فتح الأجواء المغربية أمام الطيران الفرنسي في إطار عمليته العسكرية بمالي دون مناقشة الأمر في المجلس الوزاري الذي يترأسه الملك، ولا داخل مجلس الحكومة الذي يرأسه رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران، ولا في البرلمان باعتباره المؤسسة الدستورية التمثيلية للشعب... تنويم خطير للمؤسسات الدستورية في البلاد، واستهتار كبير بحق أكثر من 30 مليون مواطن مغربي يعنيهم قرار فتح الأجواء المغربية أمام الفرنسيين لتنفيذ مهماتهم العسكرية. كما أن تلقي الخبر من جهات فرنسية دليل إضافي على أن صناع القرار في المغرب لا يعيرون أي اهتمام لأهم مكون في الدولة «الشعب»، ولا يسمحون له بتقرير مصيره في قضايا جوهرية ومصيرية كالمشاركة في الحرب أو عدمها. قرار خوض الحرب أو المشاركة فيها أو تسهيل المأمورية لأحد أطرافها ضد طرف آخر، قرار لا يتم حسمه في الغرف المغلقة، ينبغي التشاور فيه بين كل الفاعلين في البلاد: الحكومة، البرلمان، الأحزاب، المجتمع المدني، وإلا فإن ربط المسؤولية بالمحاسبة كأحد أهم المبادئ الدستورية الواردة في دستور 2011 الذي استفتي فيه الشعب، سيتم الإخلال به ولن يصير له أي محل من الإعراب. عندما قررت فرنسا شن الحرب على المجموعات المتطرفة في شمال مالي لم تأخذ قرارها في الغرف المغلقة، بل اتخذته بعد أن قدرت مصلحتها في ذلك، وفق رؤية شمولية وفي إطار مقاربة تشاركية، لم يكن فيها البرلمان ولا الحكومة ولا المجلس الدستوري خارج السياق. مؤسف جدا أن يظل مجال السياسة الخارجية مجالا محفوظا، ومن المعيب أيضا ألا تعطى لحكومة يقال إنها تحظى بالشرعية السياسية، بحكم انبثاقها من صناديق الاقتراع، أي اعتبار سياسي ولا أي قيمة معنوية في كل مراحل صناعة قرار المشاركة في الحرب أو دعمها ميدانيا ولوجستيا. من نسائل غدا، إذا ما تطورت الأوضاع في منطقة الساحل والصحراء بسبب الحرب التي تخوضها فرنسا ضد المجموعات المتطرفة في شمال مالي، ووجد المغرب نفسه في قلب العاصفة، وأرغم على إرسال قواته العسكرية إلى جبهات القتال هناك وهو الذي ابتعد عن العمل العسكري المسلح منذ إعلان وقف النار وبناء الجدار العازل في الصحراء؟ مهما كانت الأسباب والتقديرات التي ولدت لدى المغرب قناعة فتح مجاله الجوي للطيران الفرنسي، في إطار علاقة الشراكة المتينة التي تجمع بين الرباط وباريس، فمنطق الدولة الديمقراطية الحريصة على مصالح شعبها يقتضي الوضوح في التعامل مع الشعب الذي يبقى، في الأول والأخير، هو مناط السلطة، وهو المعني بكل القرارات ذات الصلة بمصيره ومستقبله. من جانب آخر، قرار الحرب الفرنسية في شمال مالي، الذي باركته عواصم الدول الغربية والتمست له العذر وقدرت مشروعية دوافعه بالنسبة إلى فرنسا، قرار فيه انتقاص من سيادة الدول الإفريقية التي تتوفر على كل الإمكانيات والوسائل للتعامل مع الأزمة في شمال مالي؛ كما أنه لا يحترم قواعد الشرعية الدولية التي تحرم اللجوء إلى استعمال القوة إلا عند الضرورة التي تستدعي التناسب واللزوم، وعندما يكون هناك إخلال بالسلم والأمن الدوليين. لماذا لجأت فرنسا وحلفاؤها إلى خيار القوة؟ هل استنفدت المساعي الدبلوماسية قبل ترجيح الخيار العسكري؟ هل تعرضت لعدوان يعطيها حق الدفاع الشرعي عن النفس؟ مفهوم الأمن الجماعي واضح، وشروط استخدام القوة أو اللجوء إليها في إدارة الأزمات الدولية معلومة ولا يمكن لعاقل أن يتجاهلها. فرنسا لها مصالح في مالي، يمكن لمصالح المغرب العليا أن تتقاطع معها لاعتبارات جيو استراتيجية أو أمنية بحته، وهذا ليس عيبا. لكن مع كل ذلك، ينبغي أن نحتاط جيدا، لأنه عندما تبدأ الحروب، لا يمكن توقع متى ستنتهي وماذا ستكون تداعياتها. لذلك، فإن قرار المشاركة في الحرب أو دعمها ليس بالأمر الهين، بل هو قرار مصيري ينبغي التشاور فيه مع الجميع، ولا يمكن للشعب أن يعلم به على صفحات الجرائد أو عن طريق وكالات الأنباء الفرنسية وغيرها.