قبل بضعة أيام، بث التلفزيون المغربي تقريرا إخباريا عن الإقبال الكبير الذي تعرفه حامة مولاي يعقوب في فاس. التقرير ركز على الرواج التجاري و«تسخين لعظيماتْ» والسياحة و«التّفْواج» وما إلى ذلك، لكنه نسي أن يطرح سؤالا كبيرا: لماذا يقصد الناس هذه الأيام حامة مولاي يعقوب بهذه الدرجة غير المسبوقة؟ الجواب واضح، لقد أصبح الناس يحُكّون جلودهم بكثرة هذه الأيام، وكثيرٌ من الناس يقفون في طوابير أمام عيادات أطباء الجلد، وأطفالٌ كثيرون أصيبوا بعدوى الحكة، وهناك مدارس نصحت تلامذتها بالغياب من أجل تجنب العدوى؛ ورغم كل هذا فإن تلفزيون المغرب لم ير في الازدحام أمام حامة مولاي يعقوب سوى سياحة عادية. التلفزيون هو هو.. لا يتبدل ولا يتغير. وقبل ظهور هذه «الحكّة» غير المتوقعة، كانت العشرات من المدارس المغربية، خصوصا دور الحضانة والمدارس الابتدائية، عرفت هجوما غير متوقع لتلك الكائنات الصغيرة والمزعجة، التي اسمها القمل والتي عادت إلينا ظافرة منتصرة بعدما انقرضت في نهاية السبعينيات، واعتقدنا أن الحديث عن القمل مستقبلا سيكون شبيها بالحديث عن الديناصورات. عودة القمل إلى المغرب كانت مصحوبة برواج كبير لمضاداته في الصيدليات، وهناك أشخاص طلبوا أدوية من الخارج بسبب عدم فعالية الدواء الموجود في المغرب؛ ومع ذلك فلا أحد تحدث عن هذه الظاهرة، لا وزارة الصحة ولا التلفزيون ولا كل هذه الإذاعات المتناسلة هنا وهناك. وخلال الأيام الماضية، مات أطفال في قرى مقصية، فقالت وزارة الصحة إن ذلك لا علاقة له بأمراض معدية وقاتلة، لكن بعد أيام على ذلك التصريح أصيب الناس بمرض المينانجيت القاتل في مدن كان يعتقد أنها محصنة ضد أمراض القرون الوسطى، فظهرت أمراض في مدارس وأحياء بفاس ومكناس والدار البيضاء وطنجة، فلم يجد المسؤولون بُدّا من الاعتراف بأن مرض المينانجيت موجود بيننا. ها نحن اليوم، في الأسبوع الثاني من أول شهر من سنة 2013، يعني أكثر من 13 سنة على نهاية القرن العشرين وبداية القرن الحادي والعشرين، نجد أنفسنا محاصرين بأمراض اعتقدنا أنها ذهبت إلى غير رجعة. الغريب في كل هذا أن هذه الأمراض لم تظهر في منطقة دون غيرها، ففي حامة مولاي يعقوب يمكن العثور على أشخاص موزعين على كل خارطة المغرب. والقمل عندما عاد إلينا فإنه لم يفرق بين العاصمة وبين دُوّار بعيد. والمينانجيت، التي كنا نسمع عن وجودها في بلدان إفريقية بعيدة، صارت اليوم تؤثث أخبار الصحف وكأنها تقول لنا: اسمعوا أيها المغاربة.. أنا بينكم لكي أريكم حقيقتكم الساطعة، وهي أنكم لم تتقدموا قيد أنملة، بل أنتم لا تزالون في تخلفكم تعمهون. هذه الأمراض القديمة الجديدة تعود إلينا ونحن لا نزال نقاوم من أجل أشياء كثيرة، نقاوم من أجل ألا تلد النساء في سيارات الأجرة ومراحيض المستشفيات، ومن أجل ألا يلدن واقفات أو جالسات لأنهن لا يجدن حتى مكانا يتمددن فيه. الأمراض المنقرضة تعود إلينا بينما لا نزال نحاول البحث عن طريقة لحمل النساء الحوامل إلى المستشفيات في سيارات إسعاف أو حتى في سيارات عادية عوض حملهن في توابيت الموتى؛ ولا نزال نحاول إقناع الأطباء بأن يَقنعوا بالعمل في قطاع واحد، إما العيادات الخصوصية أو المستشفيات العمومية، أولا لأن الطب مهنة نبيلة، وثانيا لأن هذه الدنيا فانية، ولا يفيد جمع المال على حساب مرضى بؤساء لا حول لهم ولا قوة. يعود إلينا القمل والحكة و»المينانجيت» بينما المغاربة يحاولون أن يفهموا كيف يصاب 50 ألف مغربي كل سنة بذلك المرض الخبيث الذي يسمى السرطان، وكيف أنه لا يوجد في المغرب سوى عدد محدود جدا من المستشفيات التي تحاول العناية بضحايا هذا الداء، بينما الملايير من أموال الشعب تُصرف في مشاريع حمقاء وبلا هدف. نستقبل أمراضنا وعلاّتنا القديمة بينما لا نزال نأمل أن تصل سيارة الإسعاف في وقت مناسب لكي تحمل المصابين إلى المستشفى عوض حملهم إلى المقبرة، ونطمح إلى أن يتوقف كثير من العاملين في قطاع الطب عن صنع جيوب واسعة أو جيوب سرية لستراتهم البيضاء، بينما توجد قربَهم ملصقاتٌ بالألوان وعليها عبارة «وايّاك من الرشوة». تعود إلينا عاهاتنا القديمة بينما نحن لا ندري ماذا نصنع بأقسام المستعجلات التي تشبه ساحات حرب، ولا نعرف ماذا نصنع بجشع الكثير من المصحات الخصوصية التي تعتمد شعار «أُحْلب المريض حيا أو ميتا». ولا حول ولا قوة إلا بالله.