كلما لوحت المدارس الخاصة برفع الأقساط الشهرية بداية كل موسم دراسي، كلما لاحظنا المواجهة بين أولياء الأمور العزل وبين أصحاب تلك المدارس، حيث تكتفي الوزارة الوصية بموقف المتفرج وتجنب التدخل كون الموضوع مسألة تحصيل حاصل ينتهي دوما لصالح الطرف الأقوى من أصحاب ال«بزنس». هذا المشهد أصبح يتكرر سنويا كلما أوجدت المدارس ذرائع مختلقة لرفع كلفة التعليم الخاص، ومن باب الموضوعية أنه يجب التفريق بين مدارس خاصة تتميز بتقديم الخدمة التعليمية كما يجب وتحتوي على أساتذة أكفاء وعلى مرافق وساحات للأنشطة وملاعب، وبين مدارس حازت على اسم «الخاصة» باستئجارها مبنى صغيرا يفتقر للمرافق الحيوية إلى جانب تقصيرها الملحوظ في الرفع من مستوى التعليم والنجاح لتلامذتها، والمفارقة العجيبة أن تتساوى الأقساط والأعباء المادية فيهما بشكل شبه متطابق، دون أن يتم وضع معايير محددة وتقييم دوري لتلك المدارس لتحديد سقف أعلى للأقساط السنوية المدفوعة من أولياء الأمور. العدد تضاعف خلال 6 سنوات حسب إحصائيات الوزارة الوصية، بلغ عدد المدارس العمومية خلال السنة الدراسية 2012-2011، حوالي 9995 مدرسة ما بين الابتدائي والثانوي الإعدادي والثانوي التأهيلي، من ضمنها 3321 مؤسسة بالعالم القروي، وبالنسبة للمدارس الخاصة، وخلال الموسم الدراسي 2010-2011 بلغ العدد 3168 مدرسة، أي أنه خلال 6 سنوات تضاعف عدد المدارس الخاصة الذي لم يكن يتعدى 1532 مدرسة في 2004، وهو ما رفع من عدد التلاميذ بهذا القطاع بنسبة قاربت 100 في المائة، فقد انتقل العدد في 2003-2004 من 280 ألف تلميذ إلى 641 ألف تلميذ أي بزيادة 360 ألف تلميذ جديد، بينما في التعليم العمومي لم يرتفع العدد سوى بحوالي 500 ألف تلميذ، نفس الإحصائيات تفيد بأن المدارس الابتدائية الخاصة هي من عرفت نسبة نمو أعلى من المدارس الإعدادية والثانوية، فما بين 2004 و 2010 عرف عدد التلاميذ بالقطاع العمومي استقرارا بل يمكن القول إنه تناقص، إذ انتقل من 3.9 ملايين تلميذ بالابتدائي إلى 3.6 ملايين حاليا، في الوقت الذي عرفت فيه أعداد التلاميذ الملتحقين بالتعليم الخصوصي نموا مضطردا سنة بعد أخرى، إذ انتقل العدد من 223 ألف تلميذ خلال الموسم الدراسي 2003-2004 إلى حوالي 471 ألفا في 2010-2011، أي بنمو فاق 100 في المائة، نفس الأمر سجل بالثانويات الإعدادية الخاصة التي استقطبت 27 ألف تلميذ فقط خلال 2004 لينتقل خلال 2011 ما يفوق 96 ألفا اختاروا التعليم الخاص، أي أن العدد تضاعف أكثر من 3 مرات خلال 6 سنوات، ونفس النمو سجل على صعيد الثانويات التأهيلية، حيث انتقل العدد في التعليم الخاص من 28 ألفا إلى 74 ألف تلميذ. و يؤكد بنداود المرزاقي، مدير التعاون والارتقاء بالتعليم المدرسي الخصوصي بوزارة التربية الوطنية، أنه ما بين 2001 و 2011 تضاعف عدد التلاميذ بالتعليم الخصوصي ما بين 246 ألف تلميذ إلى 641 ألفا، بنمو سنوي يفوق 16 في المائة، مع هيمنة تلامذة التعليم الأساسي بأكثر من 73 في المائة من مجموع التلاميذ، مشيرا إلى ضعف مساهمة التعليم المدرسي الخصوصي في مجهودات الدولة لتعميم التعليم، حيث لا تتعدى النسبة التي تستقطبها هذه المؤسسات 9.2 في المائة من مجموع التلاميذ، إضافة إلى توزيعهم الجغرافي غير المتوازن إذ أن 39 في المائة من المؤسسات و 49 في المائة من التلاميذ متمركزة بمحور الدارالبيضاء- القنيطرة، ليبقى بلوغ نسبة 20 في المائة المرسومة له في أفق سنة 2015 هدفا استراتيجيا من بين أهداف أخرى مرسومة للتعليم المدرسي