طغت حادثة قذف الصحفي العراقي منتظر الزيدي الرئيس الأمريكي جورج بوش بالحذاء خلال مؤتمر صحفي في بغداد، على باقي الأخبار داخل الولاياتالمتحدة، كما أن الحادثة تحولت إلى عناوين ساخرة في برامج الفكاهة الساخرة ونشرات الأخبار الجادة على حد سواء، دون أن تسجل أي تعاطف شعبي مع الرئيس جورج بوش. «تمنيت لو كان الرئيس بوش سريعا في الاستجابة لكارثة كاترينا كما كان سريعا في تفادي فردتي حذاء الصحفي العراقي». هكذا بدأ الكوميدي «ديفيد لاترمان» برنامجه «ليت شو» الفكاهي الذي يحظى بمتابعة شعبية كبيرة على قناة CBS الأمريكية قبل يومين. ولم يكتف «لاترمان» بهذه الجملة فقط تعليقا على ما أصبح يعرف داخل الولاياتالمتحدة ب»حادثة الحذاء»، ولكنه سرد لائحة طويلة مما وصفها بالكوارث التي تسبب فيها الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن خلال سنوات حكمه، وتمنى «لاترمان» لو كان بوش سريع البديهة في التعامل معها كما تعامل مع محاولة ضربه بالحذاء. ومن بين تلك «الكوارث» ذكر «لاترمان» حربي العراق وأفغانستان ومعتقل غوانتنامو والأزمة الاقتصادية الخانقة وقانون مكافحة الأرهاب... ولم يكن «لاترمان» الكوميدي الوحيد الذي افتتح برنامجه ب«واقعة الحذاء»، فمعظم نجوم برامج الكوميديا على شبكات الكيبل الأمريكية اعتبروا أن الحادث كان هدية من السماء لهم في وقت عزت فيه الأخبار الطريفة التي يمكنهم استعمالها في برامجهم المسائية، بسبب اقتراب موعد الاحتفال بعيد الكريسمس وتحول أخبار الأزمة الاقتصادية التي ضربت الولاياتالمتحدة إلى «وجبة» بائتة فقدت أهميتها وجاذبيتها لصناع النكتة على شاشات التلفزيون، بالإضافة إلى عدم ظهور تفاصيل ساخنة جديدة في ملف الفساد السياسي بولاية إلينوي. شماتة إعلامية لم تستطع مذيعة شبكة CNN المشهورة «كيرا فيليبس» مغالبة ضحكتها عندما كانت تسأل أحد ضيوف نشرتها الزوالية يوم الثلاثاء الماضي عن الحمولة السياسية ل«القذف الحذائي» الذي تعرض له الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن من قبل الصحفي منتظر الزيدي. لكن ابتسامة المذيعة «فيليبس» التي رأى البعض أنها كانت غير لائقة، توارت تماما وراء قهقهات الإعلاميين العاملين بشبكة MSNBC الذين احتفوا بالخبر وعمدوا إلى بث وإعادة بث شريط فيديو الحادثة طوال اليومين الماضيين، مع التأكيد على أن بوش واجه بوجه سافر نتيجة سياساته الخرقاء في منطقة الشرق الأوسط ودفع ثمنها من سمعته التي «تلوثت» بحادثة الحذاء إلى الأبد. وبدت الكثير من المنابر الإعلامية الأمريكية الليبرالية وكأنها «شامتة» في رئيس البلاد الذي حاول جاهدا تجاهل ما حدث في بغداد، وخرج يطل على الجمهور الأمريكي من خلال مقابلات صحفية وداعية مطولة لم يقل فيها شيئا جديدا، ودافع فيها مجددا عن سياساته الداخلية والخارجية، مشددا فيها على أن التاريخ سينصفه وسيؤكد للأمريكيين وللعالم أجمع صواب قراراته المثيرة للجدل! وحتى تلك المقابلات الصحفية لم تحظ بمتابعة شعبية كتلك التي حظيت بها تغطية «حادثة الحذاء». فمعظم قنوات الكيبل الأمريكية استدعت جيوش محلليها المتخصصين في شؤون الشرق الأوسط والثقافة العربية لتقريب المشاهد الأمريكي من معاني الضرب بالحذاء في الثقافات المحلية لبلدان المنطقة، بالإضافة إلى تحليل سبة «الكلب» (التي أطلقها الصحفي العراقي في حق بوش قبيل قذفه بالحذاء) للمشاهدين الأمريكيين المغرمين بكلابهم، والذين ينادون خلانهم أو أحباءهم أحيانا بالكلب «دوغ»، والذين لا يعتبرون ذلك سبة أبدا بل يعتبرونه تدليلا وحبا وألفة! عدوى الأحذية الصحفيون والكوميديون داخل الولاياتالمتحدة لم يكونوا الأشخاص الوحيدين الذين «ابتهجوا» بالقذف الحذائي لبوش، فقد