أصدر المجلس الأعلى للحسابات، أول أمس الأربعاء، تقريره السنوي برسم سنة 2011، المتعلق بمراقبة التدبير واستخدام الأموال العمومية. وسلط التقرير لأول مرة الضوء على ملف التصريح الإجباري بالممتلكات ومراقبة مالية الأحزاب، حيث وقف التقرير على اختلالات كبيرة وسوء تدبير داخل العديد من مؤسسات الدولة، إضافة إلى الخروقات التي رصدتها المجالس الجهوية التابعة له.
الأحزاب.. 28.5 مليون درهم من النفقات غير المبررة
كشف المجلس الأعلى للحسابات بخصوص مراقبة مالية الأحزاب السياسية أن 17 حزبا سياسيا من أصل 35 مرخص لها بصفة قانونية لم تقدم حساباتها المالية إلى المجلس الأعلى للحسابات، فيما بلغ عدد الأحزاب، التي أدلت للمجلس بحسابات مشهود بصحتها من طرف خبير محاسب، 15 حزبا فقط. وأوضح التقرير أن مجموع أصول الأحزاب وصل إلى 160 مليون درهم، وتضم أساسا الأصول الثابتة كالأراضي والمباني بمبلغ 67.6 مليون درهم، وحسابات الخزينة بمبلغ 65.5 مليون درهم، فيما وصلت حسابات الخصوم، التي تضم على الخصوص رؤوس الأموال الذاتية إلى 127.1 مليون درهم، وديون الخصوم المتداولة إلى 20.6 مليون درهم. وأكد التقرير على أن المبلغ الإجمالي لنفقات الأحزاب المبررة بوثائق صحيحة وقانونية وصل إلى 61 مليون درهم، وهو ما يمثل نسبة 68 في المائة من مجموع النفقات المصرح بها، في حين وصلت النفقات غير المبررة إلى 28.5 مليون درهم.
الملك العمومي الخاص.. احتلال 300 ألف هكتار
بخصوص ضبط وتأمين الملك الخاص للدولة، سجل التقرير خلال عمليات المراقبة التي همت المصالح المركزية لمديرية أملاك الدولة وبعض المندوبيات الإقليمية التابعة لها، العديد من الملاحظات، من ضمنها قصور، فيما ضبط الوعاء العقاري، خاصة على مستوى التحفيظ العقاري، والخروج من حالة الشياع، والمصادرات. كما سجل التقرير أيضا نواقص في تصفية الوضعية القانونية، وعدم تصفية الاختلالات بدون سند قانوني، سواء من طرف الأشخاص الذاتيين أو المعنويين، وقد بلغت المساحة الإجمالية المحتلة بدون سند عند نهاية 2011 ما يناهز 300 ألف هكتار، 40 في المائة منها محتلة من طرف مؤسسات عمومية، و38 في المائة من طرف أشخاص ذاتين ومعنويين خواص، و16 في المائة من طرف الجماعات السلالية. وأوصى التقرير بإرساء استراتيجية مندمجة لتصفية الوضعية القانونية للعقارات غير المحفظة، وتسوية النزاعات العقارية ما بين مديرية أملاك الدولة، من جهة، والهيئات العمومية بترجيح مسطرة التراضي، وإرساء نظام معلوماتي لتسيير الملك الخاص للدولة ليكون أداة للتسيير العادي ووسيلة مساعدة لاتخاذ القرار من أجل ضبط مجمل الملك العقاري.