الخصوصي. أسعار مرتفعة ومشاكل مع إدارة الضرائب لا يمكن توحيد التعريفة بين جميع مؤسسات التعليم الخصوصي، لأن الخدمات المقدمة تختلف من مؤسسة إلى أخرى، هذا ما يؤكده عبد الله خميس، رئيس اتحاد التعليم والتكوين الحر بالمغرب، مضيفا أنه لا يمكن مراقبة الأسعار في ظل غياب التعريفة المرجعية، لأنه في ظل تنوع الخدمات المقدمة للتلاميذ لا يمكن تحديد سعر مرجعي لكل مؤسسات التعليم الحر بالمغرب. وزيارة ميدانية لمختلف المدارس الخاصة المنتشرة عبر تراب مدينة الدارالبيضاء مثلا، يمكن أن نجد مدرسة ابتدائية تسجل التلميذ ب300 درهم شهريا، ويمكن أن نجد أخرى ب 2000 درهم، في حين يصل السعر بالإعداديات ما بين 800 و 3000 درهم، ويرتفع في الثانويات أكثر، إذ يتراوح الواجب الشهري ما بين 1600 و 6000 درهم حسب نوع ومكان تواجدها. لكن رغم ارتفاع الأسعار داخل هذه المؤسسات، نجد أن القطاع لديه مشاكل مع إدارة الضرائب منذ 2007، حيث فوجئ مهنيو التعليم الخاص بقرار يقضي بالحجز على منقولات وممتلكات وحسابات بنكية لحوالي 100 مؤسسة خصوصية بمختلف تراب المملكة، ضمانا لاستخلاص ضرائب مترتبة عن هذه المدارس الخصوصية منذ 1987 إلى سنة 2010، ولازال المشكل قائما لحد الآن حسب ما صرح به عثمان عزوزي، نائب رئيس اتحاد التعليم والتكوين الحر بالمغرب، حيث غياب التواصل في إطار لجن المتابعة المنبثقة عن لقاء 2007 مع الوزارات المعنية، خلق عدة إشكالات لازال المهنيون يتخبطون فيها .
«بزنس» الكتب والأنشطة الموازية اشتكى عدد من أولياء الأمور ل«المساء» من «بزنس» الكتب الأجنبية، الذي تنتهجه بعض المدارس الخاصة بفرضها شراء الكتب منها، وبأسعار لا تتناسب مع قدراتهم المادية، حيث تصل قيمة كتاب المادة الواحدة إلى أكثر من 200 درهم، وتلجأ تلك المدارس، حسب أحد أولياء الأمور، إلى التعاقد مع بعض المكتبات المعروفة لتوريد كتب خاصة ولا تباع في المكتبات الأخرى، وقال أب مريم التي تدرس في الصف السادس، إنه توجه إلى إحدى المكتبات بمدينة الدارالبيضاء للبحث عن بعض الكتب التي تدرس لابنته في إحدى المدارس الخاصة، إلا أنه فوجئ بصاحب المكتبة يخبره بأن الكتب المطلوبة ليست متوفرة، وأن المدرسة ربما تستوردها حصريا من إحدى دور النشر الأجنبية، أي أن عليه التوجه إلى تلك المدرسة لشرائها.. وقالت «ث.ط» إن إحدى المدارس الخاصة بمدينة الدارالبيضاء طلبت منها 2000 درهم قيمة كتب لابنها الذي التحق هذا العام بالصف الخامس، وأكثر من 3000 درهم لابنها الثاني في المرحلة الإعدادية، حيث طالبت الوزارة الوصية والمسؤولين بتحديد سعر جميع الكتب التي تباع في المكتبات خصوصا منها المستوردة، وطالبت بمنع بيع الكتب داخل المدارس الخاصة منعا للتحايل في زيادة الأسعار. وأشارت أم المهدي، 38 سنة مستخدمة بشركة، إلى أن مدرسة ابنها تفرض على التلاميذ دفع مبلغ لدخول غرفة الإعلاميات، أو دخول المكتبة، بينما كل تلك المبالغ تحصل ضمن الرسوم الدراسية السنوية التي تدفع في أول السنة ويفوق مبلغها آلاف الدراهم ، وذهبت أم أخرى إلى القول إن بعض مدارس التعليم الخاص تبالغ في تحصيل رسوم إضافية على الرحلات المدرسية التي اعتبرتها وزارة التربية الوطنية جزءا من العملية التعليمية والأنشطة المدرسية، ويجب عدم تحصيل رسوم عليها، ويصل مبلغ الرحلات إلى الأماكن خارج الدارالبيضاء إلى 120 درهما، فيما تفرض بعض المدارس على أولياء الأمور شراء الزي المدرسي منها حتى وإن كان متوفرا في السوق. مدارس غير مصنفة استاء عدد من الآباء من تحول بعض