الجزائر.. تحطم طائرة عسكرية ومقتل قائدها بمنطقة أدرار    المنتخب الوطني يختتم استعداداته قبل مواجهة النيجر وتنزانيا في وجدة (فيديو وصور)    البيضاء.. توقيف شخص يشتبه تورطه في عرقلة السير بالشارع العام وتعريض مستعملي الطريق للخطر    65% من الفرنسيين يرون أن فرنسا تفتقر إلى الشجاعة والصرامة في التعامل مع النظام الجزائري    سعيد الليث: أزيد من 33 ألف أسرة استكملت بناء وتأهيل منازلها المتضررة من زلزال الحوز    قيادة البوليساريو متورطة في اختطاف الشيخ المسن "فظيلي ول ابوه"    تحذيرات من تسريب بيانات بطاقات بنكية مغربية على الشبكة المظلمة    470 شهيدا في تجدد العدوان الإسرئيلي على غزة    ندوة تتناول الزراعة بإقليم الناظور    رئيس مجلس السلم والأمن بالاتحاد الإفريقي: المغرب يترأس اجتماعًا وزاريًا حول تأثير الذكاء الاصطناعي على السلم والأمن والحكامة في إفريقيا    أوريد: أزمة السياسة "ليست مغربية".. والشعبوية متحور عن الفاشية    وزارة التجهيز تكشف حقيقة تصدع سد بوعاصم بالحسيمة.. لا وجود لمخاطر على السلامة بعد المعاينة    وهبي: تجار مخدرات يطلبون "الإفراج المقيد".. وتسليم الأجانب قرار سياسي    الكاف يعلن مواعيد مباريات ربع نهائي دوري أبطال إفريقيا وكأس الكونفدرالية    خفض سعر الفائدة في 20 مارس    الحكومة تسعى لتخفيض عجز الميزانية في السنوات الثلاث المقبلة على خلفية الحد من المديونية    توقعات الحكومة.. نمو اقتصادي بنسبة 4.1% وتضخم 2% في 2026    السجن المحلي تامسنا .. انطلاق برنامج الفرصة الثانية الجيل الجديد    ‬الحكومة والهروب الكبير    حفرة عملاقة تتشكل وسط الطريق الرابطة بين أكادير وإنزكان (صور)    محكمة هامبورغ العليا تقضي بتسليم محمد بودريقة إلى المغرب    نشرة إنذارية: هبات رياح قوية مع تطاير الغبار مرتقبة غدا الخميس بعدد من أقاليم المملكة    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الخميس.. أمطار وزخات مع رعد بمنطقة طنجة    الأمن الإيطالي يحقق في واقعة تهريب رضيعة من طنجة    ارتفاع قياسي في مفرغات الأسماك بميناء الجبهة بنسبة 73% مع نهاية فبراير    عمرو خالد: هكذا يمكن تفادي الصراع والصدام واللجوء إلى الحوار والوئام    أخبار الساحة    المغرب، الشريك التجاري الأول لإسبانيا في إفريقيا    تقارير استخباراتية أوروبية: الرئاسة والجيش وأجهزة المخابرات في الجزائر تعاني من حالة شلل كامل    قناع الغرب.. البروتوكولات المضللة -17- آلاستَير بونيت: الغرب الأبيض!    خالد بن الصغير يترجم «يهود الامبراطورية السفراد»    مقتل عشرات الفلسطينيين في غارات جوية إسرائيلية    اللجنة الوطنية لمراقبة حماية المعطيات ذات الطابع الشخصي تُنظم جلسات استماع تتعلق بمعالجات الذكاء الاصطناعي    تماسك المغرب الجديد    الإسكندر في المغرب    "بلوكاج إداري" يعطل العمل في 3 أكاديميات و24 مديرية إقليمية للتربية والتكوين    هيئات نقابية وسياسية مغربية تستنكر عودة الكيان الصهيوني لسفك دماء الفلسطينيين وتطالب بوقف التطبيع    "رمضانيات الأحرار" بأكادير… أمسية روحية مميزة احتفاء باليوم العالمي للمرأة    "الغادريان": نتنياهو يشعل مجددا الحرب في غزة من أجل البقاء في السلطة    استئصال اللوزتين يحمي الأطفال من اضطرابات التنفس أثناء النوم (دراسة)    الأسبوع الوطني للماء 2025: تعبئة وطنية لمواجهة التغيرات المناخية وضمان الاستدامة المائية    سيدة مضطربة عقليا تدخل المسجد بملابس غير لائقة    الدراما المغربية بين النمطية والإنتاج القصير: هل حان الوقت للتغيير؟