في ما يخص المادة 18 المكررة فهي تتعلق بإدراج المداخيل والنفقات الناتجة عن العمليات المتعلقة بحسابات الخزينة ضمن مكونات ميزانية الدولة، وذلك ابتداء من فاتح يناير 2015. وقد انصب الطعن في مقتضيات هذه المادة على إقرار المشرع بوجود حسابات خارج نطاق الحسابات الخصوصية للخزينة، وهي حسابات يتعارض وجودها مع قاعدة وحدة الميزانية، فضلا عما يحيط بهذه الحسابات من سرية وعدم خضوع تدبيرها للمساطر القانونية المعمول بها؛ كما أن التصرف فيها ينفلت من أية رقابة قبلية أو بعدية للبرلمان. ومن ثم، فإن تأجيل إدراجها في الميزانية العامة للدولة إلى فاتح يناير 2015، يعتبر غير مقبول لعدم استناده إلى أساس سليم يبرره، لكون التأجيل المذكور يؤدي إلى استمرار التصرف في أموال عامة في غياب الوضوح والشفافية وانعدام أية ضمانات للرقابة. وفي ما يتعلق بالمادة 25 فإنها تتعلق بتغيير الحساب المرصود لأمور خصوصية المسمى «صندوق دعم التماسك الاجتماعي»؛ فالجانب المدين لهذا الحساب يتضمن «دفع مبالغ المساهمات، في إطار اتفاقي، لفائدة الجمعيات المعنية بتفعيل برنامج تيسير الرامية إلى محاربة الهدر المدرسي». ويؤاخذ على هذه المقتضيات أن الأموال العمومية ستدفع لفائدة جمعيات معينة بكيفية تتعارض مع أهداف الحسابات الخصوصية للخزينة؛ فلا يوجد تشريع ولا تنظيم ولا التزامات تعاقدية تفرض على الدولة دفع مساهمات للجمعيات من أجل محاربة الهدر المدرسي، فضلا عن غياب إطار قانوني دقيق ومعلوم لما يسمى «برنامج تيسير»، لذلك فهذه المقتضيات تؤدي إلى تدفق المال العام بدون وجه حق إلى جهات غير محددة المعالم، مما ينتج عنه تبذير المال العام في أغراض غالبا ما ستفتقر إلى الشفافية وتبتعد عن خدمة المصلحة العامة. وهكذا، فالطعن الدستوري لم يقتصر على دفع واحد كما يروج له البعض وإنما تمحور حول كل ما سبق من مآخذ وما يثار حولها من نقاش واختلاف للتأويل ووجهات النظر. وبما أن المجلس الدستوري هو بمفرده المؤهل لمراقبة دستورية القوانين، فإن الطعن في مقتضيات قانون المالية 2013 ينبغي أن تتم قراءته في هذا السياق لا غير. وبما أن مجلس النواب لم يتمكن من المصادقة على القانون المالي في قراءته الثانية إلا يوم الجمعة 28 دجنبر 2012 في حدود الساعة السادسة مساء، فإنه لم تكن متيسرةً إحالةُ الطعن المذكور على المجلس الدستوري قبل المصادقة عليه من قبل مجلس النواب، لذلك فلم يكن من الممكن إيداع الإحالة على المجلس الدستوري إلا يوم الاثنين 31 يوليوز 2012، لكن في الوقت الذي كان فيه الموقعون على رسالة الإحالة يقومون بالترتيبات الضرورية للإحالة كانت الحكومة قد قامت بالإجراءات المؤدية إلى إصدار القانون موضوع الطعن، وبالفعل تم إصدار الأمر بتنفيذ هذا القانون في نفس اليوم الذي تمت فيه المصادقة عليه من قبل مجلس النواب، أي في 28 دجنبر، وهو ما لم يكن معلوما إلا بعد النشر في الجريدة الرسمية يوم 31 دجنبر 2012، أي نفس اليوم الذي أحيلت فيه الإحالة على المجلس الدستوري. وإذا كان المجلس الدستوري قد استند في قراره إلى تاريخ إصدار الأمر بالتنفيذ وليس إلى تاريخ النشر، وهو في ذلك منسجم مع مقتضيات الدستور، فإن إسراع الحكومة بمسطرة إصدار القانون المذكور بكيفية استثنائية وغير مسبوقة فوت الفرصة على النواب لممارسة صلاحياتهم الدستورية، كما فوت الفرصة على المجلس الدستوري للتصدي لمضمون الطعن وإصدار اجتهاداته حول المآخذ المتعلقة به، خاصة إذا علمنا بأن إعمال مسطرة إحالة قانون المالية على المجلس الدستوري لفحص دستوريته يكتسي أهمية بالغة، ليس فقط لكون هذه المبادرة هي الأولى من نوعها في ظل الدستور الجديد، وإنما لأنها تأتي بعد أكثر من عشر سنوات، أي منذ إحالة قانون مالية سنة 2002. ومن الملاحظ أنه في غياب استحضار هذه الوقائع لا يمكن فهم ملابسات الطعن الدستوري وقرار المجلس الدستوري في الموضوع، كما أن مسطرة الطعن في دستورية القوانين مسطرة يضمنها الدستور ويحدد شروطها، ومن ثم لا يمكن اعتبار إعمال هذه المسطرة عرقلة للعمل الحكومي، فهي مسطرة مألوفة في الحياة البرلمانية للدول الديمقراطية؛ ففي فرنسا، مثلا، كل القوانين المالية تحال على المجلس الدستوري، مما يساهم في إثراء الاجتهادات الدستورية وغزارتها ويؤدي إلى الحسم في القضايا الخلافية بكيفية ملائمة. وهكذا، تعتبر الإحالة على المجلس الدستوري للطعن في دستورية القوانين ضمانة لحماية مقتضيات الدستور، ومن ثم يتعين تشجيعها وتوفير الظروف الملائمة للقيام بها وليس إحباطها حتى تصبح ممارسة عادية ومألوفة في الحياة القانونية في بلادنا، وتزداد الحاجة اليوم إلى تفعيل مسطرة الإحالة أكثر من أي وقت مضى بسبب تحديات المرحلة التأسيسية لما بعد الدستور الجديد وما تستلزمه من قوانين مهيكلة. ومن المؤمل أن تكون مراجعة القانون التنظيمي للمحكمة الدستورية فرصة لتطوير مسطرة الإحالة وتدقيقها بما يكفل ضمان إعمال هذه المسطرة بسلاسة وتفادي الأساليب الملتوية للحيلولة دون ذلك كما وقع بالنسبة إلى إحالة الطعن الدستوري في قانون المالية هذه السنة. محمد حنين