مولاي يعقوب قبلة للمتعة والاستشفاء، يوميا يصل عدد زوارها بالآلاف. موقع غير بعيد عن مدينة فاس إلا بحوالي خمسة عشركيلومتر، وغير بعيد كذلك عن مدنية سيدي سليمان ومكناس إلا ببعض الكيلومترات.. اكتشف سنة 1900 ، وكان قبل سنوات عبارة عن «بركة» صغيرة يلجأ إليها المئات من المغاربة والأجانب من أجل العلاج من أمراض عضوية وجلدية وبعض أنواع الروماتيزم والمسالك البولية . به حامة طبيعية، تنبع مياهها من عمق ما بين 1200 و 1500 متر من باطن الأرض ، بحرارة مائوية مابين 45 و 70 درجة مائوية تحتوي على أملاح محللة بالكبريت وعلى عدة عناصر خصائصية فيزيائية مهمة ذات نشاط إشعاعي طبيعي . تم تجهيز هذه الحامة سنة 1965 من طرف الشركة المعدنية التي سميت بإسمه . حينما تكون متجها نحو مولاي يعقوب عبر الطريق الرئيسية بين فاس ومكناس تمر عبر تلال شبه عارية ومنحدرات وعرة تغطيها أشجار خفيفة كما تمر على بعض البنايات السكنية المتفرقة المبنية بالطين، وكذلك تصادفك طريق تؤدي إلى «عين الله» وهو منبع مائي ساخن طبيعي، اكتشف في أواخر السبعينيات. وقبل أن يتراءى لك منتجع مولاي يعقوب تصلك رائحته .. وبينما أنت في المنعرجات التي تؤدي إلى مدخله يظهر لك «فندق مولاي يعقوب» ويليه إدارة الدرك الملكي وحدائق صغيرة ومدرسة وتجمع سكاني وسوق مركزي ... ثم تجتاز طريق حلزونية لتصل إلى ساحة عبارة عن محطات وقوف السيارات والحافلات، تغص بالزوار الوافدين والمغادرين. ما إن تنزل من السيارة أو الحافلة حتى تعترضك عددا من نساء وشيوخ وشباب عارضين خدماتهم عليك .. وتبدو لك الحركة رائجة وأمواج من البشر تتحرك في كل اتجاه. فمولاي يعقوب يعرف حركة دؤوبة على مدار السنة وتزداد الحركة نشاطا مع العطل ، خاصة في فصل الربيع والصيف.. في تلك الساحة العريضة والطويلة التي وطأت عليها قدميك ، هناك ، باب عليه الحراسة ، وهو للقصر الملكي، أتذكره في السابق ، كان بداخله فضاء واسع ، منظره خلاب ، به جبل تزينه غابة ، ومن الجهة الآخرى يظهر جبل آخر لا تستطيع الأشجار أن تنموبه، لأن تربته بها مواد تمنعها من ذلك، وفي قمته يوجد بيت من طين بجانبه قبر «للاشافية». هذا الفضاء تتوسطه بعض الدور السكنية القديمة وفندق ومطعم ومقهى وحانة .. كانت هذه المرافق لها هندسة معمارية خاصة، بناؤها من الخشب وبجانبها حديقة مليئة بالأشجار، ومساحات خضراء تضم بساتين من الورود والأزهار ، وعلى أرصفة الممرات هناك طاولات موزعة هنا وهناك بها كراسي يجلسها زبناء المقهى.. هذا الفضاء كان يملكه معمر أجنبي إسمه «باكو» أصله إسباني ، وله جنسية فرنسية. كان هذا الفضاء يعمه النشاط والإزدهار. لقد كان مكانا سياحيا بامتياز منذ الثلاثينات إلى غاية سنة 1963 ، من بعد هذا المنتجع سيباع و يغلق بصفة نهائية، ويهاجر صاحبه إلى فرنسا، بعد تسريح كل العاملين به بدون حقوق ، مع العلم أن منهم من اشتغل هناك أزيد من ثلاثين سنة. ومن بعد أصبح هذا الفضاء قصر للملك الراحل الحسن الثاني. من ضحايا هذا المنتجع الذين شملهم الطرد التعسفي، واشتغلون في تلك المرافق العشرات من المغاربة أذكرمن بينهم : محمد الكوزيني (الإنسان الطيب ، كان طباخا ماهرا يحسن أنواع الأكلات في المطعم، بعد تسريحه من عمله أصيب بمرض ولم يقوى على العمل ، ولم يرضى أن يمد يده للغير كان متعففا ، وانتهى به الأمر إلى أن أصبح متشردا في بعض المدن إلى أن وافته المنية بمدينة الدارالبيضاء) ، وخوصي وزوجته فاطمة «الزيزونية» (هي امرأة بكمة تتكلم بالإشارة فقط إنسانة طيبة .. كانت كثيرة الحركة بالإشارة) ، و والدي المرحوم عبد القادر (الذي التحق بمولاي يعقوب في الثلاتينات، حين كان عمره ستة عشر سنة)، وآخرون ... كل هؤلاء توفوا رحمهم الله . مولاي يعقوب، عاصمة إقليم زواغة مولاي يعقوب ، فهو عبارة عن مدينة صغيرة وفريدة، بموقعها وجوها ومائها