…ناقد فني يجيب "رسالة 24"    ديمقراطية تركيا.. اعتقال عمدة إسطنبول منافس أردوغان في رئاسيات 2028 وتعطيل مواقع التواصل في البلاد    بورصة الدار البيضاء .. تداولات الافتتاح على وقع الأخضر    مراكش الحمرَاء التاريخ فى سكُون    اليوم العالمي للشخير    منخرطو الوداد ينتفضون في وجه الرئيس آيت منا    أرباح الأندية المغربية من بيع اللاعبين في 2024 تبلغ 8.27 مليون دولار    جامعة الكرة تصادق على تعديلات جديدة.. عقوبات لتخريب الفار وارتكاب الشغب    تعرف إلى أغلى 8 لاعبين في المنتخب المغربي … وضمنهم حكيمي … ودياز    حِكم حَلاجِية..    عمرو خالد: جفاف القلوب أسوأ من شح الجيوب.. وهكذا يمتلئ خزان الحب    اضطرابات النوم في رمضان: البحث عن التوازن بين الصيام والراحة    الشيخ أبو إسحاق الحويني يرحل إلى دار البقاء    دراسة جديدة تربط بين الطقس الحار وأمراض القلب في أستراليا    شهر رمضان في أجواء البادية المغربية.. على إيقاع شروق الشمس وغروبها    لا أيمان لمن لا أمانة له ...    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أية إستراتيجية في مواجهة عدو شبح
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 18 - 01 - 2013

كل مظاهر الشرعية الدولة موجودة، ورغم ذلك، تبدو باريس وكأنها تدخلت عسكرياً في مالي بشكل منفرد ضد مجموعات مسلحة لها من القوة النارية ما لا يتوفر لجيش نظامي, ولها من الدهاء والحركية والعنف. ما لا يوجد سوى لدى العصابات المنظمة. وبالتالي، فإن الجبهة التي فتحتها باريس في شمال مالي تبدو مواجهة صعبة ومحفوفة بالكثير من المخاطر السياسية والدبلوماسية، فهي حرب ضد مجموعات مسلحة استطاعت على مدى سنوات وسط لامبالاة دولية وإقليمية وحسابات متناقضة وضيقة، أن تحكم قبضتها على شمال مالي، وتفرض سطوتها من خلال مزيج من أعمال التهريب بكل أشكاله وعصابات قطاع الطرق والتطرف الديني... سرطان ازدهر على إضعاف »الديمقراطية المالية التي تبخرت في سنوات، والتي يستحيل استعادتها عاجلا بسلطة السلاح...».
لماذا قررت فرنسا التدخل منفردة وبدون حلفاء أفارقة أو غربيين إلى جانبها؟ وأية استراتيجية في مواجهة عدو من الصعب اجتثاته أو القضاء عليه؟. وإذا كانت فرنسا قد أخذت المبادرة ونجحت جزئياً في تفادي أن تتحول مالي بأكملها إلى فوضى واستطاعت من خلال الضربات الجوية المكثفة والدقيقة، الحد أو على الأقل، تفتيت انتشار هذا السرطان الإرهابي الذي ظل حتى الآن خارج السيطرة... لكن على المدى المتوسط والبعيد، لابد من تحديد متى وكيف ولمن تعود مهمة تدبير الوضعية، وهنا تتناسل الأسئلة ونقط الغموض حول أبعاد وأهداف الحرب التي بدأت في شمال مالي، ولن تنتهي دون آثار على كل منطقة الساحل والصحراء.
