الأربعاء، 23 يناير الجاري.. مصالح الجمارك في ميناء الدارالبيضاء توقف شحنة فاسدة: 7 حاويات «conteneurs» من بذور البطاطس، قادمة من هولندا، أثبتت التحاليل المخبرية التي خضعت لها في مصالح المكتب الوطني لسلامة المنتجات الغذائية أنها تحمل طفيليات قد تشكل تهديدا للمساحات المزروعة في حال انتقلت العدوى..
الأربعاء، 23 يناير الجاري.. مصالح الجمارك في ميناء الدارالبيضاء توقف شحنة فاسدة: 7 حاويات «conteneurs» من بذور البطاطس، قادمة من هولندا، أثبتت التحاليل المخبرية التي خضعت لها في مصالح المكتب الوطني لسلامة المنتجات الغذائية أنها تحمل طفيليات قد تشكل تهديدا للمساحات المزروعة في حال انتقلت العدوى.. تركنا ميناء الدارالبيضاء على مشهد المُعشّر وهو يحاول البحث عن مسالك أخرى لإدخال البذور الهولندية، وفي ذهننا يتبادر سؤال أساسيّ: ماذا لو تمكنت الشركة المستوردة، فعلا، من تجاوز كل هذه العقبات، ونجحت في إيجاد طريقة لدخول هذه الشحنة إلى السوق الوطني؟ وهل تكفي المساطر العديدة التي تؤطر عمليات دخول السلع إلى المملكة لضمان أقصى درجات الحماية للمستهلكين المغاربة؟ ما حدث يوم الأربعاء الماضي ليس إلا نموذجا لملفات كثيرة تحدُث كل يوم في مختلف نقط الجمارك في المملكة، وقليلة هي الملفات التي تجد بعضُ تفاصيلها طريقها إلى الرأي العامّ، كما هو الحال بالنسبة إلى شحنة مماثلة ضُبطت قبل أسابيع حاول مالكوها تهريب كميات من الأسلحة البيضاء المخالفة للمعايير المعمول بها وطنيا، أو محاولات لتهريب مواد غذائية أو منتجات استهلاكية أكدت الاختبارات التي خضعت لها أنها تشكل خطرا على صحة مستهلكيها، مثلما حدث قبل 3 سنوات مع شحنات من التمور العراقية والكاكاو ومستحضرات التجميل، التي أثبتت التحاليل التي أخضعت لها أنها لا تصلح للاستهلاك ولكنْ.. رغم ذلك، نجح مُستوردوها في إدخالها، اعتمادا على عمليات تدليس وتزوير وتواطؤات من أكثر من جهة، وهي العمليات التي تقرّرت فيها عقوبات ودُفعت غرامات لا تتناسب البتّة وحجمَ الخطر الذي تشكله هذه المنتجات على الصحة العامّة.. القضية أخطر مما نعتقد، وتتعلق بصحة المغاربة التي لا يهتمّ لها الكثيرون، بقدْر اهتمامهم بتحقيق الربح السريع، بدليل آلاف المنتجات التي تتزاحم في الأسواق ولا يُعرف مصدرها ولا مكوناتها ولا الأخطار التي قد تصيب المستهلك جراء استعمالها، خاصة مع تزايد التقارير والدراسات التي تشير بأصابع الاتهام إلى عدد من المنتجات القادمة من دول شرق آسيا، والتي تؤكد أنها سبب مباشر في الإصابة بعدد كبير من أنواع السرطانات والأمراض الجلية والتسمّمات.. «عْند رخصو تخلّي نْصّو».. بهذا المثل الشعبيّ يبرر أغلب المغاربة ما يلحقهم من خسارة حين يقتنون منتجات بجودة رديئة سرعان ما تتلف منذ أول استعمال.. لكنْ حين يتحوّل الأمر إلى أكبر من مجرد خسارة مادية، ويصير المثل الأصدق تعبيرا هو «عند رخصو تخلي صْحّتكْ» فهذا يفرض أكثرَ من وقفة ليعرف المغاربة ماذا يحملون إلى منازلهم، وما هي الأضرار التي يمكن أن تسببها هذه المنتجات لصحتهم ولصحة ذويهم.. ولهذا اخترنا في «المساء» ألا نبقى في موقف المتفرّج في قضية بهذه الحساسية والخطورة.. نزلنا