الملك العمومي البحري.. استغلال مفرط وغاب التنسيق
كشف تقرير المجلس الأعلى للحسابات، من خلال مراقبة تسيير الملك العمومي البحري، العديد من أوجه القصور، خاصة المتعلقة بخضوع تدبيره لنظام قانوني متجاوز وغير مناسب، ذي طابع عام يجعل منه ملكا لا يتوفر على نصوص تستجيب لخصوصيته وتعالج القضايا التي يطرحها تعريفه وتحديده واستغلاله. كما أثار التقرير محدودية هذا الإطار في حماية الملك البحري، مما تسبب في استغلال مفرط وتدهور حالته العامة، فضلا عن غياب التنسيق بين مختلف المتدخلين في تدبيره، وغياب جدول زمني توقعي في ما يخص التحديد، وبطء في سير هذه العملية، وضعف معدل تنفيذها، زيادة على عدم ملاءمة المسطرة المستعملة، واعتماد تعريفات غير موحدة في عمليات التحديد. التقرير كشف أيضا عمليات عديدة للترامي على الملك البحري في بعض الأقاليم، خاصة الرباطوتطوانوطنجة والدار البيضاء والقنيطرة وبنسليمان والمحمدية والعرائش، وهي عمليات الترامي التي بلغت في هذه المناطق فقط ما مجموعه مليونا و158 ألف هكتار. كما خصص التقرير جزءا لعمليات الاحتلال المؤقت لهذا الملك، مسجلا غلبة رخص الاحتلال المؤقت بغرض استغلالها للسكنى، وخرق قوانين التعمير، واستخلاص إتاوات بأسعار زهيدة لا تتناسب وطبيعة وموقع هذا الملك. وسجل التقرير، في ما يخص استغلال رمال البحر، العمل بإطار قانوني متجاوز، والاستغلال غير القانوني للرمال، وعمليات التجريف، وغياب مراقبة الوزارة المختصة لكميات الرمال التي يتم جرفها، والتأخر في إصدار أوامر التحصيل وعدم أداء الديون المستحقة.
الإدارة العامة للضرائب.. اختلالات وغياب استراتيجية واضحة
افتحص قضاة المجلس الأعلى المهام الرئيسية المرتبطة بعمل الإدارة العامة للضرائب من خلال تقييم إجمالي للمهام المرتبطة بتحصيل الموارد الجبائية، والمتمثلة في الوعاء والتحصيل والمراقبة والمنازعات والنظام المعلوماتي. وخلص التقرير إلى وجود اختلالات عامة في تدبير الوعاء الضريبي، وأساسا من خلال ممارسة الإقرار المنقوص، والنظام المعلوماتي غير الملائم، ومحدودية مجال المراقبة، ومحدودية عملية فرض الضريبة بصورة تلقائية، ونقص التحكم في الإدلاء بالإقرارات. وكشف التقرير بخصوص تدبير الضريبة على الشركات طول المدة التي تستغرقها عملية تسوية الوعاء، ووجود نواقص تعتري عملية إدخال بيانات الإقرارات، وعدم تكفل النظام المعلوماتي ببعض الملزمين. وسجل أيضا بعض مظاهر الخلل في تسيير القباضات، ومن بينها عدم تحسيس قباضي الضرائب بمسؤولياتهم، وكثرة الإصدارات اليدوية وممارسة مهمة أعوان التبليغ والتنفيذ للخزينة بدون أهلية قانونية، فضلا عن انعدام الرقابة على المحاسبة وإصدار قوائم محاسباتية غير موثوق فيها. وفي ما يخص تدبير المراقبة الجبائية، كشف التقرير غياب استراتيجية واضحة، وغياب وسائل للمراقبة، وبرمجة يعتريها بعض القصور، وقصور في تنظيم المهمات وفي ملفات المراقبة، ثم استعمال محدود لتحريات تطابق المعلومات وتهاون محدود. وفي ما يخص تدبير النزاعات القضائية، تم تسجيل غياب رصد مخاطر النزاعات القضائية، والضياع المتكرر للوثائق من ملفات المنازعات، وقصور التواصل بين المصالح فيما يخص النزاعات القضائية.