بالنسبة للقوات الفرنسية في افريقيا، العمليات العسكرية تتوالى، وربما لا تتشابه. بعد بدء الغارات الجوية الفرنسية على مواقع ومعاقل المسلحين في شمال مالي، تحركت كتيبة مكونة من حوالي 30 مصفحة خفيفة الى باماكو قادمة من كوت ديفوار, حيث كانت هناك منذ 2002 في اعقاب محاولة انقلابية ضد الرئيس لوران غباغبو، ولازالت هناك ولو ان اعدادها تضاءلت مع توالي السنوات، فهل يعيد التاريخ نفسه في مالي؟
حتى الان يتزايد تعداد القوات الفرنسية في مالي وتحديدا في باماكو لمواجهة عدو يبدو انه لم يقل كلمته الأخيرة. منذ بدء العملية الفرنسية في شمال مالي ارسلت مالي 750 عسكريا إلى باماكو، وينتظر وصول 1750 اخرين لتعزيز التواجد الميداني, ومن المحتمل جدا ان يتزايد العدد على ضوء التطورات الميدانية، ويؤكد المسؤولون العسكريون انه خلال ايام أو اسابيع سيتمركز جزء من هذه القوات في وسط البلاد للالتحاق بوحدة عسكرية متواجدة في مطار سيفاري شمال مدينة موبتي، ليصبح في النهاية التواجد العسكري الفرنسي في مالي على شكل مجموعتين مكونتين من وحدات تاكتيكية (تضم خليطا من القوات البرية والمحمولة جوا).
لكن في مالي خطوط الجبهة ليست جامدة بل متحركة, وقد ظهر ذلك قبل يومين عندها استطاعت المروحيات والطائرات المقاتلة الفرنسية وقف تقدم عناصر الجماعات المسلحة (حركة التوحيد والجهاد في غرب افريقيا، وتنظيم القاعدة في المغرب الاسلامي وجماعة أنصار الدين) في شمال شرق مدينة موبتي الاستراتيجية، لكن عناصر اخرى من هذه الجماعات شنت هجوما مضادا الى الغرب وتمكنت من السيطرة على بلدة ديابالي. وتؤكد المصادر العسكرية الفرنسية ان الجماعات المسلحة تحاول الذوبان وسط السكان لتفادي الضربات الجوية في محاولة منها لدفع الطيران العسكري الفرنسي الى ارتكاب خطأ ومن شأنه ان يكسر الدعم الدولي الذي تحظى به باريس حتى الآن.
لكن مالي ليست هي العراق او ليبيا، فبمجرد ما ستنتهي الطائرات الفرنسية من ضرب مخازن الاسلحة والوقود التي تم رصدها قبل بدء العملية, ماهي الاهداف المقبلة؟
هناك محور آخر أساسي للهجوم، ولو أن باريس لا تتحدث عنه كثيرا، ويتمثل في إضعاف العدو جديا من خلال ضرب قادة المجموعات الاسلامية، ويعترف مسؤول عسكري فرنسي بقوله« في مالي نحن نواجه عدوا سريع الحركة يصعب رصده, وحسب معلومات استخباراتية فإن الجماعات المسلحة وضعت منذ عدة اشهر خريطة لنقط تموينها بالمؤن وقطع الغيار والدخيرة والوقود في اماكن يصعب رصدها من الجو. وبالتالي فإن شمال مالي يقدم نموذجا كاريكاتوريا لحرب لا متكافئة، بحيث ماذا يمكن لطائرة رافال القيام به ضد سيارة رباعية الدفع؟ و لذلك فإنه بدون تواجد على الارض لا يمكن الحديث عن سيطرة او تحكم ميداني.
