ابتليت مؤسساتنا التربوية بتلاميذ تتطوّر «ملكاتهم» يوما بعد آخر في ابتكار أنواع جديدة من الغش وخداع أولياء الأمور والساهرين على تسيير المؤسسات العمومية، وخاصة عند التأخير عن الموعد المحدد لولوج المدارس، ما يجعل بعض التلاميذ يرابضون أمام أبوابها في انتظار أن يلين قلب الساهر على حراسة الباب المدرسي، والذي غالبا ما لا يقدر انعكاسات فعلته بترك التلاميذ، وخاصة المراهقين منهم، خارج المدرسة بحجة التأخير، مما يجعل بعض هؤلاء التلاميذ يبتكرون طرقا جديدة من أجل التحايل على الإدارة والآباء ودخول المدرسة، من قبيل «استئجار» أولياء من الشارع من طرف التلاميذ المتغيبين أو المعاقبين من طرف الأساتذة كإجراء وقائيّ ضد عقاب الأولياء الحقيقيين، الذين عادة ما يعاقبون أبناءهم على مثل هذه السلوكات.. وإذا كان بعض «أولاد الحلال» يؤدّون هذه «الخدمة» لوجه الله، فإن بعض المستأجَرين يشترطون مبلغا من المال،مقابل هذه الخدمة، التي تستهدف استغفال إدارة المؤسسة التعليمية والتملص من مساءلة الآباء عن سبب الغياب. هي لم تصبح «موضة» جديدة بعدُ ولكنها في تزايد كبير ومثير للمخاوف أمام انشغال الآباء والأمهات بتحصيل لقمة العيش ومكوث الأبناء طيلة اليوم بعيدا عن مراقبة أولياء أمورهم، ما كان له وقع شديد وتأثير في تدني المستوى الدراسي وعدم رغبة التلاميذ في حضور جميع الحصص الدراسية، وخاصة حصتي الفرنسية والرياضيات، وهو ما حذا ببعض المؤسسات التربوية التي فطنت إلى هذا الأسلوب الملتوي إلى إلزام الأولياء الذين يصطحبون أبناءهم بضرورة الإدلاء ببطاقة التعريف الوطنية، لاستبيان علاقة التلميذ بالشخص المرافق له.. ولكنْ في المؤسسات التي لا تعمل وفق هذا القانون، غالبا ما يتم التحايل عليها ليبقى التلميذ بعيدا عن أي مساءلة حقيقية من طرف الأولياء الحقيقيين. في هذا الصدد يعترف كمال، وهو عامل بسيط، بأنه «أنقذ» العديد من أبناء حيه من توبيخ أهاليهم عندما كان يصطحبهم إلى المؤسسة التربوية على أساس أنه «أخوهم الكبير»، ولكنّ هذا الاصطحاب تحكمه اتفاقية تنفذ بنودها قبل الإقبال على هذه الخطوة، وهي أن يشتري كل واحد من التلاميذ علبة سجائر من النوع الجيد ل«وليّ الأمر» المزيف، الذي تحول مع الوقت إلى «وليّ صالح» يحجّ إليه التلاميذ المغضوب عليهم من الأحياء المجاورة بعد أن ذاع صيته.. ولكنْ ماذا يفعل وهو يصطحبهم؟! قال كمال: «إمعانا في تقمّص الدور أقوم بصفع التلاميذ وتوبيخهم أمام المعلمين، ما يوحي بأنني أخوهم الكبير فعلا، لكنْ عندما يلتقون بي خارج المؤسسة يقولون لي بغضب شديد: لمْ نتفق على الصفعات!».. خالة مزيفة! إذا كانت فئة من التلاميذ تستأجر بعض المعارف لاصطحابهم إلى مدارسهم، فهناك تلاميذ لا يتوانون في الاستعانة بأيّ شخص قد يمر إلى جانبهم، ومن ذلك ما روته لنا نبيلة، وهي ربة بيت، حيث قالت: «كنت مارة إلى جوار إحدى إعداديات الدارالبيضاء، فجاءتني فتاة تمشي على استحياء وطلبت مني أن أدخل معها إلى المؤسسة بغرض التوسّط لها عند أستاذ اللغة الفرنسية، الذي طردها بسبب عدم إنجازها واجباتها المدرسية وإجبارها على اصطحاب ولي أمرها.. وسرعان ما استجبتُ لطلبها واتفقنا على أن أؤديّ دور أمها، ومن حسن حظي وحظها أنّ الأستاذة لم تفطن إلى الخدعة، لاسيما أنني قمت بضربها وأيضا توبيخها على فعلتها، في مساندة مني لقرار الأستاذ، وبقيتْ هي مطأطأة الرأس.. وعندما خرجتُ من المؤسسة وجدت تلميذات أخريات يستجدين المارة لأداء دور الأب أو الأم!».. أما عبد الغني، الذي أصبح الآن إطارا في إحدى الشركات الخاصة، فيتذكر تجربته قائلا: «كنت أدرس في مدينة الدارالبيضاء بينما أقيم في مدينة برشيد، لذلك أصل كل يوم متأخرا إلى الثانوية، فضاق الحارس العامّ ذرعا من تأخري المستمر وأبلغ المدير، الذي طلب مني أن أحضر والدي، فخرجت إلى الشارع واصطحبت سيدة عجوزا كانت تبدو «مثقفة» وأقنعتُها بضرورة مساعدتي، خاصة أن أبي وأمي لا يقطنان في الدارالبيضاء.. فرقّ قلبها لحالي واستجابت لتوسلاتي ودخلت معي إلى الثانوية، ولكنّ «الخطة» التي أعددتها معها سلفاً سرعان ما انكشفت، لأنني أخبرتهم أنها خالتي، ولكن الحارس العام فطن إلى كذبتي لإصراره على إظهارها بطاقة التعريف الوطنية ليكتشفوا كذبي، ويقوم الحارس العامّ بتوبيخي والعجوز المسكينة ويمدد لي العقاب إلى ثلاثة أيام، إلى حين حضور وليّ الأمر الحقيقي، حيث أحضرت أبي، الذي لم يكتفِ بصفعي وتوبيخي، بل شرع في ضربي، مستنكرا تصرفاتي، لأنال عقابا مضاعَفا، في البيت وفي المدرسة». راقبوا أبناءكم حسب بعض الخبراء التربويين من الواجب على كل أب وأم ألا يتماطلوا أو يستخفوا بأهمية مراقبة أبنائهم، لأنّ ذلك جزء من مسؤوليتهم التربوية تجاه أبنائهم، مهما كبروا، تجنبا لما لا تحمد عقباه في المستقبل، فكم من تلميذ تسبب تأخره عن موعد الدخول المدرسي في لقاء أصدقاء السوء ومصادفتهم، والذين يستغلون تواجده أمام باب المدرسة ليمرّروا له أفكارهم السيئة وينالوا منه بإعطائه سيجارة أو غيرها من المواد التي تُحوّل التلميذ من طفل مشاغب في قسمه إلى مدمن وعالة على أسرته ومجتمعه.. فلكل الآباء وأولياء الأمور يقول هؤلاء التربوين: راقبوا أبناءكم وتابعوا مسيرتهم الدراسية، فالهرولة وراء اللقمة لا تعفيكم كآباء وأمهات من مسؤولياتكم التربوية والتوجيهية تجاه أبنائكم، فلذات أكبادكم.