وبأزقتها وطرقها المنحدرة التي كلها أدراج ملتوية، تربطني به علاقة قوية حيث به كان مسقط رأسي سنة 1954، وبه قضيت طفولتي الأولى رفقة أخي محمد وأختي خديجة وفاطمة التي توفيت رحمها الله ، وهي لازالت طفلة... حينما بلغ عمري خمسة عشر سنة ، بدأت أسافر إلى مولاي يعقوب من حين لآخر خصوصا أيام العطلة لأقضي بعض الأيام عند والدي الذي بدأ يشتغل هناك مع مطلع سنة 1964 . كان يشرف على تسيير مقهى و مطعم. أتذكر في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، كان هذا المكان مشهور عند ساكنة مولاي يعقوب ب «قهوة با عبدالقادر» يمتلئ بالسواح والزوار، كان يتردد عليه العشرات من الزبناء المغاربة والأجانب الذين يرجع بهم الحنين إلى الماضي. أبرز ساكنة المنطقة و الدواوير المجاورة تعتمد في عيشها على السياحة الداخلية، وتقديم الخدمات داخل الحمامات . أوالإشتغال في محلات تجارية وفضاءات للتسويق وفنادق مصنفة وغير مصنفة ودور للكراء أو في المطاعم والمقاهي أومحلات الأكلة الخفيفة، أو بيع الحريرة، و«سيكوك» و اللبن والحرشة والملوي والبغرير... أتذكر أيام العطل ، كان كل صباح تأتي العديد من النساء والفتيات من الدواوير المجاورة لتبيع الحليب والبيض والدجاج البلدي قرب السوق القديم وأمام فندق «لمراني».. كان يحج إلى مولاي يعقوب،كل الطبقات الاجتماعية .. منهم من يلجأ إلى مرافق الاستقبال الفاخرة للحامة وهي حامة عصرية بمواصفات دولية في منتجع يتكون من وحدة صحية ، بالإضافة إلى حمامات فردية وأخرى ثنائية ومسابح وحمامات ورشاشات وقاعات للترويض الطبي ، و«الدّلك» المائي وحمامات بخارية ، (أنشأت هذه المحطة الطبية المعدنية الجديدة في الثمانينيات، وبدأت تدخل عليها تحسينات خلال سنة 1994 ثم 2002 بتمويل مشترك خليجي ومحلي ). أو يلجأ إلى حامة عصرية بها حمامات فردية وأخرى ثنائية تسمى «البانيو» الاستحمام فيها يحتسب بالوقت. ومنهم من يكتفي بالصهريج العادي وهو حامة قديمة كانت عبارة عن مسبح عمومي للرجال وآخر للنساء ، تم إدخال عليهما بعض التحسينات كتغطية الصهاريج، وأصبح لهما مدخل واحد وصندوق للأداء واحد. لازالت هذه المسابح تحتفض ببعض العادات، وهي حين يقترب المرأ من المنبع الذي يخرج منه الماء الساخن يغطس رأسه ويصيح «بارد وسخون آمولاي يعقوب» لمواجهة سخونة الماء،ثم هناك أصوات تردد «الله مصلي عليك يارسول الله».. ومن بين أقدم الأسماء التي كانت تتواجد بمولاي يعقوب خلال الثلاينات والأربعينات ، أذكر بابوشتى الجامعي (الإنسان الخدوم معروف عليه أنه يكري المنازل للزوار،)، با منصور(الكراب)، بوشعيب (الحلاق)، والخضر (القهواجي)، باعمر (الشواي)، داحو والبهجة (اللذان كانا يبيعان السفنج كل صباح)، الركيك وبنهاشم (جزاران يبيعان اللحم بالسوق القديم)، والكبة (إسكافي)، وهناك بنات الحاج «الثلاثة» كن يقمن بعجن الخبز في منزلهم و يمولن السوق بالخبز، ثم هناك حباش (الحمال) وزوجته مي يامنة المولدة، والجيلالي (الرقاص) شاوش للسلطة، وبا عبد القادر (الإنسان المحبوب عند جميع ساكنة مولاي يعقوب الذي كان يقوم باكرا وبعد أن يؤدي صلاة الفجر يبدأ في تقديم وجبات الفطور بالمجان على مجموعة من المساكين والمتسولين والمتشردين، الذين كانوا منضبطين على المجيء كل صباح كالعادة إلى باب المقهى التي يشرف عليها، وبعد هذه العملية التي تستغرق حوالي نصف ساعة. ينتقل إلى عمله اليومي في الإشراف على المقهى التي كان مسؤولا عليها ). والفقيه السوسي (الذي كان يصلي بساكنة مولاي يعقوب) ، ومحمد الفيلالي وهو شيخ المنطقة ممثل السلطة المحلية في مولاي يعقوب وإخوانه العارابي وإبراهيم (وهم من أصل تافيلالت)، ثم كانت عائلة الوزاني والبوشيخي و المراني والتازي و بويزر... وكان هناك أيضا من اليهود المغاربة شخص يسمى «ساسو» كان يملك فندق ويشتغل معه احماد .