إلى أكبر سوق في مدينة الدارالبيضاء، وهو سوق درب عمر الشهير، وبحثنا في الأخطار الثاوية وراء العديد من المنتجات المُستورَدة الموجودة في الأسواق الوطنية، التي اكتسحت منتجاتها كلّ بيت.. كانت الفكرة بسيطة، وهي أن نأخذ عيّنات عشوائية ونخضعها لتحاليلَ مخبرية، أجريناها على نفقتنا، في مختبرات مُعتمَدة من طرف الوزارة الوصية، وهي المختبرات نفسُها التي يقصدها المستوردون لإدخال سلعهم.. حصلنا على نتائج اختبارات همّت عينة من الأحذية الجلدية، وعينة ثانية من صحون «الطاوْسْ» وعيّنة ثالثة من الملابس المقاومة للبلل.. وكم كانت صدمتنا كبيرة عندما جاءت نتائج المختبر على الشكل التالي: هذه العينات تحتوي على نسب عالية من بعض المكوّنات الكيماوية والمعادن المسبّبة للسرطان. الآلاف من المنتوجات التي تزدحم بها أسواق المملكة لا يُعرف مصدرها، وحتى إنْ عُرفت الوجهة التي استقدِمت منها والطريق التي سلكت، فإنّ ذلك لا يشفع في تحديد مكوناتها والأضرار المحتمَلة التي قد تصيب صحة المستهلكين. في ما يلي نعيد ترتيب المراحل التي تقطعها السلع المستورَدة قبل أن تصل إلى أيدي المغاربة، بما فيها المساطر القانونية التي تساهم في الحد من الأخطار المحدقة بالمستهلكين، ونتطرق أيضا لبعض الحيّل التي يلجأ إليها بعض المستوردين لإدخال سلع لا تتوافق والمعاييرَ التي تحدّدها الإدارة المختصة. كما نستعرض نماذج من بعض المنتجات التي يُقبل عليها المغاربة، لرخص ثمنها، وخاصة تلك المستوردة من الصين، وهي مواد أخضعناها للتحاليل المخبرية في محاولة لنثبت خطورة ما يقتنيه المغاربة، رغم الترسانة القانونية التي يُفترَض أنها وُضعت لتحميّهم.
احذروا.. أواني وملابس وأحذية تضم مركبات مسرطنة تعج بها الأسواق العشوائية والمنظمة والمجمعات التجارية الكبرى
ماذا يعرف المغاربة عن المنتوجات المستوردة التي يقتنونها؟ تبدو الإجابة عن هذا السؤال صعبة بالنظر إلى مجموعة من العوامل المتحكمة في الأمر، أهمها لجوء غالبية المستهلكين إلى اقتناء منتجات بأسعار منخفضة، تتناسب وقدراتهم الشرائية، ما يعني جودة أقلّ، ثم غياب ثقافة استهلاكية لدى الكثيرين، مما يجعلهم يعجزون عن التمييز بين آلاف السلع التي يعرضها الباعة في المحلات وفي الشوارع والتحقق من طبيعة مكونات وتأثيراتها المحتملة على الصحة.. قبل الإجابة عن هذا السؤال، يبدو من المفيد الحديث عن عدد من المراحل التي تقطعها السلع المستوردة قبل أن تصير في متناولنا، بما فيها المسطرة المعتمَدة من طرف الجهات المختصة، ومن ضمنها إدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة، للسماح بدخول السلع والمنتجات إلى التراب الوطني عبر مختلف نقط العبور، سواء البرية أو المطارات أو الموانئ. مسطرة أولية تنص مدونة الجمارك والضرائب غير المباشرة، المصادق عليها بتاريخ 9 أكتوبر 1977، كما وقع تغييرها وتتميمها بتاريخ 5 يونيو 2000، على أنه للتمكن من تعشير البضائع عند الاستيراد يجب على صاحب الطلب (الشركة المستوردة) أو وكيله (المعشّر) أن يتقدم بالوثائق المطلوبة إلى المقاطعة الجمركية وتتضمن، على الخصوص، التصريح بالاستيراد (DUM) وورقة الشحن وورقة الاستيراد