استوحى مدافعون عن حقوق الإنسان ونشطاء يساريون في العاصمة واشنطن فكرة القذف الحذائي ونظموا مظاهرة احتجاجية صامتة أمام أسوار البيت الأبيض صباح الأربعاء، وضعوا خلالها العشرات من أزواج الأحذية البالية والممزقة أمام مدخل البيت الأبيض، ورددوا شعارات مناوئة للرئيس الأمريكي جورج بوش، وطالبوا بمحاكمته ومحاكمة نائبه ديك تشيني وعدد من المسؤولين في الإدارة الأمريكية الحالية. ويبدو أن «عدوى الأحذية» قد طالت حتى المواطنين الأمريكيين العاديين والغاضبين من سياسة بعض مسؤوليهم، فقد أوردت صحيفة «نيويورك ديلي نيوز» أن أحد سكان نيويورك ويدعى «ستيفن ميليس» كان يشارك في اجتماع لموظفي شركة السكك الحديدية «أمتراك» طلب الميكروفون لإلقاء كلمة مناهضة لخطط زيادة ثمن بطاقات القطار السنة القادمة، لكنه ما أن أمسك بالميكروفون حتى بدأ يكيل الشتائم لرئيس الشركة ثم صرخ قائلا: «أينك يا إليوت ساندر؟ إرفع رأسك كي أراك.. لقد أخبروني بأنك تتقاضى أجرا يفوق 300 ألف دولار في السنة... حسنا، إليك هذا الحذاء أيضا»، وسرعان ما انحنى المواطن الغاضب لفك فردة حذائه عن قدمه اليسرى، إلا أن رجال الشرطة سارعوا إلى مكان جلوسه وطوقوه ومنعوه من قذف الحذاء ثم كبلوه وساقوه خارج القاعة! كما سارع عدد من المواقع الإلكترونية إلى تصميم لعب فيديو ساخرة تمكن الزوار من تسديد ضربات أحذية متنوعة الأشكال والألوان وحتى الأحجام على رأس الرئيس الأمريكي الذي يحاول خلال اللعبة الاحتماء خلف ظهر رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي الذي بدا في اللعبة لابسا سروالا قصيرا أسود وقفازات ضخمة سوداء أيضا. غضب الفوكس ولم يحظ الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن بأي تعاطف شعبي أو إعلامي يذكر داخل الولاياتالمتحدة عقب حادثة الحذاء، ويبدو أن معدلات تأييده المتدنية وغير المسبوقة في تاريخ الولاياتالمتحدة قد ظهرت جليا في ردود الأفعال «المبتهجة» لبعض الشباب على المواقع الاجتماعية بشبكة الأنترنت. فقد كتب شباب أمريكان على صفحاتهم الشخصية بمواقع «فيسبوك» و«ماي سبيس» و«رييونيون» جملا من قبيل «بوش لقي ما يستحق» و«كان يستحق ما وقع له» و«تمنيت لو أن الصحفي سدد بشكل أفضل»... كما أن عددا كبيرا من المتصلين بالبرامج الإذاعية المباشرة أعربوا عما وصفوه بحيادهم الكامل في هذه المسألة، وقالت متصلة من شمال ولاية فرجينيا ببرنامج حواري تفاعلي على إذاعة NPR: «في الحقيقة لم أحس بالخزي أو العار أو حتى الغضب لما حصل للرئيس بوش، فرغم أنني مواطنة أمريكية فإنني لا أشعر بأنه يمثلني في الخارج... ما قام به الرئيس بوش كان سيئا جدا لمصالحنا وصورتنا في الخارج، ولهذا فإنه يتحمل وحده مسؤولية ما وقع في بغداد». لكن المذيع «بيل أورايلي» بشبكة «فوكس نيوز» لم يتردد في التعبير عن «اشمئزازه» مما وصفها بوضاعة الصحفي العراقي «الذي لم يعرف كيف يستفيد من الحرية التي أتيحت له في بلاده بعد عقود الديكتاتورية الصدامية، وعوض أن يقف ليطرح أسئلة محرجة أو يحاسب رئيسنا على ما يراه هو أشياء غير صائبة، قرر خلع حذائه وقذفه في وجه الرئيس بوش بكل وضاعة وجبن وخرق لميثاق أخلاقيات الصحافة... كنت أود أن أرى مثل هذه الشجاعة أيام صدام الدامية، وأود أن أتساءل هنا مالذي كان سيحل بهذا الصحفي لو قام بذلك خلال حقبة حكم الرئيس العراقي السابق». وختم المذيع الأمريكي المعروف بنزعته اليمينية المتطرفة حديثه الغاضب قائلا: «هذه هي مشكلتنا مع الإسلاميين، نذهب إليهم ونحررهم ونعطيهم فرصة للتعبير عن أنفسهم، ولكنهم لا يعرفون كيف يتعاملون بتحضر ولا يستغلون ذلك لتحسين حياتهم ومستقبلهم، ويقومون باستغلاله أسوأ استغلال، إنه شيء مثير للحيرة حقا»!