باريس وعلى لسان كل مسؤوليها لا تنوي البقاء طويلا لوحدها في الواجهة وحتى لا تتعرض لانتقادات -محدودة حتى الان- حول البحث عن «عودة المستعمر«، تعمل باريس جاهدة من اجل تسريع انتشار الوحدات الافريقية المقررة في اطار «المهمة الدولية لدعم مالي« حيث وعدت عدة دول بإرسال قوات نيجيريا التي سترأس المهمة الدولية. والنيجر والطوغو وبنين وكوت ديفوار وتشاد.
وتبقى مسألة الجدول الزمني وهي مسألة حاسمة، باريس تؤكد ان الطلائع الاولى لهذه القوة الافريقية ستبدأ الوصول الاسبوع القادم وان انتشارها الميداني سيستمر على مدى 15 يوما بفضل طائرات الشحن التي وضعتها رهن إشارة عدة دول غربية (بريطانيا، بلجيكا والدانمارك). وهو سيناريو مثالي، لكن ذلك لم يمنع فرنسا من مواصلة رفع عدد قواتها وتجهيزاتها العسكرية في مالي...
وفي كل الاحوال، الجيش الفرنسي سيبقى في مالي لفترة طويلة وبمجرد ما ستصبح القوة الافريقية عملية ميدانيا، ستنتقل فرنسا الى المرحلة الثانية من الخطة من أجل التحرك والدعم، لكن هذه المرحلة تبقى رهينة في النهاية. بمدى فعالية ونجاعة القوات الافريقية وهنا كل الاحتمالات ممكنة بل يذهب البعض الى الحديث عن قفزة في المجهول.
واذا كانت المرحلة الاولى من العملية العسكرية ماتزال جارية وتستهدف وقف, ثم إجبار الجماعات المسلحة على التراجع و ايضا القضاء على قادتها وتدمير مراكز تدريبها وقيادتها ومخازنها... وكلها اهداف محددة مسبقا ولو انها مهمة صعبة ومحفوفة بمخاطر فإن العدو، وبعد صدمة المفاجأة قادر على التأقلم وملاءمة استراتيجيته, فهو قادر على الاختبار في الطبيعة التي يعرفها جيدا وفي مساحة شاسعة.
وتؤكد العديد من التقارير أن الجماعات المسلحة، التي تمكنت من الحصول على السلاح الكافي من مخازن القذافي، قادرة على التحرك بسرعة وهو ما يجعل خطوط الجبهة والمواجهة صعبة. فالمشكل ليس هو عدد هذه القوات، بل المشكل الأكبر يكمن في إصرارها. فالموت بالنسبة لهؤلاء المقاتلين لا يطرح مشكلا لأنهم مقتنعون بأن الجنة في انتظارهم.
لكن المهمة لن تنتهي إلا على الارض، والمرحلة الثانية ستعني مصاحبة القوات الافريقية نحو الشمال من اجل استعادة الاراضي التي يسيطر عليها المسلحون وتخليص مالي نهائيا من هذه الجماعات المسلحة. وهذه المرحلة وهي الاصعب، ينتظر ان تبدأ في الصيف حسب التخطيطات الاولية، لكن ربما هنا ايضا تقرر باريس تسريع الجدول الزمني.
فالتدخل العسكري الفرنسي أفرز ضغطا على الاوربيين و الافارقة, تأمل باريس ان تكون له تداعيات ونتائج ايجابية، ويعبر المسؤولون الفرنسيون عن ارتياحهم لمواقف التأييد والمساندة وبوادر الدعم التي عبرت عنها عدة اطراف اقليمية ودولية.
