يعتبر النظام الغذائي المغربيّ الأصيل، الذي تبنّاه أجدادنا، من الأنظمة التي تميّزت بعادات صحية تعتمد على أغذية وأساليب تتميّز بالبساطة، والذي جعل من الطبق المحضّر طبقا صحيا، فالخبز، مثلا، من الأغذية الأساسية في الوجبة المغربية والعربية، ففي الماضي كان الخبز الكامل، الذي يعتمد على «النخالة» من الأساسيات، وكان الخبز الكامل قاعدة من قواعد التغذية، والآن أصبح استثناء.. وإذا اخترنا أن نتحدث عن «النخالة» فلأنها كانت من أشهر المغذيات، فالنخالة هي الطبقة الخارجية الصلبة من الحبوب، تحتوي على نسبة عالية من الألياف الغذائية وعلى العديد من المعادن والفيتامينات، وهي تساهم في إعطاء الجسم الألياف التي يُنصَح بأن تكون ضمن الغذاء اليومي، فهي غنية بالألياف الغذائية والأحماض الدهنية الأساسية وتحتوي على كميات كبيرة من النشا، البروتينات، الفيتامينات والمعادن، حيث تعطي هذه المكوّنات نتائج مفيدة جداً لحالات عسر الهضم والمغص، ويمكن أن يتناولها الكبار والصغار على حد سواء، فهي تقوّي الأعصاب والدماغ وأجهزة التناسل والدم والعظام والأسنان والشعر.. وتعدّل وظيفة الغدة الدرقية، تنشّط العصارات الهضمية، تحفظ الجسم من عدة أمراض، تعطي الحيوية والنشاط وتخفض أيضا مستويات الكوليسترول في الدم.. فنخالة الأرز، مثلا، تحتوي على مادة معقدة، تسمى «الأوريزانول»، وهي مماثلة لتلك الأدوية الأخرى التي تخفض نسبة الكولسترول. كما أن كل أنواع النخالة وكل الأطعمة الغنية بالألياف تلعب دوراً هامّاً في عملية التحكم في الوزن، حيث إنها تعطي إحساسا بالشبع دون تناول كميات كبيرة منها، فلا يلجأ الشخص إلى تناول كميات كبيرة من الطعام وزيادة الوحدات الحرارية التي يتناولها.. ونلاحظ انخفاض الاصابة بالسرطان والنوبات القلبية الناتجة عن السمنة عند الشعوب التي يضمّ نظامها الغذائي كميات كبيرة من الألياف.. ويحتوي الخبز، خبز النخالة أو ما يعرف بالخبز الكامل، على مستويات أقلَّ من السعرات الحرارية الموجودة في الخبز الأبيض، حيث تقلّ نسبة السعرات الحرارية كلما زادت نسبة النخالة، ذلك أن الأخيرة هي من الألياف الغذائية سهلة الهضم، والتي تساعد على سهولة حركة الأمعاء وأيضا سهولة إخراج الفضلات وتقليل بقاياها في الجسم، وهذا يحول دون الإصابة بالإمساك. كما تساعد على خفض مستوى سكر الدم عند مرضى السكري بشرط الاستمرار في استخدامه، ثم تساهم في تعديل مستوى دهون الدم، حيث تعمل على عزل الدهون الغذائية وتعوق امتصاص بعضها. كما أنها تحلل بواسطة البكتيريا في القولون وتنتج أحماضا دهنية قصيرة في السلسلة، وهذه الأحماض تلعب الدور الأساسَ في التحكم في دهون دم المريض أو البدين. ومن أهم استخدامات النخالة: الخبز الأسمر، إن مصدر أنواع الخبز المتوفر في الأسواق هو القمح، حيث إنه يتم طحن القمح كحبة كاملة، فإذا تم استخدام هذا الناتج كما هو فسنحصل على الخبز الأسمر، والمعروف باسم «الخبز الكامل»، والذي يحتوي على الدقيق الأبيض الموجود في حبة القمح ودقيق غلاف الحبة، أما إذا تم فصل الدقيق الأبيض عن الغلاف، عن طريق استخدام منخل وعمل غربلة فإننا سنحصل على الدقيق الأبيض، الذي يصفى من المنخل، والذي يمكن أن يعطي الخبز الأبيض، أما المتبقي على المنخل فإنه يكون «النخالة» ويصنع منه خبز النخالة، و هو يحتوي على نسبة كبيرة من الألياف الغذائية والفيتامينات والمعادن.. إنّ جميع هذه الأنواع تعطي سعرات حرارية، ولكن الدقيق الأبيض يعطي أكثرها وهو لا يحتوي على ألياف غذائية أو فيتامينات بشكل جيد. لماذا نُلحّ على أهمية الخبز المصنوع من القمح الكامل، والذي نطلق عليه «الأسمر» وعلى أفضليته صحيا على الخبز الأبيض؟ في الواقع إن هناك فارقين أساسين بين الخبز الأسمر والأبيض، يكمن الأول في التصنيع والثاني في القيمة الغذائية، فالطحين يُصنع من نبات القمح، والقمح يتكون من النخالة وجنين القمح وطبقة نشوية تدعى «الأندوسبرم»، وهذه الأجزاء الثلاثة تحتوي على العناصر الغذائية المهمة، وإذا بقيت هذه المكونات كما هي عند طحن القمح فإننا نسميه طحينا كاملَ القمح، أما الطحين الأبيض فهو يُصنع من القمح بعد إزالة النخالة وجنين القمح ولا يتبقى سوى الطبقة النشوية ما يجعله يفقد 30 عنصرا غذائيا مهمّة للجسم، منها الألياف والفيتامينات والحديد.. كما أن هذه الطبقة النشوية تتحوّل، في نهاية الأمر، إلى سكر يُخزَّن في الجسم على شكل دهون، ولهذا الفارق تأثير كبير على صحتنا، إذ إنّ إزالة النخالة وجنين القمح يُفقد الألياف المهمة، والتي لها فوائد جمة على الصحة. كما أن الأطفال الذين يحتوي غذاؤهم على ألياف أكثر يكونون أقلَّ عرضة للإصابة بداء السكري.. وبما أن الخبز يعتبر جزءاً مهمّاً في وجباتنا الرئيسة فلا بد لنا أن نتأكد من أن هذا المصدر الغذائيَّ يفيد صحتنا، نقول ذلك رغم أن كثيراً منا لا يرغبون في طعام الخبز الأسمر كامل القمح لأننا اكتسبنا طعم الخبز الأبيض منذ الطفولة وتعوّدنا عليه، لذا لا بد لنا من تعويد أطفالنا على تناول الخبز كامل القمح ليصبح طعما مكتسَباً لديهم، ويكون مصدرا مفيدا للألياف والحديد والفيتامينات، فلا إفراط ولا تفريط، لأنّ حتى المبالغة في استعمال النخالة تؤدي إلى مشاكل منها الأمعاء الملتهبة، وهي حالة مرضية تصبح فيها الأمعاء ملتهبة ومنقرة بتقرحات صغيرة، إضافة إلى ذلك يعيق حمض الفيتيك الموجود في النخالة النيئة امتصاص الكالسيوم والحديد والزنك والمغنسيوم ومعادن أخرى مهمة للجسم، وتقضي الأنزيمات الموجودة في الخميرة على معظم حمض الفيتيك خلال عملية إعداد الخبز، كما تدمّر الحرارة معظم حمض الفيتيك.. وتذكروا أن الداء والدواء في الغذاء وأنّ المرض وارد والشفاء مطلوب والوقاية خير من العلاج.. محمد أحليمي أخصائي في التغذية