مكتب التكوين المهني.. عدم احترام شروط قبول ملفات الترشيح
وقف المجلس الأعلى للحسابات في الجزء المتعلق بمكتب التكوين المهني وإنعاش سوق الشغل، على مجموعة من الملاحظات، التي لم ترق، حسب النبرة التي كتب بها التقرير، إلى درجة الاختلالات، وهمت أساسا التكوين المهني وتنظيم معلومات المكتب. في المقابل، يبقى أهم ما وقف عنده التقرير مما يمكن تسميته ب"الاختلالات"، عدم احترام "شروط القبول في أسلاك التكوين المؤهلة لإعطاء دبلومات بالنسبة لعدة حالات"، لهذا شدد المجلس على ضرورة احترام شروط القبول المنصوص عليها في المرسوم المنظم لهذه العملية الصادر سنة 1987. وسجل تقرير سنة 2011 غياب مخططات تنمية قطاعية متعلقة بالتكوين المهني، رغم أن المكتب اعتمد على مخطط تنمية يتعلق بالتكوين المهني يغطي الفترة الممتدة ما بين 2003 و2008، يهدف إلى تلبية الطلب الحكومي المتمثل في تكوين 400.000 شاب. ولاحظ قضاة مجلس ادريس جطو أن "هذا المخطط لا يحتوي على مؤشرات تتعلق بتقسيم هذا الهدف إلى أهداف قطاعية". وبينما أقر التقرير بأن "المكتب يعتمد في تطوير منظومة التكوين على الدراسات القطاعية أو دراسة الجدوى التي تمكن من معرفة الطلب من العمالة لكل القطاعات الاقتصادية"، إلا أنه أثار الانتباه إلى عدم "دعم هذا الإجراء بمخططات تنمية قطاعية للتكوين". في هذا السياق، يقول تقرير المجلس بغياب "مخططات تنمية جهوية متعلقة بالتكوين المهني"، مشيرا إلى أنه "باستثناء المديرية الجهوية للشاوية تادلة، لا تتوفر باقي المديريات الجهوية التي تمت زيارتها على مخطط تنمية جهوي للتكوين المهني". كما وقف التقرير على مجموعة من النقط المرتبطة بغياب مخططات تنمية لمؤسسات التكوين المهني، التي رغم أنها من المفترض أن تتوفر على مخططات تنمية توضح رؤيتها، على مدى عدة سنوات، إلا أن التقرير أكد "غياب هذه المخططات في أغلب مركبات ومؤسسات التكوين التي تمت زيارتها، لاسيما تلك المتخصصة"، مضيفا "في الحالات النادرة التي يتم فيها إعداد هذه الوثيقة من طرف بعض المركبات، تقتصر على وضع التطور الكمي لخريطة التكوين المهني وحاجيات الاستثمار المترتبة عنها". وفي مجال التكوين، أقر التقرير بوجود خلل في تتبع المتدربين ووجود خصاص على مستوى المكونين، بالإضافة إلى عدم ملاءمة كفاءات المكونين مع برامج التكوين.
التعاون الوطني.. المدير العام يبيع قطعة أرضية ويقتني عمارة خارج المساطر القانونية
أكد المجلس الأعلى للحسابات أن تسيير مؤسسة "التعاون الوطني" يعاني من مجموعة من النقائص تعزى إلى ضعف في نهج الحكامة وغياب استراتيجية واضحة. فيما يخص الحكامة، فقد سجل التقرير أن مدير المؤسسة اتخذ قرارات هامة من طرفه دون الموافقة المبدئية للمجلس الإداري، من بينها إقدام "المدير العام للتعاون الوطني في دجنبر 2010 على بيع قطعة أرضية كانت مخصصة لبناء مقر التعاون الوطني، وذلك دون الموافقة المبدئية للمجلس الإداري. وقد عارض هذا الأخير خلال جلسته المنعقدة في فبراير 2011 هذا البيع وقام برفع دعوى قضائية لوقف هذه المسطرة"، كما أكد التقرير أن المدير العام، ودون قرار مسبق للمجلس الإداري، قام باقتناء وتهيئ عمارة بالرباط، ليتم استعمالها كمقر للتعاون الوطني بمبلغ يفوق 22 مليون درهم. أما فيما يتعلق باستراتيجية ومقاربة العمل، فإن تقرير سنة 2011، اعتبر أن عمل التعاون الوطني يتسم "بارتجالية تتجلى في التغييرات المتكررة لمخططات عمله بدون دراسة أو تقييم مسبقين"، مسجلا تداخلا في مخططات العمل من سنة لأخرى منذ سنة 2004، "بالإضافة إلى أن عدم إنزال كل مخطط بشكل كامل، لا يفسح المجال لرؤية مشتركة على المدى المتوسط والمدى البعيد"، وأقر التقرير أيضا بأن عمل "التعاون الوطني يتسم بالقصور في استهداف الفئات المحتاجة فعلا للمساعدة الاجتماعية". واعتبر التقرير كذلك أن المؤسسة تعتمد مقاربة عمل لا تهتم بالجودة وتركز على "الجانب الكمي في تحقيق الأهداف، حيث يعتبر أن العدد المرتفع للمستفيدين من خدماته هدفا في حد ذاته، ويبرر التعاون الوطني هذه المقاربة بمحدودية موارده والرغبة في تلبية الطلبات الاجتماعية التي ما فتئت ترتفع".