المدارس الخاصة إلى مشاريع استثمارية هدفها الربح على حساب التلاميذ وأسرهم، واعتبروا أن التفوق الظاهري، عندما تعلن المدرسة أن نسبة النجاح بها 100 في المائة، ما هو إلا «ماركوتينغ» ووسيلة من ضمن أخرى لجذب أعداد أكبر من التلاميذ، حيث يرى أحد المسؤولين التربويين بإحدى المدارس الحرة بمدينة الدارالبيضاء، أن تدخل الوزارة الوصية بات ضروريا لوضع حد لما يحدث في بعض المدارس الخاصة وتحديد سقف أعلى للرسوم وتصنيف هذه المدارس حسب إمكانياتها وما تقدمه من وسائل متطورة للتلاميذ، حيث نعاني مع أولياء الأمور عند كل موسم دراسي جديد، الذين لا يتفهمون الزيادات المتكررة التي يصطدمون بها، ونحن كمسؤولين تربويين لا نجد ما نقنع به هؤلاء الآباء الذين يكتوون بغلاء المعيشة في كل القطاعات، باعتبارنا نعلم أن الرسوم التي يفرضها أصحاب المدارس الخاصة باهظة، فالتأمين على التلميذ لا يتعدى في أحسن الأحوال 300 درهم، بينما يطلب من التلميذ دفع رسوم التسجيل والتأمين تفوق 2000 درهم. ويضيف أب أحد التلاميذ، أن على وزارة التربية الوطنية التركيز على تأهيل العنصر البشري والطاقم التعليمي داخل هذه المؤسسات، حيث لاحظ من خلال تجربته المريرة مع المدارس الخاصة، عندما استبدل أكثر من مرة مدرسة ابنه، أن قلة خبرة الطاقم التربوي تنعكس سلبا على الأطفال، ويعتبر ذلك مكلفا لأن الآباء يستعينون بأساتذة آخرين في إطار الدروس الخصوصية، منبها أن القائمين على هذه المؤسسات يجب أن يعرفوا أن الأمر واجب وطني قبل أن يكون ربحا ماديا وأنه من واجبهم الإخلاص لهذا الجيل وإيصال العلم والمعرفة له بأمانة، وهو ما يؤكده محمد أكنوش، رئيس فيدرالية جمعيات آباء وأولياء التلاميذ، عندما نبه إلى بعض الممارسات المشينة في العملية التربوية مثل عدم إتمام المقرر الدراسي وضعف جودة التحصيل وانكباب بعض رجال التعليم على تقديم دروس خصوصية في تفان أكثر مما يقومون به في شغلهم الأصلي.
البعثات الفرنسية..الموضة الجديدة يبلغ عدد التلاميذ المنخرطين هذه السنة في البعثة التعليمية الفرنسية أكثر من 28 ألف تلميذ حسب موقع السفارة، وتفتخر بكون مدارسها في المغرب هي الأكثر اكتظاظا في العالم، حيث 60 في المائة منهم مغاربة يدرسون في مختلف أسلاك التعليم من الحضانة إلى الثانوي، وتقوم برعاية هذه المؤسسات وكالتان فرنسيتان، الأولى هي وكالة التعليم الفرنسي في الخارج وتشرف على 23 مؤسسة، بينما الثانية هي المكتب المدرسي الجامعي والدولي والذي يشرف على سبع مؤسسات، وتوجد بالدارالبيضاء 7مؤسسات حرة صادقت عليها وزارة التربية الوطنية الفرنسية، نجاح هذه المدارس بالمغرب هو الذي دفع بعض المدارس الخاصة المغربية إلى اتباع هذا النموذج الفرنسي في التدريس، بل منها ما اعتمد من قبل وزارة التعليم الفرنسية لتطبيق المناهج الفرنسية كاملة، حيث رخصت فرنسا لأكثر من أربع مؤسسات مغربية خاصة متواجدة بمدينة الدارالبيضاء ببداية التعليم وفق المناهج الفرنسية، وإذا لم تستطع المدرسة الحرة أخذ هذا الترخيص، فإنها ترخص لنفسها بتدريس بعض المواد المقررة من طرف الوزارة باللغة الفرنسية، رغم أنها في الأساس تدرس باللغة العربية، وهو ما أكدته أم المهدي الذي يدرس بالسنة التاسعة إعدادي والذي نقلته من مدرسة إلى أخرى، حيث فوجئت بأن ابنها سيدرس هذه السنة مادة التاريخ والجغرافية وعلوم الأرض والحياة باللغة الفرنسية إلى جانب دراستها بالعربية، مع ما يستتبع ذلك من شراء الكتب الجديدة والتي تكون باهظة الثمن باعتبارها مستوردة من فرنسا .