وفاتورة الشراء، ثم شهادة المنشأ، فضلا على قائمة التعبئة، ثم شواهد المصالح المختصة (بالنسبة إلى بعض الأصناف من السلع المستوردة).. وعلى هذا الأساس يخضع استيراد بضائع معيَّنة لاستكمال بعض الإجراءات الخاصة، خصوصا بالنسبة إلى الحيوانات والمنتجات الحيوانية، كتقديم شهادة بيطرية مسلمة من طرف المصالح البيطرية. كما يخضع استيراد المواد النباتية إلى تقديم شهادة المراقبة الصحية، وتسلم من طرف مصالح مراقبة النباتات. وتسلم الشهادات من طرف مصالح قمع الغش، التابع للمكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية (ONSSA) إحدى المؤسسات التي تدخل ضمن وصاية وزارة الفلاحة والصيد البحري. ويسري الأمر نفسه على بعض المنتجات الصناعية الخاضعة لمراقبة المعايير، من قبيل الألبسة والأحذية في حالة جديدة ومعدات الطبخ وآلات الغسيل المستوردة بكميات تجارية، وهي المنتجات التي تخضع لإجبارية الإدلاء بشهادة مطابقة للمعايير المغربية، مسلمة من طرف مصالح الجهوية لمراقبة المعايير والجودة، التابعة لوزارة الصناعة والتجارة. وتحدد مدونة الجمارك، أيضا، مهمة أعوان الجمارك في ما يتعلق بفحص السلع المستوردة في عمليتين رئيسيتين، أولهما مراقبة الوثائق، ويقصد بها العملية التي تقوم بها الإدارة لفحص تصريح البضائع للتأكد من أن هذه الوثائق قد حُرِّرت بطريقة صحيحة وأن المستندات الضرورية قد أرفقت بالتصريح. في حين تتعلق العملية الثانية بالفحص المادي للبضائع للتأكد، على الخصوص، من طبيعتها وصنفها وأصلها ومصدرها وحالتها وكميتها وقيمتها ومطابقة هذه العناصر للبيانات المضمنة في التصريح المفصل.. وبعد تسجيل التصريح المفصل بالبضائع، يمكن للإدارة مراقبة الوثائقّ، وعند الاقتضاء تقوم بالفحص الكليّ أو الجزئي للبضائع المُصرَّح بها.. ويجوز للإدارة أن توجه إلى المختبر عيّنات من البضائع المصرح قصد التحليل إذا كان من المتعذر إثبات صنف هذه البضائع بكيفية مُرْضية بوسائل أخرى. وهنا تبدأ مسطرة أخرى تفضي إلى قبول السلع والسماح بولوجها إلى السوق الوطنية، أو رفضها، وهذا يفرض إما التخلص منها أو إلزام المستورد بإرجاعها إلى البلد الذي استُورِدت منه. هذه هي، بتركيز شديد، المساطر المعتمَدة التي تحددها مدونة الجمارك، التي أقرّتها مديرية الجمارك والضرائب غير المباشرة لمراقبة السلع المستوردة، وتشترك فيها عدد من المصالح المرتبطة، خاصة تلك التابعة لوزارة الفلاحة والصيد البحري ووزارة التجارة والصناعة.. لكنْ، كيف يمكن التأكد من أن كل السلع التي تلج السوق الوطنية عبر نقط العبور تحترم ما تنصّ عليه مدونة الجمارك؟ وكيف يمكن التحقق، تبعا لذلك، من أنها سلع مطابقة للمواصفات القانونية المُعتمَدة، ولا تشكل أي خطر على صحة المستهلكين؟ وهل هناك، في المقابل، طرق موازية تمكّن بعض المستوردين من إدخال سلع رغم كل هذه الترسانة القانونية ورغم حرص الجهات المختصة على تطبيق القانون، مستغلين ثغرات قانونية ومسطرية، أو في بعض الحالات، بالاعتماد على «تواطؤ» بعض الأطراف؟ ثم ما هي الأخطار التي تهدد صحة وسلامة المغاربة جرّاء استهلاك هذه العينات من السلع، التي استطاعت أن تفلت من كل أشكال المراقبة؟..