لكن مع ذلك, يبقى الأصعب هو الآتي, فإذ كانت فرنسا من خلال الاستجابة الفورية لطلب الحكومة المالية قد أكدت مرة اخرى ان لديها القدرة على السبق وأخذ المبادرة في ساحة العمليات, فإن العديد من الاسئلة تبقى عالقة: هل باريس قادرة على الاستمرار والصمود طويلا، والحفاظ على تماسك جبهتها الداخلية؟
هل ستنجح في اقناع الجزائر بوقف لعبتها المزدوجة تجاه الجماعات المسلحة؟ وهل الجزائر قادرة على إغلاق إحكام السيطرة على حدودها الشاسعة مع مالي، ومنع تحول جنوب الجزائر من ان يصبح قاعدة خلفية للمقاتلين الفارين من مالي؟
واذا كان من الواضح ان القوات الافريقية لن تكون عملية وجاهزة قبل عدة اشهر، حتى وان اشرف على تأطيرها خبراء غربيون، كيف ستضطلع هذه القوات بمهامها بشكل افضل من القوات الامنية الافغانية التي لم تتمكن من اثبات فعاليتها ونزاهتها بعد ازيد من 10سنوات من المواجهة؟
وعموما وفي كل الحروب، المعارك ليست فقط عسكرية, بل ايضا سياسية وفي مالي الحل لن يتحقق بدون حل مشكل الطوارق، وبدون اعادة بناء هياكل الدولة. الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند ركز بإلحاح على أن فرنسا ليست غير معنية بالبقاء في مالي ولكن الحرب تنفلت في الغالب من ايدي من بدأوها.
الحسن بوقنطار ، أستاذ العلاقات الدولية جامعة محمد الخامس أكدال الرباط
حالة التجزئة وخلق الدويلات الفاشلة لا يمكن إلا أن يكون عامل اضطراب وتهديد للنظام الإقليمي
لا يمكن أن يعتبر ما يجري في مالي شأنا داخليا لعدة اعتبارات مرتبطة بفشل الدولة المالية في المحافظة على تدبير التعددية السياسية ، وكذا القيام بالمهام السيادية و خاصة ما يتعلق بضمان الأمن و الدفاع, وذلك بعد انهيار مؤسسة الجيش التي لم تعد تخضع لأي انضباط ، مما سهل سيطرة الجماعات الجهادية المرتبطة بالقاعدة في المغرب الإسلامي على شمال البلاد و فرض نظام إسلامي متشدد ، وهذا المعطى بات يهدد استقرار دول الجوار بسبب تخوفها من انتشار العدوى إليها, خاصة و أن أغلبها يعيش هشاشة سياسة و صعوبات اقتصادية و اجتماعية تزداد استفحالا بفعل الطبيعة الجغرافية الصعبة للمنطقة .. مما استدعى تدويل القضية بعرضها على مجلس الأمن الذي أعطى الضوء الأخضر لتشكيل قوة من دول رابطة غرب إفريقيا بمساعدة لوجستيكية من دول أخرى ، وخاصة تلك القوية منها ..
لكن مباغتة الجماعات المقاتلة بالهجوم ، ربما لإحكام سيطرتها على مالي برمتها ، وذلك من خلال دحر القوات المالية في مدينة كونا القريبة من القاعدة الاستراتيجية لسفاري عجل بتدخل فرنسا التي تبقى مرتبطة بحكم علاقاتها التاريخية الاستعمارية بمستقبل الدول الإفريقية الناطقة بالفرنسية بمنع انهيار مالي وسقوطها بشكل مطلق في يد المقاتلين الإسلاميين .فيبدو انه لم يكن أمام فرنسا من بديل سوى التعجيل بالتدخل لمنع اندحار مالي . وهي في هذا التدخل تواجه تحديات متعددة من بينها السعي إلى عدم إعطاء الانطباع بكونها وحيدة في هذا التدخل ، وثانيها مرتبط بسرعة تحقيق أهدافها وخاصة ما يتعلق بتدمير بنيات الجماعات المسلحة و خلق الأجواء الآمنة لانتشار، القوة الإفريقية التي تقع عليها مهمة توحيد مالي .