نتيجة غير مرضية للآباء شبه عبد الله.ر، 45 سنة وأب لتلميذتين، انتشار المدارس الخصوصية بالفطر داخل غابة متوحشة، وسيارات النقل المدرسي تنافس سيارات الأجرة عددا عبر كل الطرقات، ورقعة اكتساح المدارس الخاصة تمتد إلى هوامش المدن، و تلامس بعض القرى، في المدن مدارس عمومية توصد أبوابها معلنة عن انتهاء مهماتها التربوية، وبعضها قد يعرض قريبا للبيع علنا لتنتصب عمارات أو أسواق ممتازة مكانها، وهو ما أكده عثمان عزوزي، ممثل اتحاد التعليم والتكوين الحر، بالقول إن الفئات المتوسطة والفقيرة كذلك أصبحت لها قناعات بأن المدارس الحرة تعتبر ملاذا أفضل لتعليم أبنائها، وهو ما ولد ضغطا كبيرا على القطاع، حيث وللأسف ما عرفته المدرسة العمومية من اختلالات تولد عنه نزوح إلى المدارس الخاصة، وهنا يطرح السؤال، لماذا يغادر مجموعة من التلاميذ المدرسة العمومية للالتحاق بالمدارس الخاصة، رغم العرض غير الكافي لاستيعاب كل الطلبات المتزايدة سنة بعد أخرى؟ وإذا ما استثنينا بعض المدارس الخاصة، المعدودة على رؤوس الأصابع والتي يعتبر مستواها جيدا لكنها باهظة الثمن، فإن جل المدارس الأخرى تعتبر متساوية في المستوى الذي تقدمه لتلامذتها، فهذه أم مثقفة تتابع ابنها يوما بيوم، وتلاحظ غير ما مرة أخطاء المعلمات وتقصير الأساتذة وعدم اكتمال المنهاج الدراسي، حيث تأكد أنها تقضي الساعات الطوال في تعليم ابنها وكأنه لم يقرأ الدرس في المدرسة من قبل، لتتساءل عن أي خطة دراسية وعن أي مراقبة إدارية توجد في هذه المدارس، وتضيف «بالرغم من أن ولدي في مدرسة خاصة تتمتع بسمعة طيبة إلا أنني كنت قد وجهت ذات مرة سؤالا إلى المدير كون ابني من حظه أنني أجيد اللغة الفرنسية والعربية وشيئا من الانجليزية، فما هو مصيره لو كنت أمية؟ من كان سيعلم ولدي؟ أنا أستطيع أن آخذ الكتب وأعلمه في المنزل دون الحاجة إلى المدرسة... إن ولدي متفوق بفضل الله وبمجهودي ومثابرته، لا بفضل المعلمات الضعيفات والرقابة المعدومة والسياسة التعليمية التجارية». ويتأسف أب تلميذ آخر بالقول إن ما يحدث اليوم في مدارسنا هو «عملية تقنيع للأمية وتجهيل، حيث سجلت ابني في مدرسة حرة وبواجبات شهرية تتعد 1200 درهم «غير باش يحضيوه ليا».أقول أمية مقنعة وجهل مزيف، حيث ينجح التلميذ تلقائيا بالنفخ في النقط المحصل عليها، وينهي الباكلوريا وهو غير ملم بقواعد النحو والصرف ولا يجيد كتابة فقرة واحدة من دون أخطاء إملائية وبثقافة ضحلة وهو ما لاحظته في ابني ومستواه الثقافي».