وكالات الإنعاش والتنمية.. دعم غير مراقب للجمعيات في الجنوب وعدم توازن استثمارات الوكالة بين أقاليم الشمال
أولى الملاحظات البارزة في الجزء المتعلق بوكالات الإنعاش والتنمية الاقتصادية والاجتماعية، الدعم المخصص للجمعيات من طرف وكالة التنمية بالجنوب للجمعيات، وهو دعم، يقول تقرير المجلس الأعلى للحسابات، غير خاضع للمتابعة والمحاسبة. وأكد قضاة إدريس جطو أن أزيد من 53 جمعية توصلت بدعم مالي من طرف وكالة الجنوب يفوق 500 ألف درهم، دون أن تقدم حسابات مصادق عليها من طرف خبير محاسباتي خارجي، وهو ما يخالف مقتضيات منشور صادر عن الوزارة الأولى سنة 2003. وأقر التقرير، في هذا السياق، بأن التقارير المالية المصادق عليا من طرف سلطات الوصاية، بخصوص الدعم المقدم للجمعيات لا تمكن من تأمين استعمال هذا الدعم لغاية تحقيق الأهداف المرجوة. ووقف التقرير على عدة اختلالات شابت مشروعا سكنيا، قام المستفيدون الأولون منه بإعادة بيع البقع التي حصلوا عليها إلى أشخاص غير منتمين إلى نفس المهنة. وفيما يتعلق بوكالات التنمية بالشمال، فأبرز ما سجله التقرير اتباع الوكالة لمقاربة "تعتمد على استعمال المسالك غير الرسمية أو العلاقات، أكثر من اعتمادها على مساطر معدة سلفا"، مثيرا الانتباه إلى "غياب وثيقة رسمية تعرض التوجهات الاستراتيجية للوكالة وتحدد الأسس التي تنبني عليها العمليات المعتمدة". كما يسجل التقرير أن "توزيع المشاريع في الفترة الممتدة من سنة 2006 إلى سنة 2011 يعرف تفاوتا كبيرا بين أقاليم وعمالات الشمال"، ويستدل على هذه النقطة باستحواذ جهة طنجة – تطوان على 70 في المائة من استثمارات الوكالة، في حين استفادت جهة الحسيمة من 14 في المائة من ميزانية التنمية لتنفيذ برنامج استعجالي بعد الهزة الأرضية التي تعرضت لها مدينة الحسيمة في سنة 2003. فيما يخص وكالة التنمية بأقاليم وعمالات الجهة الشرقية، فقد وقف التقرير على "غياب التنسيق مع مختلف المتدخلين في مجال الأنشطة المدرة للدخل والتنمية. فعلى الرغم من مساهمة الوكالة في تمويل بعض المشاريع التي تندرج في إطار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، فإنها لم تقم باعتماد أي آلية للتشاور مع باقي المتدخلين المعنيين بهذا المجال، خاصة وكالة التنمية الاجتماعية".