المنطقة المغاربية معنية بشكل مباشر بما يجري في هذه المنطقة ، فالجزائر و موريتانيا لها حدود مع مالي. وقد سارعت في خضم التدخل الفرنسي كفعل احترازي إلى إغلاقها . وفي نفس الوقت ، فقد سمحت الجزائر للطائرات العسكرية الفرنسية باستعمال مجالها الجوي . و يعود هذا التغير في الموقف الجزائري الذي ظل يراهن على الحل السياسي إلى فشل المفاوضات مع حركة أنصار الدين التي انضم أعضاؤها إلى المقاتلين الذين هاجموا القوات المالية . لقد أدركت الجزائر صعوبة الحل السياسي في ظل هيمنة الحركات المتشددة الموالية للقاعدة في المغرب الإسلامي . هذا الأخيرة التي تسعى إلى تخفيف الضغط عن مقاتليها في مالي من خلال عمليات ارهابية من قبيل اختطاف الرهائن كما وقع في المجمع النفطي لشركة برتش بترليوم في عين امناس ، وهي عملية تكشف عن قدرات هذه الحركات في التحرك وتنفيذ عمليات يمكن أن تجعل المواجهة أكثر صعوبة ، وقد تفضي إلى حالة من الانسياخ إذا لم يتم التحكم فيها بالسرعة و الفعالية اللازمة .
المغرب معني بما يجري . فهو ينتمي إلى هذا الفضاء الصحراوي الذي أصبح بؤرة جيوسياسية مليئة بالمخاطر، وخاصة منها التحالف بين الحركات الإسلامية المتشددة و مهربي المواد المحظورة وخاصة المخدرات. وهو مبدئيا يرفض و يدين كافة الاتجاهات المتطرفة و المتشددة التي تسعى إلى فرض حالة أللاستقرار و الفوضى ، ويعمل من أجل إقرار تسوية سياسية للمشكلات التي تهدد السلم والأمن الدوليين . وبحكم كونه حاليا عضوا في مجلس الأمن يتحمل مسؤولية أكبر في المحافظة على السلم و الأمن الدوليين . فضلا عن ذلك ، فإن علاقته المتميزة مع فرنسا بفعل اعتبارات اقتصادية و سياسية و ثقافية تحتم عليه من جهة التعاون مع هذا البلد . وفي نفس الآن التركيز على أن هذه العملية تتم في إطار الشرعية الدولية حيث إن ما يجري في المنطقة أصبح شأنا عالميا . و ينبغي أن تنصب على منع تجزيئ مالي و ضرورة البحث عن حل سياسي شامل يضع حدا لحالة الفراغ السياسي الذي يعيشه هذا القطر الإفريقي ، ويفتح آفاقا لمشروع تنموي يأخذ بعين الاعتبار الخصوصيات الديموغرافية، وخاصة مطالب الطوارق من أجل حكم ذاتي. وهي قائمة منذ استقلال البلاد في الستينات . ولحد الساعة ليست هناك مؤشرات على إمكانية إرسال قوات مغربية للمشاركة في العمليات العسكرية . فحسب قرارات مجلس الأمن يمكن أن تقتصر المساهمة المغربية على مساعدات لوجستيكية .
هذا الوضع المضطرب في الساحل يؤكد صدقية الطرح المغربي الذي يعتبر أن حالة التجزئة وخلق الدويلات الفاشلة لا يمكن إلا أن يكون عامل اضطراب وتهديد للنظام الإقليمي . فالمؤشرات تبين اختراق البوليزاريو من طرف العناصر المتشددة. وهو مبدئيا لا يخدم أمن و استقرار دول المنطقة. فهناك اليوم حاجة إلى تعاون مغاربي في كل المجالات لمواجهة الأخطار الناجمة عن التطرف والتشدد والأوضاع الجغرافية وتلك الناجمة عن مخلفات ما سمي بالربيع العربي في المنطقة المغاربية .. ويبقى السؤال مطروحا حول كيفية استيعاب الأقطار المغاربية و خاصة الجزائر لحجم هذه التحديات الراهنة ، واستعدادها لفتح صفحة جديدة مرتكزة على الاندماج ونبذ الصراعات التي لا تخدم مصالح شعوب المنطقة . قد يكون من المستبعد على الأقل في الأمد القصير توقع تغير في مواقف الأطراف من قضية الصحراء التي تتشبث الجزائر باعتبارها قضية تقرير مصير لا أقل و لا أكثر .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.