكاتير المغاربة تعاليق ساخرة على تدبير الحياة العامة في البلاد.. مسؤولون وأصحاب نفوذ ووسطاء وتجار كلام، كل هذا يجسده الكاريكاتير المغربي الواعي بنوع من اللذاعة أحيانا، وبسخرية مبطنة أو صريحة، وفي البال المغامرة الخطيرة التي يركبها أصحاب الريشة التي تدمي، إنهم على وعي بأن الموقف الساخر المبني يولد المفارقة، وكلما كانت المفارقة فاقعة وصلت الرسالة بيسر وسهولة. من الطبيعي جدا أن يثير رسام الكاريكاتير الواعي حفيظة أصحاب السياسة أو المشتغلين في الشأن العام، لأن هذا الفن كان دائما منحازا إلى صف الناس، بهم ومنهم يستقي مادته وموضوعه، ولذلك أومن بأنه كلما كان هناك رسام كاريكاتير حيوي في جريدة إلا ويضفي عليها تلك اللمسة الضرورية، إنه بعبارة أخرى منجم أفكار حتى بالنسبة إلى المحررين الرئيسيين وكتاب الأعمدة ومحرري الافتتاحيات؛ هو، بتعبير موجز، البهارات الضرورية كي يستقيم الطبق. أحد رسامي الكاريكاتير يرصد موقفين، الأول ل»مشروع تعبيد طريق» على الماكيت في مدينة صغيرة، كلف 20 مليون درهم، وفي الرسم نرى بالكاد هذا الطريق الملتوي الموجود على مساحة فارغة، بينما يبدو التجمع السكاني بعيدا جدا؛ وفي الموقف الثاني، يرسم مشهدا لإعلان موضوع على بوابة فندق من خمس نجوم، وفي اللوحة الإعلانية أو في تعليق الرسام نقرأ عبارة «حفل تدشين الشارع المعبد بكلفة 200 مليون درهم»، ولعل الفرق الساخر هنا ليس في فارق الصفر الزائد، ولكن في المفارقة، التي يفرخها في ذهن المتلقي، وذهن المواطن المغربي، الذي لم يعد يثق في الكثير من المشاريع، التي تطلقها الجماعات والبلديات، بعد أن تحولت تلك المشاريع إلى بقرة حلوب في أيدي المجالس المسيرة التي تنتهزها فرصة «قانونية» للإجهاز على المال العام. اليوم، هناك على طاولة الجهات الوصية، ومنها المجلس الأعلى للحسابات، مئات من الملفات من هذه الطبيعة أو من غيرها، وقع فيها تحايل على الملك العام، أو على المال العام، وبعضها بادرت السلطات القضائية إلى فتح تحقيق فيه. وهذا ليس إلا الظاهر من جبل الجليد، لأن سنوات من التدبير لجماعات ومدن صغرى وكبرى، وفي ظل الإفلات من المحاسبة والتحايل على القانون، جرى تكوين شبكات مصالح، أصبح من الصعوبة بمكان تفكيكها بسبب الخبرات الكبيرة التي راكمتها. وهذا يضع السؤال العميق عن مدى إمكانية نجاح ما يمكن تسميته بالحكامة المحلية؛ وهل النخب المحلية من منتخبين وفروع حزبية وقطاعات نقابية وجمعيات مدنية ومواطنين قادرة على أن تكون اللجام الذي يحد من محاولات الالتفاف على القانون؛ وكيف يمكن، في ظل انعدام الرقابة القبلية والبعدية على سير وتنفيذ المشاريع من قبل اللجان التقنية والجهات المسند إليها هذا الاختصاص، أن نتحدث عن رقابة شعبية أو رقابة جمهور المواطنين على رؤساء الجماعات والبلديات، ومن يسيرون الشأن المحلي والجهوي؟ هناك في المغرب، اليوم، هيئات كثيرة حقوقية وجمعيات مدنية تحاول أن توجد قريبا من الشأن العام، جمعيات لحماية المال العام وجمعيات للمستهلكين وجمعيات لحقوق الإنسان وجمعيات مدنية أخرى مختصة، وهيئات لها قوة الآن، مثل الهيئة الوطنية للوقاية من الرشوة ومجلس المنافسة والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والمجلس الوطني لحقوق الإنسان، وهي، دون شك، هيئات ينتظرها عمل كثير، لأن غالبيتها في بداية عملها، ومقبلة على أشواط حاسمة من اختبار الوجود، ومدى القدرة على العمل على الأرض. ولذلك، فإن عودة الثقة تكمن في وجود شفافية وتنافسية شريفة، ما يجعل من عودة المغربي إلى الساحة العامة مضمونا، كعربون على تبادل الثقة بين المسير والجمهور؛ وهي المعركة التي علينا، اليوم، أن نخوضها لأن من يبذر المال العام، ومن ينخرط في شبكات الإساءة إلى الوطن بإفساد الحياة العامة وإفشال استحقاقات المغرب الكبرى، عليه أن يدفع الثمن غاليا. هذه ليست دعوة إلى نصب أعواد المشانق لمرتكبي الخروقات بالجملة أو لمن أفسدوا المجال العام، ولكن إعمال القانون هو البداية الصحيحة لتكريس احترام الدولة وممتلكاتها، حتى لا يتحول لصوص المال العام إلى «قدوة» في الإثراء السريع والإفلات من العقاب.